مشاة البحرية الأميركية تريد صناعة طائرات بالطباعة المجسّمة

طائرة استطلاع بدون طيار بعد أن تم تجميعها طائرة الاستطلاع هذه المصنوعة بالطباعة المجسمة (ثلاثية الأبعاد) تحمل كاميرا صغيرة أسفل منتصفها
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن تجميع الطائرة المسيرة “سكاوت” خلال 3 دقائق فقط، وبعد مضي الدقيقة الرابعة، ستكون قد بدأت بالتحليق، بعد إطلاقها من قبل أحد عناصر المشاة البحرية. رحلتها الجوية قصيرة، ربما تدوم 20 دقيقة على الأكثر، ولكن المعلومات المستمدة بفضلها قيّمة، فهي عبارة عن بث فيديو في الزمن الحقيقي يظهر فيه الأشخاص أو الأشياء القابعة خلف بناء معين على بعد أكثر من كيلو متر.

بعد كشف المنطقة، تعود الطائرة المسيرة سكاوت أدراجها؛ والتي تحمل اسماً ملائماً لعملها بلا شك، لتنفذ هبوطاً عنيفاً، فيتحطم بسببه أحد جناحيها.

تمثل هذه الرؤية الحد الأدنى من التصور الذي يضعه فريق الجيل القادم للخدمات اللوجستية في مشاة البحرية الأمريكية، من خلال برنامج جديد للطائرات بدون طيار. في فبراير الماضي، أرسل الفريق العريف “ريت ماكنيل” إلى منطقة عمل تعاونية على مرفأ في سان فرانسيسكو لمعرفة ما إذا كان بإمكان أدوات التصميم الحديثة أن تبني طائرة الاستطلاع المسيرة التي تحتاج إليها مشاة البحرية الأميركية. باستثناء: أن سلاح مشاة البحرية الأمريكية لديه في الواقع طائرة بدون طيار يتم إطلاقها يدوياً لتؤدي مهمات استطلاعية كالتي ذكرناها آنفاً، وقد كان لديها طائرة مسيرة منذ سنوات عديدة.

الطائرة المسيرة ريفن “RQ-11 Raven” هي عبارة عن روبوت طائر، حيث خاضت معارك في العراق وأفغانستان. يتم رميها كما يرمى الرمح في الهواء، وإذا نجحت عملية الرمي يمكن للطائرة عندها أن تحلق بسرعات تصل إلى ما يقارب 80 كيلومتراً في الساعة، ضمن نطاقات تصل إلى 10 أميال تقريباً، وهي تبث الفيديو إلى مشغلها طوال الوقت.

(إذا فشلت عملية الإطلاق، وهوت ريفن باتجاه الأرض، قد تتحطم في بعض الأحيان بشكل مكلف). كما أنها تعد صغيرة في عالم الطائرات العسكرية المسيرة، حيث يمتد جناحاها على طول 1.4 متراً فقط، ويتجاوز وزنها 1.8 كيلوجراماً بقليل. ولكن ليس كل ما يتعلق بهذه الطائرة المسيرة من الحجم الصغير: فكلفة طائرة ريفن المسيرة الواحدة تتجاوز 30,000 دولار أميركي، حيث تصل كلفة نظام متكامل يضم 3 طائرات ريفن مسيرة، ونظاماً أرضياً للتحكم إلى 250,000 دولار.

يقول ماكنيل: “تأتي طائرة ريفن داخل حقيبتين كبيرتين من نوع “بيليكان” لحماية المعدات العسكرية”. ويضيف: “أنا أعمل ضمن فريق موحد لمكافحة الدروع، أي أننا نتجول كثيراً داخل شاحنات. ينبغي أن تتسع المساحة داخل الشاحنة لما نصطحبه من بدلات، مياه، المزيد من الوقود، حقائب المعدات الميدانية، فهذه الأشياء تشغل الكثير من المساحة، وأخيراً هناك الذخيرة. هذا الكم من الأشياء قد يصعب عليك إيجاد حيز كاف لحقيبتي البيليكان”. فبدلاً من تخصيص شاحنة بأكملها لنقل أجزاء الطائرة، غالباً ما نقوم الآن بوضعها في الخلف.

