هل يكشف الذكاء الاصطناعي ملامح شخصيتك من بيانات وجهك؟

يقوم البرنامج الجديد للقيادة الذاتية للسيارات من فيونير بقراءة وجهك أثناء القيادة، واتخاذ القرارات بناء على تعابير وجهك. مصدر الصورة: فيونير
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في يناير من كل عام، تتسابق حوالي 4,500 شركة للمشاركة في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية الذي يُقام في لاس فيجاس.

تشابهت فعاليات المعرض مع الأعوام السابقة، حيث بالغت الشركات في مديح أفكارها، وتسابق الحاضرون في التغريد حول المنتجات الغريبة، وامتلأ إنستغرام بالعديد من الصور لأروقة المعرض.

شارك الجميع في تحديد التوجهات التكنولوجية لهذا العام مثل: الطائرات بدون طيار، المساعد المنزلي الذي يعمل بالأوامر الصوتية، بالإضافة إلى أجهزة التلفاز التي تعمل بدقة 8K. إلا أن أكثر الروبوتات إثارة للجدل هي التي تدعي القدرة على “قراءة” الوجوه البشرية، وكشف العواطف والوضع الصحي من صورة واحدة.

بعض تلك الروبوتات غريبة إلى درجة كبيرة، وكأنها تمثل مزيجاً من ثقافة الصور الهزلية والعلوم الزائفة، فقد عبرت إحدى الآلات عن رأيها بصورة زميلنا محرر التكنولوجيا “ستان هوراتشيك” – البالغ من العمر 36 عاماً – كما يلي: “إنه ظريف المنظر، يبلغ من العمر 30 عاماً، ويشبه المغني الكوري جي دراجون” (على الأقل، تمكنت الآلة من إعطاء صفتين صحيحتين من أصل ثلاث صفات)، وقالت آلة أخرى أنه يبلغ من العمر 47 عاماً وأنه “ذكر بنسبة 98%”، وقد تضمنت الحالتان أيضاً الكثير  من الوجوه التعبيرية.

بعض هذه الآلات قد تؤثر على حياة الجميع بشكلٍ كبير، فقد قدمت إنتل معلومات جديدة حول جهودها في بناء كرسي متحرك يتم التحكم به عن طريق تعابير الوجه (تخيل مثلاً الاستدارة إلى اليسار بغمزة)، مما سيؤثر على إمكانية الحركة بشكلٍ ملحوظ وإيجابي. كذلك قامت شركة “فيونير”  بالترويج لفكرة “التعرف على تعابير الوجه” لسيارة ذاتية التحكم عن طريق الذكاء الاصطناعي، حيث يتفحص تعابير الوجه لتحديد ما إذا كان السائق متنبهاً أو نائماً أو لاهياً عن الطريق. كما عبّر البعض عن رغبتهم بأتمتة جزء من عمل الطبيب من خلال القدرة على تفحص الوجه في محاولة لتشخيص المرض.

قد تكون تلك المعروضات براقة وجديدة، ولكن الرغبة البشرية في تحويل الوجوه إلى المعلومات تعود إلى أزمنة غابرة. فقد كان الرياضي الإغريقي فيثاغورس يختار طلابه “بناء على الموهبة البادية على وجوههم”، وفقاً لسارة والدورف من شركة ج. بول جيتي الائتمانية. وفي القرن الخامس عشر، كانت الوحمة القرمزية على وجه الملك الاسكتلندي جيمس الثاني (الملقب بالملك ذي الوجه الناري) تجسيداً مباشراً لمزاجه شديد الحدة. وفي أيام أوروبا الاستعمارية، كان الكثير من العلماء يعتقدون بصحة الرسوم الكاريكاتورية العنصرية التي تربط بين التعابير البشرية والسلوك الحيواني.

