مع استمرار تفشي مرض الحصبة القاتل، قدّم المسؤول الرئيسي للصحة العامة في الولايات المتحدة بعض النصائح التي لا يدعمها العلم. فقد صرّح وزير الصحة والخدمات الإنسانية روبرت كينيدي جونيور، لقناة فوكس نيوز (Fox News) الإخبارية في شهر مارس/آذار، بأن وزارته تقدّم فيتامين أ إلى ولاية تكساس، وأن مسؤولي الصحة يحققون نتائج إيجابية من خلال علاج الحصبة بزيت كبد الحوت، وهي مادة تحتوي على مستويات عالية من فيتامين أ وفيتامين د.
استخدام فيتامين أ في علاج الحصبة
في حين أن فيتامين أ هو في الواقع جزءٌ من العلاج الموصى به لعلاج الحصبة، قال خبير الأمراض المعدية لدى الأطفال وعضو لجنة الأمراض المعدية التابعة للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP)، الأستاذ في الطب آدم راتنر: "إنها ليست نصيحة جيدة"، وأضاف: "أعتقد أن المشكلة تكمن في أنه (أي روبرت) تناول شيئاً يمس جوهر الحقيقة، وهو أن هناك تفاعلاً بين حالة فيتامين أ ونتائج الحصبة، وحوّل ذلك إلى فيتامين أ وفيتامين د. إنه يتحدث عن زيت كبد سمك القد، وهو ليس من النوع الذي يُنصح بتناوله بصفته مكملاً غذائياً، جزئياً، لعدم وجود كمية معروفة من فيتامين أ فيه".
جاءت نصيحة كينيدي في وقتٍ حرج. فحتى 18 مارس/آذار، أبلغت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية في تكساس عن 279 حالة منذ نهاية يناير/كانون الثاني، منها 36 حالة تحتاج إلى دخول المستشفى. وقد توفي طفل واحد غير ملقح في تكساس، بينما توفي شخص آخر غير ملقح في ولاية نيو مكسيكو. كما أُبلغ عن حالات إصابة في 7 ولايات أخرى على الأقل.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فقد توفي أكثر من 100,000 شخص، معظمهم من الأطفال دون سن الخامسة، بسبب الحصبة على مستوى العالم عام 2023.
اقرأ أيضاً: متى يصبح تناول المكملات الغذائية والفيتامينات خطراً على صحتك؟
عامل فيتامين أ
على الرغم من أن كينيدي ربما كان مخطئاً عموماً، كما أشار راتنر، فإن تصريحه لا يزال يحمل جزءاً من الحقيقة. توصي كلٌ من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) ومنظمة الصحة العالمية بإعطاء الأطفال المصابين بالحصبة جرعات من فيتامين أ، الموجود في أطعمة مثل الجزر والسبانخ والقرع والبيض والحليب والبطاطا الحلوة والمانغو.
وقد وجد العديد من الدراسات أن فيتامين أ فعّالٌ في تخفيف حدة الحصبة، بما في ذلك خفض معدلات الوفيات.
ووفقاً للمبادئ التوجيهية للجمعية الأميركية لطب الأطفال، يجب إعطاء الأطفال الذين ثبتت إصابتهم بالحصبة جرعتين يومياً من فيتامين أ مدة يومين، وتختلف الجرعة حسب السن.
ومع ذلك، فإن العديد من الدراسات التي خلصت إلى أن فيتامين أ كان علاجاً فعّالاً، أُجري على السكان الذين يعانون سوء التغذية عموماً. أمّا في البلدان الأكثر تقدماً، مثل الولايات المتحدة، فتبدو فاعلية فيتامين أ أقل وضوحاً. ولم تجد دراسة أُجريت في إيطاليا عام 2021 أي فرق يُذكر بين فيتامين أ والدواء الوهمي في علاج الأطفال الذين دخلوا المستشفى بسبب الحصبة.
أشار راتنر إلى أن الدراسة الإيطالية عانت صغر حجم العينة، لكنه أقرّ بأن "هناك بعض البيانات التي تشير إلى أن تأثير مكملات فيتامين أ في إيطاليا أو في مكان مثل الولايات المتحدة، من المرجّح أن يكون أقل مقارنة بالأماكن التي تعاني سوء التغذية. ويعود هذا إلى ملاحظات قديمة تفيد بأن الأطفال الذين يعانون سوء التغذية لديهم معدلات أعلى بكثير من الأمراض الشديدة والوفاة بسبب الحصبة مقارنة بالأطفال الذين تلقّوا تغذية جيدة".
