تغلب على إدمان الهاتف الذكي بالتقليل من جاذبيته

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من سان فرانسيسكو… لقد انتقلت إلى اللون الرمادي، والنتيجة رائعة.

في محاولة مني للتخلص من الإدمان على هاتفي الذكي، انضممت إلى مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين قاموا بتعديل إعدادات هواتفهم بحيث تعرض الشاشة درجات اللون الرمادي فقط بدون ألوان على الإطلاق. كان أخصائي الأخلاقيات التقنية تريستان هاريس أول من دعا إلى هذا الإجراء، وذلك لجعل الشاشة أقل جاذبية.

لقد بدأت بهذا الأمر منذ يومين فقط، وجعلني ذلك أقلل من عادتي المزعجة في تفقد الهاتف إلى حد كبير، ما يشير إلى أن أحد الأساليب الممكنة للتخفيف من الارتباط بالهاتف الذكي هو جعله يبدو أسوأ بقليل. حيث يبدو أننا كائنات بسيطة يمكن اجتذابها بالألوان الزاهية.

تدرك شركات وادي السيليكون – مثل فيسبوك وجوجل – هذا الأمر بشكل جيد، وقد زادت من اعتمادها على علم الأعصاب التطبيقي لمعرفة كيفية استجابة الدماغ للألوان ضمن التطبيقات بالضبط، وما الذي يمكنه أن يبعث على السرور ويجتذب العين. وتبين أبحاث جديدة أهمية اللون في تحديد فهمنا للأولويات والعواطف.

ولكن هناك أشخاص لا يرغبون بالوقوع في غرام الشاشة هكذا. فقد طلب مستثمران كبيران من شركة آبل التوصل إلى طريقة لمساعدة الأهالي على الحد من استخدام أولادهم لأجهزة آيفون وآيباد، معربين عن قلقهم من ظهور مشاكل صحية على المدى الطويل. كما ظهرت حركة بين بعض أوائل العاملين في المجال التقني لمناهضة المنتجات التي قاموا بتصميمها وبنائها من قبل. وقد بدأ الكثير من المستهلكين يتساءلون عن تأثير هذه التقنيات على عقولنا.

تقول ماك ماكيلفي، المديرة التنفيذية لشركة التسويق ساليينت إم جي في واشنطن العاصمة، أنها تدرك تماماً ماهية الحيل الموجودة في الهواتف لزيادة زمن الاستخدام والتعلق بالجهاز.

قامت المؤلفة بتغيير إعدادات الشاشة إلى درجات اللون الرمادي لجعلها تبدو أقل إثارة للاهتمام.
حقوق الصورة: جيم ويلسون/ نيويورك تايمز

تقول ماكيلفي: “لا يشتري الناس عادة علب حبوب الفطور ذات اللونين الأبيض والأسود، بل يفضلون العلب زاهية الألوان والملفتة للنظر، وجميع هذه التطبيقات تتميز بخلفيات خلابة، وأشكال رائعة، وألوان زاهية، وجميعها مصممة خصيصاً لكي تلفت نظرك وتشجعك على استخدامها. ولكن العالم الحقيقي مليء بالأشياء الجميلة، ولا ينبغي له أن يكون محصوراً ضمن هاتفي”.

قررت ماكيلفي أن تعتمد درجات الرمادي أيضاً، ولكن ذلك كان أصعب مما توقعت. وتقول: “احتجت إلى حوالي 40 دقيقة حتى تمكنت من تغيير هذا الخيار. لقد دفنوه عميقاً ضمن القوائم، ويجب أن تكون لديك رغبة حقيقية بتغييره حتى تتمكن من العثور عليه”. (إذا رغبت بالمحاولة، إليك بعض النصائح)

تلجأ شركة فيسبوك وغيرها إلى توماس رامسوي، المدير التنفيذي لشركة نيورونز، وهي شركة عمرها أربع سنوات في كوبنهاجن. ويعتمد رامسوي على تقنيات المسح الدماغي وتتبع العين لدراسة التطبيقات، والتحديثات، والتقنيات المستقبلية. وغالباً ما تقوم الشركة بقياس النشاط الكهربائي للدماغ أثناء تفاعل أحد المستهلكين مع الهاتف، مثل إرسال الرسائل وتصفح فيسبوك.