كان علم الفراسة منتشراً على نطاق واسع، ويحمل اعتقاداً بأن وجوهنا مليئة بالمعاني الخفية، ولم يختف هذا العلم بشكل كامل على الإطلاق، كما يشير تيجو كول من مجلة نيويورك تايمز، حيث أن هذا الاعتقاد يتجسد في جميع أعمال التصوير الفوتوغرافي: “نحن نميل إلى تفسير الصور الشخصية كما لو أننا نقرأ ميزة حقيقية لصاحب الصورة، حيث أننا نتحدث عن القوة والتردد عند المقارنة بين الفكوك قوية المنظر التي تثير الإعجاب والذقون غير البارزة التي تثير الشفقة. كما أن جبهة الرأس العالية تعتبر رمزاً للذكاء. وببساطة، تصبح ملامح وجوه الأشخاص معبرة عن شخصياتهم”.

ولكن ماذا يمكن لعينين وفم وأنف أن تخبرنا فعلاً؟

تقول “ليزا فيلدمان باريت” المتخصصة في علم النفس والعلوم العصبية المتعلقة بالمشاعر في جامعة نورث إيسترن: “أعتقد أن التكنولوجيا يمكن أن تتطور في مرحلة ما لتصبح قادرة على قراءة مزاجك من وجهك، ولكن ليس الوجه فقط، بل بالاعتماد على السياق أيضاً”.

لنأخذ التكشير مثالاً، وهو مؤشرٌ عالميٌ على الامتعاض. تقول باريت في إشارة إلى فيلم من بيكسار في 2015 حول العواطف المختلفة: “لقد رأينا هذا في فيلم inside out. إن الشخصية الصغيرة المعبرة عن الغضب تأخذ نفس الشكل تقريباً داخل دماغ كل شخص، وهي نموذج نمطي يصدقه الجميع”. غير أن أكثر الأدلة ثقةً تشير إلى شيء آخر، كما تقول باريت: “يعبس الناس عند الغضب في 20% إلى 30% من الحالات، ولكنهم لا يفعلون هذا في أحيانٍ أخرى، وفي معظم الوقت، يعبسون عندما لا يكونون غاضبين، ما يعني أن العبوس لا يعبر بالضرورة عن الغضب”.

وهنا يأتي دور السياق. فنحن نقوم على الدوام بتحليل “لغة الجسد” للآخرين، وتعابير الوجه، وحتى نبرة الصوت. وأثناء المراقبة، نفكر بما حدث للتو، وما يحدث الآن، وما يحتمل أن يحدث لاحقاً. بل إننا نأخذ بعين الاعتبار ما يحدث داخل أجسادنا نحن، وما نشعر به ونفكر به ونراه، كما تؤكد باريت. تتفاوت البراعة في هذا الأمر بين شخص وآخر، وهناك الكثير من العوامل التي تؤثر على نجاحك في تفاعل معين مع شخص آخر. إذا كنت تعرف هذا الشخص جيداً، وتعلمت بالمحاولة والخطأ كيف يعبر عن مشاعر معينة، فمن المرجح أن تكون أكثر نجاحاً في تفسير معنى التكشير بدقة.

غير أن هذا لا يُعتبر فعلياً بمثابة “قراءة” وجه شخص ما. تقول باريت: “في الواقع، فإنه تشبيه غير مناسب، لأننا لا نستطيع كشف المعاني النفسية في حركات شخص ما، بل نستنتجها، ويعتمد هذا الاستنتاج بشكل كبير على السياق”. وفي أفضل الحالات، فإنك تستخدم تعابير وجه شخص آخر للتوصل إلى نتيجة جديدة اعتماداً على البيانات ومعلوماتك، وهو شيء لا تستطيع الروبوتات حالياً أن ترصده أو تفهمه.

قد تساعدنا هذه الميزات الكامنة على التعاطف مع الآخرين وتفهّمهم، والتعبير عن مشاعرنا الخاصة، ولكنها يمكن أن تكون مضللة. يقول “براد دوكاين” أستاذ علوم الدماغ في جامعة دارتموث: “تشير الأبحاث إلى أننا نميل إلى المبالغة في قدرتنا على قراءة الشخصية اعتماداً على الوجه. على سبيل المثال، يطلق الناس على الدوام أحكاماً حول من يبدو أهلاً بالثقة ومن يبدو غير أهل بها، ولكن هذه الأحكام ليست صحيحة بشكلٍ فعال في الأوضاع الحقيقية”.

