أسراب من الروبوتات قد تشيد أبنية المستقبل

كتاب "قريباً" من تأليف كيلي وزاك وينرسميث، عن دار بينجوين للنشر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بفضل التطورات الحديثة التي تحققت في مجالات الروبوتيات والحوسبة وغيرها من التكنولوجيات، فإن عدداً قليلاً من العلماء والمهندسين – ولكنه متزايد – يعتقدون أن تنفيذ عمليات بناء المنازل على يد الروبوتات قد يصبح حقيقة ممكنة في نهاية المطاف. في الواقع، هذا الأمر ليس ممكناً فحسب، بل أفضل مما نتصور، فاستخدام الروبوتات في عمليات البناء أن يزيد من سرعة البناء، ويحسن جودته، ويخفض تكاليفه، من خلال الجسور الرافعة العملاقة التي تقوم بأعمال تشبه عمل الطابعات ثلاثية الأبعاد، أو الأذرع الروبوتية المتنقلة على عجلات، والتي يمكن أن تحل محل عمال البناء بشكل مباشر.

على الصعيد الشخصي، نرغب في أن يقوم روبوت عملاق ببناء منزلنا، لكن قد تكون صفة “عملاق” غير مناسبة لتنفيذ هذا الأمر، فقد يصعب التعامل مع روبوت متوسط بحجم شاحنة مثلاً في المنطقة المحيطة بموقع البناء. بالإضافة إلى ذلك، عندما يكون لديك روبوت وحيد عملاق يفعل كل شيء، ويتعطل هذا الروبوت عن العمل في لحظة ما، عندها ستفقد قدرتك على القيام بأي شيء.

ماذا لو كان لدينا عدد كبير من الروبوتات الصغيرة بدلاً من عدد صغير من الروبوتات الكبيرة؟ يمكن لأسراب الروبوتات، مثل أسراب الحشرات (والبشر على حد سواء)، أن تبني هياكل أكبر منها بكثير. مع استخدام أنظمة الرافعات العملاقة، لا يمكن لارتفاع المنزل أن يتجاوز ارتفاع الرافعة، لكن أسراب الروبوتات يمكنها أن تزحف أو تحلّق، حيث تبني هياكل أكبر بكثير من حجم كل واحد من الروبوتات الصغيرة في السرب.

ويمكن لهذه الأسراب الروبوتية أن تستلهم طريقة عملها من علم الأحياء، ففي البحث الذي أجراه كل من الدكتور جستن ويرفل في جامعة هارفارد، والدكتورة كيرستين بيترسن، التي سبق لها العمل في نفس الجامعة وهي تعمل الآن في جامعة كورنيل؛ كانت الروبوتات مستوحاة من حشرات النمل الأبيض.

وفقاً للدكتورة بيترسن، يستطيع النمل “بناء أكثر الهياكل ارتفاعاً في مملكة الحيوانات مقارنة بحجم كل واحد منها. نحن نتحدث عن فوارق هائلة في الحجم، حجوم أكبر من الأفراد بآلاف المرات. إن تمكنا من فعل ذلك، فإن بضع مئات من الأشخاص يمكنهم أن يبنوا برج إيفل بدون أي مخططات تنظيمية، سيكون ذلك مذهلاً”.

تعاون ويرفل وبيترسن على إنجاز هذا المشروع، لكنهما تناولاه من زوايا مختلفة جداً، فالدكتور ويرفل يكتب البرامج التي تحدد القواعد التي ستتبعها الروبوتات، ويتفوه بجمل مثل: “نحاول أن نعرف بشكل فعلي ما هو برنامج العمل الذي يتبعه النمل الأبيض”. ويشير إلى أن حشرات النمل الأبيض “في غاية التعقيد”، ونحن لا نعلم حقيقة ما هي القواعد التي تتبعها، ولكن عمله كان يتضمن كتابة برنامج بسيط مستوحى مما يمكن للنمل الأبيض أن يفعله.

أما الدكتورة بيترسن، فهي تصمم وتبني الروبوتات المستوحاة من حشرات النمل الأبيض، وتقول أشياء مثل: “يمكن تمييز الروبوتات لأنها تملك هذه الأرجل-العجلات، وهي نوع من الأرجل المدولبة التي تحسن قدرتها على التسلق بشكل كبير وبأسلوب بسيط جداً”. أجل يا أصدقائي، إنها أرجل-عجلات.

وتقوم روبوتات الأرجل المدولبة الإلكترونية بالتقاط قطع مخصصة من الطوب، حيث تحملها إلى الموقع المناسب وتضعها في مكانها لكي تبني هياكل كبيرة الحجم. إنه أمر في غاية الروعة بالفعل، ولكن الذي يجعلها مثيرة للاهتمام بشكل خاص هو أنها تعمل بشكل مستقل. فالسرب ليس لديه تنسيق مركزي، وليس هناك أي روبوت ضمن السرب لديه إدراك بما تفعله الروبوتات الأخرى، فكل روبوت يلتقط قطعة طوب، ثم يحدد المكان الذي سيضعها فيه باستخدام مجموعة صغيرة من التعليمات.