يقول رامسوي؛ عادة ما يكون الهدف هو أن يوحي المنتج بالسعادة، ويلفت الانتباه من دون إثارة المستخدم بشكل زائد عن الحد. وعلى مدى السنة الماضية، كانت فيسبوك من أهم المتعاملين معه، ونشرت بعضاً من أبحاثه. ويقول: “هناك الكثير من العمل الآن لدرجة أننا نكاد لا نصدق أنفسنا”.

يتابع رامسوي: “اللون والشكل هما المسؤولان عن لفت النظر وإعطاء الانطباع الأولي عند جذب انتباه المستخدمين، ويمكننا القول إن هذا الانتباه هو العملة الجديدة الرائجة. يجب أن تكون الواجهة مدروسة جيداً، لأنه يوجد توازن دقيق ما بين لفت الانتباه وإزعاج المستخدم أو التعدي على مساحته الشخصية”.

وفقاً لرامسوي، فإن الانتقال إلى اللون الرمادي يتيح المزيد من الخيارات للمستخدم.

تستخدم الشركات الألوان لتشجيع القرارات في اللاوعي، وفقاً لرامسوي، بحيث إذا كنت تريد أن تتفقد بريدك الإلكتروني، ينتهي بك المطاف في موقع إنستغرام لأنك رأيت هذا الزر الملون. وبالتالي فإن تحويل الشاشة إلى درجات اللون الرمادي يلغي هذا التلاعب، ويتيح “التحكم بالانتباه” على حد وصف رامسوي.

يقول رامسوي: “إنها فكرة جيدة للغاية. عليك أن تلغي الصوت أيضاً”.

يمكن لشركات وادي السيليكون أن تساهم في التخفيف من الإدمان على الهواتف بالاستخدام الحذر للألوان، وفقاً لبيفيل كونواي، وهو محقق في المعهد الوطني للبصر، والذي يبحث في مجال الألوان والمشاعر.

يقول كونواي: “إن اللون ليس مجرد إشارة لتحديد مكان الأجسام، بل هو يعبر عن شيء أكثر أهمية بكثير، فهو يحدد لنا مدى أهمية الأشياء. أي أن التعرض للكثير من الألوان والتباين يؤدي بك إلى حالة من الجذب المستمر للانتباه، ويصبح نظام الانتباه لديك أشبه بشخص يصيح بك باستمرار لتنظر نحو شيء ما”.

يقول كونواي أنه ينبغي على الأشخاص أن ينظروا إلى الألوان على شاشة هاتفهم بنفس الطريقة التي ينظرون بها إلى الألوان التي يختارونها أثناء التخطيط لديكور غرفة الجلوس في منازلهم: “إذا كان لديك مجموعة مناسب من الألوان، ستحصل عندها على جهاز حسن المنظر ولكن ليس لدرجة تسبب الإدمان، ويحمل جانباً من التوجه المتعمّد بذلك، ولكن هذا بالطبع ليس هو هدف هذه الشركات، لأنهم يريدون منك أن تنظر باستمرار إلى الشاشة”.

يخوض وادي السيليكون معركة مستمرة للاستحواذ على انتباهنا، وغالباً ما كنت أشعر أن عيناي خارجتان عن سيطرتي. وبعد الانتقال إلى اللون الرمادي، لم أتغير فجأة، ولكنني أشعر أنني أكثر تحكماً بهاتفي، وأنه يبدو الآن كأداة أكثر من كونه لعبة. وإذا قمت بفتحه لإرسال رسالة بالبريد الإلكتروني، فمن غير المرجح أن أنسى هدفي الأساسي وأنقر على إنستغرام. وإذا كنت واقفاً في الطابور داخل محل لبيع القهوة، يبدو لي هذا المربع الرمادي أقل جاذبية وتشتيتاً للانتباه من قبل.

لقد أحسست بفضل هذا الإجراء أنني ما زلت أمتلك شيئاً من زمام المبادرة.

ترجمت هذه المقالة عن موقع ذا نيويورك تايمز