إن محاولة قراءة الوضع الصحي للشخص من وجهه ليست أقل تعقيداً. حيث يستخدم إيان ستيفن، وهو محاضر في جامعة ماكواري في سيدني بأستراليا، نموذجاً تطورياً بشكل أساسي لدراسة انعكاس علم وظائف الأعضاء على الوجه. وقد وجد أن شكل الوجه يمكن أن يعبر عن بعض الأشياء مثل مؤشر كتلة الجسم وضغط الدم. غير أن أكثر نتائجه إثارة للاهتمام لا تتعلق بملامح الوجه، بل بلونه: فقد صنف الباحثون في الدراسة الأشخاص ذوي البشرة البيضاء الذين يحملون مسحة صفراء أو حمراء على أنهم يتمتعون بصحة أفضل. يشير ستيفن إلى أن هذه النتيجة تتعلق بالمواد الكيراتينية (الصبغة البرتقالية التي نحصل عليها من تناول الكثير من الخضراوات والفواكه) والدم المؤكسج، وهما علامتان حقيقيتان تدلان على الصحة الجيدة.

أغلب هذه الاستنتاجات صادرة عن اللاوعي. ففي رواية “كبرياء وتحامل- Pride and Prejudice، يشعر السيد دارسي بالذهول إزاء المسحة الحمراء التي تعلو وجه إليزابيث بينيت بعد نزهة ثلاثة أميال نحو نيذرفيلد. ولكن دارسي لا يربط ما بين انجذابه للدم المؤكسج والقدرة على الإنجاب (وهو أمر جيد)، بل إنه يتجاوب ببساطة مع ما يراه. وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو سطحياً، فإن هذه الرواية الرومانسية من جين أوستن تكشف حقيقة أكثر عمقاً، كما يقول ستيفن: “إن الوجوه التي تبدو أكثر جاذبية تعبر أيضًا عن صحة أفضل”.

يقول علماء الأحياء التطوريون أن الترابط بين الوضع الصحي والجمال مفيد في بعض الأحيان، حيث يساعد الحيوانات على انتقاء الأزواج والمحافظة على النوع، على الأقل من الناحية النظرية. ولكنه ليس بالأمر المضمون، حيث أن الجمال مفهوم ثقافي وفق الكثير من وجهات النظر المتنوعة. على سبيل المثال، يقدر الأميركيون النحالة وينفرون من السمنة، على الرغم من أن النحيلين قد يكونون بوضع صحي سيء، كما أن البدناء يمكن أن يتمتعوا بلياقة بدنية عالية. وغالباً ما تؤدي هذه التصنيفات التعسفية إلى عواقب حقيقية، حيث أن البدناء والنساء وأصحاب البشرة غير البيضاء يتعرضون للتمييز في كل مكان، بدءاً من المكتب ووصولاً إلى غرفة الإسعاف، بسبب مظرهم الخارجي وحسب.

يمكن للجمال في عين الناظر أن يحجب كل شيء آخر. ففي دراسة نُشرت في دورية نيتشر  في 2017، استنتج الباحثون أن “إدراك الذكور  للصحة يرتبط بالتوسط في الحجم والتناظر في التكوين الجسدي واصفرار البشرة، في حين أن إدراك الإناث للصحة يرتبط بأنوثتها”.

كتاب حول الفراسة من القرن التاسع عشر، يصف عاطفتين بشكل مرئي. على اليسار، يبدو “يأس واضح” أما على اليمين “غضب مترافق بالخوف”.
مصدر الصورة: ويكيميديا

يعتقد البعض أنه يمكن التغلب على الخطأ البشري بتصميم آلات قادرة على تحويل المنظر الخارجي إلى معلومات مفيدة، غير أن البعض الآخر يشعر بالقلق من أن هذه الآلات ستزيد من  هذا الخطأ بشكل خارج عن السيطرة. في دراسة حديثة نشرت في دورية نيتشر في خضم الضجيج الإعلامي لمعرض الإلكترونيات الاستهلاكية، استخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي لتحديد الاختلالات الجينية في صور وجوه الأطفال. سُمّي البرنامج “ديب جيستالت” تيمناً بالحركة الفلسفية الألمانية التي كانت تسعى للوصول إلى النظام من الفوضى، وقد تم تدريب البرنامج باستخدام قاعدة بيانات تحوي 17,000 صورة للكشف عن أكثر من 200 اختلال ومشكلة.