إن لم يرغب الجنود باصطحاب الطائرة المسيرة معهم طوال جولتهم، فسيكون أمام الطائرة فرصة ضئيلة لكي يتمكنوا من إطلاقها، وعندما يقومون بإطلاقها هناك أحداث معينة قد تواجهها.

يقول ماكنيل: “عندما تتحطم إحدى هذه الطائرات فإن إصلاحها مكلف للغاية، وعندما أقول إنه مكلف جداً، فذلك لأن أحد أجزاء الجناح يكلف نحو 8,000 دولار”. ويضيف: “لذلك كثيراً ما تتجنب كتيبتك استخدام هذه الطائرات لأنها مكلفة للغاية، ولأنه يتعين عليهم أن يكتبوا تقارير وكشوفات بالحادثة، كما أن الحصول على قطعة بديلة يتطلب الكثير من العمل الورقي”.

كان ماكنيل واحداً من الأشخاص الذين تقدموا العام الماضي بمقترح إلى برنامج “مسابقة الابتكارات اللوجستية الخاصة بمشاة البحرية الأميركية” (مارين كوربس لوجيستيكس إنوفيشن تشالينج)، وهو برنامج تم تصميمه للاستعانة بالأفكار التي يقدمها الجمهور حول التقانات الخاصة بالطباعة ثلاثية الأبعاد، والقابلة للارتداء. كما طرحت مسابقة “اصنع فيلقك كما ترغب” (ميك يور كوربس) أسئلة على المنافسين: “بوجود الأدوات والتعليمات المناسبة، ما الذي بإمكان جندي البحرية أن يفعل؟ هل ستحسن هذه الحلول القدرات القتالية للجنود، سواء كانوا في الثكنات أو في الخطوط الأمامية؟

بالنسبة لماكنيل، كانت فكرته عبارة عن طائرة بدون طيار تقوم بمعظم ما تقوم به الطائرة المسيرة ريفن، ولكن كلفتها تشكل جزءاً بسيطاً من تكاليف هذه الأخيرة، وأبعادها أصغر بحيث يمكن وضعها داخل حقائب مرنة ليتم نقلها. للعثور على هذه الفكرة، توجه ماكنيل إلى “thingiverse.com”، وهو موقع إلكتروني للمشاع الإبداعي يوفر للعموم ملفات رقمية لتصاميم مخصصة للطباعة ثلاثية الأبعاد.

عثر ماكنيل في هذا الموقع على تصميم باسم “نوماد”، وهو يعود لطائرة بسيطة بدون طيار مع أجنحة ثابتة قام بتصميمها شخص يدعى أليخاندرو غارسيا. نُشر تصميم غارسيا المسمى “نوماد” بموجب رخصة المشاع الإبداعي، وهو تصميم لطائرة يمكنها أن تحمل كاميرا “جو-برو”، ومحركاً، وهو مكون من أجزاء مستقلة قابلة للتجميع. هذا التصميم القائم على وحدات مستقلة يعني أنه من السهل إعادة طباعة الأجزاء المتضررة، كما أنه من السهل تفكيكه وإعادة تجميعه عند الحاجة.

