التلوث الناجم عن البشر قد يؤدي إلى العواصف الرعدية

البرق وهو يضرب المياه، بينما تتنقل إحدى سفن البحرية الأميركية البرمائية (LPD 23) بين العواصف. وتعمل مجموعة إسيكس البرمائية الجاهزة ضمن نطاق مسؤولية الأسطول السابع.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يثير البرق فينا شعور الرعب، والاحترام المهيب الممتزج بالدهشة والخوف. عندما تلمع الصاعقة الكهربائية في السماء ويعلو صوت الرعد، ستشعر بها داخل جسمك. ولهذا سيتضح أكثر السبب الذي كان يجعل أسلافنا ينسبون هذه العواصف للآلهة: فالإله زولوتل عند شعوب الأزتك، والإله زيوس عند الإغريق القدماء، والإله ثور في الأساطير الإسكندنافية.

ولكن دراسة جديدة في مجلة رسائل البحث الجغرافية الفيزيائية تعزو سبب حدوث بعض العواصف الرعدية على الأرض إلى البشر. وقد وجد الباحثون أن التلوث الذي تطلقه القوارب أثناء عبور ممرات الشحن يمكن أن يؤدي إلى الكثير من عواصف البرق. حيث تشهد هذه المناطق المحيطية المزدحمة بسفن الشحن ما يصل إلى ضعفي الحد المتوقع من العواصف.
من كان يعلم أن إشباع رغبتنا في التسوق عبر الإنترنت يمكن أن يكون له كل هذا التأثير؟

وقد عرف الباحثون من قبل أنك عندما تضخ جسيمات صغيرة في الغلاف الجوي فقد تحصل على عاصفة رعدية، حيث يتشكل البرق. يبتشكل البرق داخل السحب مع مزيج من الجليد والماء السائل، وحركة صعود وهبوط قوية تدعى الجيب الهوائي. وعندما تتحرك جزيئات الجليد – وهي نوع من الأجسام يطلق عليها أطباء أمراض الكلى، والباحثون المتخصصون في السحُب اسم البرَد الدقيق– إلى الأسفل بفعل الجاذبية، فإن الجزيئات الثلجية الأصغر تتجه نحو الأعلى بسبب الجيب الهوائي، حيث تصطدم فيما بينها وتصطدم شحناتها الكهربائية. وعادة ما تحمل جزيئات البرَد الدقيق شحنة كهربائية سالبة، بينما تحمل الجزيئات الثلجية الطافية شحنة إيجابية. ولذلك عندما تصطدم ببعضها، سيحصل نوع من التفريغ الكهربائي، وهو الشرر الذي نراه على شكل البرق.

وللحصول على أكثر من برق واحد، عليك أن تعزز الحالة التي يتعايش فيها الماء السائل والقطرات المتجمدة وبلورات الجليد الثلجي داخل إحدى السحب، حيث مصدر جزيئات الهباء الجوي. وهي تعمل بشكل أساسي كبذور صغيرة تتكون منها السحب. وإذا كانت نقية جداً، ستتشكل قطرات سحُب أقل، ويزداد ثقلها وحجمها حيث تقوم بتجميع كل الماء المتوفر حولها. وهذا ما يزيد احتمال تساقطها بسرعة مكونة المطر بدون برق. وبعبارة أخرى، فإن الأجزاء الصغيرة غير النظيفة في الجو هي التي تعطي العواصف الرعدية شدتها.

ولكن لم يتضح إلى أي مدى ساهمت الأنشطة البشرية التي تطلق هذه الجزيئات (كعوادم السيارات، وانبعاثات محطات الفحم والغاز الطبيعي، ومحركات السفن) في الانبعاثات الكهربائية للأرض. وفي عام 2004، بدأ روبيرت هولزوورث من جامعة واشنطن بصنع شبكة من أجهزة الاستشعار، سميت شبكة مواقع البرق العالمية، للمساعدة في معرفة هذا الأمر.

تقول جويل ثورنتون، العالمة المتخصصة في الغلاف الجوي من جامعة واشنطن بسياتل: “متى ما كان هناك وميض برق سيكون هناك اضطراب في موجات الراديو. وإذا لم يكن لديك سوى أجهزة استشعار متوضعة في أجزاء مختلفة من العالم، فسيكون بإمكانك تحديد مكان الاضطراب بطريقة التثليث، وتحديد موقع حدوث الوميض عندما تحدد أجهزة الاستشعار هذا الاضطراب في أوقات مختلفة “.

وبالتدقيق في البيانات، أصبحت كاترين فيرتس، الباحثة في مركز مارشال لبعثات الفضاء التابع لوكالة ناسا في هانتسفيل بولاية ألاباما، والتي شاركت ثورنتون في دراستها، قادرة على إيجاد ما يشبه خريطة للعواصف.

خريطة للسفن التي كانت تعبر المحيط الهندي والمناطق المحيطة خلال شهر يونيو 2012. تتبع معظم السفن التي تعبر شمال المحيط الهندي مساراً ضيقاً شبه مستقيم باتجاه الشمال بين سريلانكا وجزيرة سومطرة بحوالي ست درجات. وتنتقل السفن شرقي سومطرة باتجاه الجنوب الشرقي عبر مضيق مالاكا، حيث تجوب سنغافورة، وتمتد باتجاه الشمال الشرقي عبر بحر الصين الجنوبي. وتبلغ انبعاثات جزيئات الهباء الجوي في هذه الممرات عشرة أضعاف أو أكثر مقارنة بممرات السفن الأخرى في المنطقة. وهي من بين المستويات الأعلى على مستوى العالم.

تقول ثورنتون: “لقد أشارت فيرتس إلى وجود قطاعَين يشبهان ممرات الشحن”. ومن المؤكد أنهم اكتشفوا أن قصف العواصف كان يحدث أكثر فوق ممرات الشحن فوق القوارب مباشرة.

إن اهتمام ثورنتون بجزيئات الهباء الجوي وعلاقتها بتشكل السحُب والعواصف الرعدية دفعها إلى إدراك أن العامل المحفز هو الجزيئات التي تشكل عوادم السفن. وبخلاف حرائق الغابات، فإن الأتربة ومواد التلوث التي نواجهها في كل مكان على اليابسة وأعماق المحيط لا تملك الكثير من الجزيئات. وإن وضع الكثير من الجزيئات في قطاع ضيق من امتداد بحري فقير بالجسيمات هو ما تسبب بهذا الارتفاع المأساوي في عدد العواصف.

وليست هذه المرة الأولى التي نرى فيها جزيئات السخام التي تؤدي إلى حدوث البرق. إنها السبب الكامن وراء ما يدعى العواصف الرعدية القذرة التي تشكل أحياناً صواعق داخل سحُب الرماد البركاني. ولكن هذه الدراسة تشير إلى أن ما نقوم به على الأرض ليس له تأثير على المناخ على المدى البعيد. كما يمكن أن تؤثر أنشطتنا وانبعاثاتنا مباشرة على الطقس.

تقول ثورنتون: “بإضافة الجزيئات من عوادم السفن إلى الغلاف الجوي، فإننا قد نحوّل بعض العواصف الممطرة إلى عواصف رعدية”.