قد يوحي لك ديب جيستالت بأمل كبير، أو يثير مخاوفك حتى العمق، اعتماداً على وجهات نظرك التكنولوجية. وعلى الرغم من أنه ما زال يتطلب وجود طبيب لتفسير النتائج، فإن هذا النظام يمكن أن يقدم وسيلة “أكثر أماناً وسهولة” لتشخيص الكثير من الأمراض، وفقاً لستيفن، إلا أن استخدامه يثير أسئلة أخلاقية صعبة. يقول ستيفن: “يبدو أنه أصبح من السهل كشف أشياء كانت فيما مضى خصوصية. ويمكن أن نتساءل، هل سيصبح من الممكن لشركات التأمين أن تسحب صورك الشخصية من حسابك على فيسبوك لدراسة مخاطر التعامل معك، ورفض منحك التغطية التأمينية أو تقاضي مبلغ إضافي لقاءها اعتماداً على نتائج هذه الدراسة؟”

أثارت خوارزميات مشابهة لدراسة الوجوه المخاوف حول الخصوصية أيضاً. ففي 2017، تم العمل على تصميم “كاشف للشذوذ الجنسي لدى الرجال”، ولكنه تعرض لإدانة مطلقة من بعض المنظمات مثل “GLAAD” ومجموعات دعم حقوق الإنسان، وقد وصفه أحد الناقدين بأنه “المكافئ الخوارزمي لمتنمر في الثالثة عشر من العمر”. وضمن حدود الدراسة الضيقة للغاية، تمكنت الآلة من تحديد وجود شذوذ جنسي لدى شخص ما بدقة تفوق الاختيار العشوائي بنسبة 31%، على حين أن البشر لم يحققوا أكثر من 11%.

إن الخوف من قدرة الآخرين أو الآلات على قراءة أفكارنا ومشاعرنا، حتى تلك التي نرغب بإخفائها، هو جزء أساسي من القلق حول التكنولوجيا، والذي بدا بشكل واضح في رواية جورج أورويل الشهيرة “1984”، والتي تصادف الذكرى السبعين لنشرها في يونيو القادم. ولكن في هذا المجال، ما زال الخيال يسبق التكنولوجيا بمراحل عديدة.

تعتقد فيلدمان باريت أن روبوتات قراءة المشاعر عالية الدقة قابلة للتحقيق، بغض النظر عن النتيجة، ولكن الشركات التي تعمل في هذا المجال حالياً لا تمتلك القدرة على تصنيعها على ما يبدو.

تقول فيلدمان باريت: “أصبحت الحواسيب أكثر دقة في مجال الرؤية الحاسوبية، أي كشف الحركات، ولكن من سوء الحظ أن المبرمجين يعتقدون أنه يمكن كشف العواطف عن طريق كشف الحركات”، وتتابع قائلة أن تحقيق إنجاز حقيقي في هذا المجال “يتطلب بعض التغييرات، ولكن ليس في التكنولوجيا نفسها، بل في طريقة التفكير والفرضية”.

في عموده في مجلة نيويورك تايمز، يصف تيجو كول صورة بالأبيض والأسود من حقبة الثمانينيات لرجل شاب: “أريد أن أعود إلى الأساليب القديمة، وأقول أن الانحناء الخفيف للحاجب الأيسر للفتى يوحي بأنه من النوع الساخر، أو أن تناظر ملامحه يجعله من النوع الجدير بالثقة والذي يثق بالآخرين في نفس الوقت، ولكن تقديري لن يكون صحيحاً في الواقع”.

لذا، إذا كنت قد طلبت شراء مرآة تقرأ المشاعر أو الوضع الصحي من معرض الإلكترونيات الاستهلاكية، فقد يكون أمامك بعض الوقت لإلغاء الطلبية، وانتظار طراز أفضل!