إن الأسباب التي تجعل فيتامين أ مفيداً في علاج الحصبة واضحة ومعقدة في آنٍ واحد. قال الأستاذ المساعد في طب الطوارئ بمدرسة إيكان للطب إريك بلوتنغر، إن الفيتامين "يؤدي دوراً حيوياً في عمل الجهاز المناعي؛ فهو يساعد الجسم على إنتاج الأجسام المضادة، ويحفّز استجابة الخلايا التائية، ويمنع ضعف المناعة بصورة عامة".
فيتامين أ مهم أيضاً لصحة الجلد، حيث يساعد في الحفاظ على الخلايا السليمة في البشرة، وهي الطبقة الخارجية من الجلد.
ويُضيف بلوتنغر: "الجلد هو أحد أعضائنا الحيوية ويؤدي دور حاجز وقائي حتى بالنسبة إلى جهاز المناعة لدينا".
الكثير من الأشياء الجيدة
تكمن المشكلة في التوصية الأخيرة في أن بعض الآباء والأمهات قد يسمعون أن تناول القليل من فيتامين أ مفيد، وهذا يعني أن تناول المزيد منه يعطي نتائج أفضل. وكما الحال مع معظم الأدوية، قد يكون هذا التفكير خطيراً. فعند تناول جرعات كبيرة، يمكن أن يصبح فيتامين أ ساماً.
يمكن أن تشمل الأعراض الغثيان والقيء والصداع وتشوّش الرؤية. وفي الحالات القصوى، يمكن أن يؤدي إلى تلفٍ دائمٍ في الكبد أو العظام أو الجهاز العصبي.
وقال راتنر إن فيتامين أ خطير على وجه الخصوص "لأنه قابل للذوبان في الدهون، حيث يجري تخزينه في الكبد. من السهل جداً إعطاء شخص ما جرعة زائدة، وقد تكون هذه الجرعة إمّا زائدة من حيث الجرعات الفردية أو حتى جرعات معقولة فترة طويلة جداً من الزمن. يمكن أن يعرّض الكبد والعظام للخطر.
تُعدُّ مكملات فيتامين أ مفيدة للأشخاص الذين يعانون نقص الفيتامين أ، ومن المنطقي تناول جرعتين فقط عند تشخيص الحصبة، لأننا نعتقد أن هناك فائدة محتملة خلال الفترة القصيرة التي تتبع التشخيص. لكن هذا ليس أمراً ينبغي للناس اتباعه بمفردهم، وينبغي ألّا يستمروا فيه على المدى الطويل ما لم تكن هناك حالة طبية محددة جداً يعالجها شخص ما".
في مقال نُشِر عام 2023 في مجلة الكلية الأميركية لأطباء الطوارئ المفتوحة، أشار بلوتنغر إلى أنه لا يوجد علاج متاح مضاد للفيروسات لمكافحة الحصبة حتى الآن، بينما يُنصح بتناول جرعات من فيتامين أ مدة يومين، تليها جرعة أخرى بعد عدة أسابيع، وخلصت الدراسة إلى أن التطعيم لا يزال الطريقة الأفضل والأضمن لمكافحة المرض.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تدحض الفرضية القائلة: مكملات فيتامين د تقي من كسور العظام لدى الأطفال
كيف تحافظ على صحتك؟
بعيداً عن التطعيم، فإن أفضل نصيحة يمكن أن يقدّمها بلوتنغر للآباء والأمهات هي "أن يكونوا على اطلاع جيد بالمعلومات التي يمكن التحقق منها، والتي يقدّمها طبيب الرعاية الأولية الخاص بك، والعاملون في المجال الطبي الذين لا يهتمون بالسياسة".
وأضاف: "ونصيحتي الأخرى هي أن تأخذوا الحصبة على محمل الجد، وأن تفعلوا ما بوسعكم لحماية أحبائكم وأطفالكم وكبار السن وكل من حولكم، لأنه كما رأينا خلال جائحة كوفيد-19، لا يمكن السيطرة على الأوبئة بسهولة. إذا استمرت الحصبة في الانتشار بسرعة، فقد نواجه مأزقاً أشد خطورة".