بعد أن قدم نسخة معدلة من تصميم غارسيا، تم اختيار ماكنيل ليكون واحداً من حوالي 20 فائزاً في مسابقة الحلول اللوجستية. في فبراير الماضي، شارك فيلق القوات البحرية ببرنامج “بيير 9” للإقامة من تطوير شركة أوتوديسك، وفي الوقت الذي انتهت فيه الإقامة في شهر يونيو الفائت، انتهى ماكنيل من تطوير نموذج أولي جديد لطائرة بدون طيار تمت صناعته بالطباعة المجسمة، حيث لقبت باسم “سكاوت”. شكلت نهاية الإقامة فرصة أمام ماكنيل بوجود نموذجه الأولي، وملفات التصميم الجاهزة لكي يرسلها على زملائه من جنود البحرية سعياً للحصول على آرائهم بشأن النموذج، واختباره، إجراء التحسينات اللازمة.

يقول ماكنيل: “تبلغ الكلفة الإجمالية للنظام 615 دولاراً. وإذا تحطم جناح واحد الآن، فستبلغ كلفة تجديده نحو 8 دولارات بدلاً من 8,000. وهذا الحل أفضل بكثير بالنسبة لنا”.

تستخدم الطائرة سكاوت وحدة تحكم بالطيران مفتوحة المصدر، وبرنامجاً مفتوح المصدر للملاحة الموجهة بالإحداثيات. حمولتها الوحيدة في الوقت الراهن عبارة عن كاميرا، على الرغم من تصميمها الذي يتيح استبدال الحمولة.

ومقارنة بطائرة مسيرة مثل “ريفن”، تبدو إمكانيات هذه الطائرة محدودة بشكل أكبر: فمدى تحليقها في الوقت الحاضر لا يتجاوز 3 كيلومتراً تقريباً، ورغم أن بإمكانها التحليق بسرعات تصل إلى ما يقارب 80 كيلومتراً في الساعة، إلا أنها قادرة على فعل ذلك لمدة تتراوح من 12 إلى 20 دقيقة فقط. تفتقد الطائرة أيضاً لوجود تقنية الليزر لتحديد الأهداف، كما أن الكاميرا التي تستخدمها في الوقت الحالي لا يمكنها الرؤية بالأشعة تحت الحمراء. لكنها مع ذلك تلبي معظم المتطلبات الهامة: فكلفتها أقل من 1,000 دولار، ومع ذلك يمكنها أن تستطلع التلة التالية، وهو ما يفي بالغرض بالنسبة لمشاة البحرية.

طائرة سكاوت بعد تفكيك أجزائها
بالاعتماد على تصميم “نوماد” المكون من أجزاء مستقلة، يتم صنع “سكاوت” من أجزاء صغيرة مطبوعة؛ تم تصميمها ليسهل تجميعها خلال دقائق
مصدر الصورة: أوتوديسك

ينبغي أن يكون ذلك كافياً لصناعة طائرة بدون طيار بكلفة ضئيلة، ويمكن استبدالها بسهولة بحيث يشعر الجنود بالراحة عند اصطحابهم لها في دورياتهم. وهو أمر جيد، لأن الاكتفاء بشراء طائرة بدون طيار متوفرة في الأسواق قد لا يعود خياراً مطروحاً بعد اليوم. في مطلع شهر أغسطس الماضي، قرر الجيش حظر استخدام طائرات DJI المسيرة، وذلك بذريعة الخوف من نقاط ضعف ومخاطر الأمن الإلكتروني التي تتضمنها الطائرات رباعية المراوح (كوادكوبتر) صينية الصنع. لبناء طائرته المسيرة الرخيصة، لجأ ماكنيل إلى الأجزاء الجاهزة المتاحة في الأسواق، وهو ما يبقي التكلفة منخفضة، ولكن ذلك قد يحمل بعض المخاطر المماثلة.

يقول القبطان كريستوفر وود، مدير الابتكار في شركة “نيكسلوغ”: “ليس لدينا حل مثالي، ولن يكون لدينا في وقت قريب”. ويضيف: “تتطور التكنولوجيا في عالم الطائرات المسيرة بسرعة كبيرة، لدرجة أنه من الصعب التنبؤ بأي شيء. نحن بحاجة لإدراك المخاطر التي نقبل بها في الحلول التكنولوجية التي نستخدمها”.