كما تعمل أيضاً مجموعة من الباحثين في معهد كاتالونيا للهندسة المعمارية المتقدمة على ابتكار سرب من الروبوتات التي يمكنها بناء الهياكل، حيث قاموا بابتكار روبوتات “العمال الصغار”، وهي عبارة عن طابعات صغيرة ثلاثية الأبعاد، كل منها بحجم سلة الغسيل تقريباً، تقوم بوضع مادة تشبه الخرسانة (الإسمنت) في شكل طبقات، تخيل سلاحف روبوتية مزودة بفتحات لسكب الإسمنت. هذه الروبوتات ليست مستقلة تماماً، فلا يمكنك أن تضع حاوية لخلط الخرسانة داخل كل روبوت، لذا فهي متصلة بحاوية مركزية تزود كلاً منها بمادة الخرسانة.

إذا لم تستطع تصور هذا التركيب، حاول أن تتخيل روبوتاً عملاقاً مخيفاً مزوداً بمجسات. الإشكالية الكبيرة التي يتسبب بها وجود روبوت مزود بمجسات يقوم ببناء منزلك هو أن مجساته قد تتشابك. حسب علمنا، فإن الإعداد الحالي لروبوتات العمال الصغار يتطلب من مهندسي الروبوتات أن يجوبوا المكان لمساعدتهم على تجنب التشابك فيما بينها.

إن هذا النوع من الروبوتات مثير للاهتمام بشكل خاص، فهي تجمع بين استخدام سرب من الروبوتات بالإضافة إلى تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. كما يستطيع أحد أنواع روبوتات العمال الصغار من أن يستخدم أداة لشفط الهواء لكي يسحب نفسه على جوانب الهيكل الذي يتم بناؤه، ويتسلق، ويبني المزيد من الأجزاء، وهو أمر في غاية الروعة.

لكن دعونا نواجه الواقع، فإن وجود سرب من الروبوتات المستقلة العاملة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد؛ يبني لك منزلاً غير مكلف لتعيش فيه، سيصبح أمراً روتينياً بعد فترة من الزمن. ماذا عن استخدام روبوتات طائرة رباعية المراوح؟

يدير كل من الدكتور فابيو جرامازيو، والدكتور ماتياس كولر مختبراً علمياً مجنوناً في زيورخ، حيث تقوم الروبوتات ببناء هياكل جميل وواجهات خارجية للمباني. تضمن أحد المشاريع البارزة التي عملا عليها التعاون مع الدكتور رافاييللو داندريا، والذي يركز على صناعة جيوش مخيفة من الطائرات بدون طيار. حيث قامت الطائرات بدون طيار في مشروعهم بالتقاط قطع من الطوب مطلية بمادة لاصقة، ووضعتها الواحدة تلو الأخرى حتى تمكنت من تشكيل هيكل متكامل.

حسناً، بالطبع أنت لا تريد العيش داخل منزل مصنوع بالكامل من قطع الطوب اللاصقة، ولكن هذا النموذج ليس إلا إثبات أولي لصحة المفهوم.

وبما أن لديك قطيعاً من الروبوتات الطائرة، يمكنك أن تجعلها تضع كل لبنة بشكل دقيق، لتصنع بذلك هياكل معقدة، أو تبني نماذج بناء مثيرة للاهتمام. لكن للقيام بذلك، يجب أن يكون لديك نظام كاميرا لاقط للحركة يراقبها أثناء عملية البناء، ويوجه الطائرات. هذه الفكرة تسير بشكل جيد داخل المختبر، لكن تطبيقها خارجه قد يكون صعباً بعض الشيء.

إن إحدى مزايا نموذج السرب هو إمكانية التضحية بأحد الروبوتات عند الضرورة، وبالتالي إذا كان العمل المراد تنفيذه يتميز بالخطورة (تخيل التواجد داخل بناء مباشرة بعد وقوع زلزال، أو ضمن بيئة خطرة مثل نيو جيرسي)، قد يكون الاعتماد على عدد كبير من الروبوتات الصغيرة خياراً مفضلاً على البشر أو آلات البناء الكبيرة.

في المستقبل، ربما يظهر سرب مختلط من الروبوتات الطائرة، والروبوتات الأرضية في فناء منزلك خلافاً لما يفعله الجراد، حيث يترك لك شرفة جميلة قبل رحيله. أو على نحو أكثر فائدة بقليل، يمكننا أن نتصور يوماً نتمكن فيه من استعادة شبكات الصرف الصحي، الكهرباء، المياه، وأماكن الإيواء بوتيرة أسرع بكثير، وبتكاليف أقل بكثير، وبصورة أكثر أماناً بكثير لخدمة المناطق المنكوبة، وسيكون كل ذلك ربما بفضل اثنين من المهووسين الذين قضيا الكثير من الوقت يحدقان بالنمل الأبيض.

النص السابق هو مقتطف من كتاب “قريباً” لمؤلفيه كيلي وزاك وينرسميث، أكتوبر 2017، دار بنجوين للنشر.