مع ما تتمتع به من تحليق قصير المدى، وقدرات تحكم بسيطة، قد تكون المخاطر الخاصة بسكاوت في حدها الأدنى بما يكفي لتطوير التصميم من نموذج أولي مصنوع بالطباعة المجسمة إلى آلة بسيطة مصنعة، ولكنها آلة يمكنها مع ذلك أن تحلق بوجود قطع غيار يمكن طباعتها بسرعة. سيشكل هذا التطور خطوة كبيرة للوصول إلى رؤية قائد سلاح البحرية “نيلر” بشأن وجود “طائرة بدون طيار في كل فرقة”، وتحقيق ذلك بجزء بسيط من تكلفة التصاميم الحالية.

يقول وود: “إن تجربة شيء جديد، مثل هذا الأسلوب في الاستعانة بالمصادر الخارجية، الطباعة ثلاثية الأبعاد، وتبني تقنيات الطائرات المسيرة الصغيرة، لا يعني أن هذه التقانات تخيفنا. وإنما تعني إن الأمر يتطلب منا إعادة النظر في أسلوب العمل الذي انتهجناه لوقت طويل، وهو ما يبدو أمراً مقلقاً بعض الشيء”.

بالإضافة إلى طائرة سكاوت من ماكنيل، أنشأت مشاة البحرية الأمريكية ثلاثة مختبرات دائمة للتصنيع، حيث وضعت مختبراً واحداً في كل من “29 بالمز”، و”كامب بيندلتون” في كاليفورنيا، والثالث في “كوانتيكو” في فيرجينيا. كما يوجد مختبر متنقل للتصنيع يقوم مكتب وود بإرساله عبر أرجاء البلاد، يقوم بتدريب 8 من مشاة البحرية في وقت واحد على كل شيء؛ من اللحام، إلى الطباعة المجسمة، إلى بناء الإلكترونيات، إلى بطاقات الحاسوب الصغرية “راسبري باي”، وبطاقات “أردوينو” للتطوير الإلكتروني مفتوح المصدر. بالرغم من أن مشاة البحرية لا تعلم بعد إن كانت تريد توفير آلة للطباعة ثلاثية الأبعاد على مستوى الكتيبة أو الفرقة، إلا أنها تضع أساساً متيناً لإدخال الأدوات بصورة أعم في المستقبل.

تقوم بعض تشكيلات مشاة البحرية بطباعة نسخ من الذخائر لتدريب الجنود على أشياء يمكنها أن تواجههم في الميدان. في حين تقوم تشكيلات أخرى بطباعة طائرات بدون طيار للتدريبات، للتدرب على مواجهة أنواع التهديدات التي يمكن أن تواجههم أثناء القتال خارج حدود البلاد.

وفقاً لوود، يوجد بشكل إجمالي 40 وحدة مشاة بحرية بما في ذلك وحدات الصيانة، الاستخبارات، المشاة، العمليات الخاصة، وحتى كتيبة دبابات تستخدم كلها آلات للطباعة المجسمة بصورة روتينية إلى حد ما.

مع توفر الأدوات في متناول اليد، يقوم جنود البحرية بأنفسهم بتصميم وطباعة الأجزاء التي يحتاجونها، من أزرار الراديو الأفضل جودة، إلى الأجزاء المفقودة من طائرات بدون طيار، إلى أدوات التدريب، وبالتالي يمكنهم إنجاز المهمات الموكلة إليهم على أكمل وجه.

يقول وود: “لا يمكنني أن أفرض هذه الحلول عندما أكون جالساً في البنتاغون، فأنا لن يكون بمقدوري أن أفهم كامل المجموعة من الحلول”. ويضيف: “أما جنود البحرية على الأرض فهم قادرون، خاصة عندما تقوم بتجميعهم من كافة تشكيلات مشاة البحرية الأميركية”.