هل يمكن لفيتامين ب 1 وقايتك من عضّات البعوض؟

4 دقائق
هل يمكن لفيتامين ب 1 وقايتك من عضّات البعوض؟
إنها مجرد أمنيات خيالية أن يكون جسمك منفراً للبعوض. بيكسلز

تقول أسطورة طبية قديمة إن تناول فيتامين ب 1، والمعروف أيضاً باسم الثيامين، يمكن أن يجعل جسمك طارداً للبعوض.

من المؤكد أن فكرة تناول "طارد جهازي" يجعل جسمك كله طارداً للحشرات العاضّة تبدو مفيدة. وحتى لو رفضت المعلومات المضللة التي تشكك بأمان وفعالية المواد الطاردة للبعوض مثل مادة "ديت" (DEET)، والتي تستخدم في منتجات الرش الطاردة للبعوض، فإن فكرة تناول طارد للحشرات عن طريق الفم جذابة بالنظر إلى أنك لن تكون مضطراً حينها إلى تغطية كل شبر من جلدك المكشوف أو حمل زجاجة الرذاذ الطارد للحشرات معك دائماً في رحلات الهواء الطلق.

من المواد التي يُعتقد أنها تطرد البعوض أيضاً، إلى جانب الثيامين، خميرة البيرة، والتي تحتوي على الثيامين أيضاً، والثوم، ذلك الطارد الأسطوري لمصاص الدماء. تبدو فكرة تناول المواد الطاردة عن طريق الفم مذهلة إلى درجة يصعب تصديقها، وهي في الواقع فكرة خاطئة تماماً.

اقرأ أيضاً: لماذا استغرق تطوير لقاح الملاريا 35 عاماً؟

بصفتي أستاذاً جامعياً لعلم الحشرات في تايوان، حيث ينتشر فيروس حمى الضنك الذي ينقله البعوض، كنت أشعر بالفضول لمعرفة ما يقوله العلم فعلياً حول المواد الطاردة القائمة على الأطعمة. بعد الغوص عميقاً في الأدبيات العلمية وقراءة جميع الأوراق البحثية التي تناولت هذا الموضوع، قمت بتلخيص هذه المعلومات في أول مراجعة منهجية من نوعها حول هذا الموضوع.

هناك إجماع علمي لا لبس فيه بأنه لا توجد مواد طاردة يمكن تناولها عبر الفم. على الرغم من البحوث المكثفة، لم يثبت على الإطلاق وجود أي طعام أو مكمل غذائي أو دواء يمكن أن يجعل جسم الإنسان طارداً للحشرات، ولم يثبت أن الأشخاص الذين يعانون من نقص فيتامين ب 1 يجذبون الحشرات أكثر من الآخرين.

إذاً، من أين أتت هذه الفكرة الخاطئة القائلة إن البعوض يكره الفيتامينات، ولماذا يصعب التخلص من هذه الفكرة؟

من أين أتت هذه الفكرة الخاطئة؟

في عام 1943، أعطى طبيب الأطفال في ولاية مينيسوتا دبليو راي شانون 10 مرضى جرعاتٍ متفاوتة من الثيامين، والذي كان قد تم إنتاجه صناعياً لأول مرة قبل سبع سنوات من ذلك التاريخ. أبلغ المرضى أن الثيامين خفف من الحكّة وحماهم من عضات البعوض. في عام 1945، ادعى طبيب أطفال في كاليفورنيا يُدعى هوارد إيدير أن تناول الناس 10 مليغرامات من الثيامين يحميهم من البراغيث. وفي أوروبا في خمسينيات القرن الماضي، ادعى الطبيب ديتير موتينغ أنه استطاع حماية نفسه من لدغات الحشرات أثناء قضاء إجازته في فنلندا بعد تناوله 200 مليغرام من الثيامين يومياً، وافترض أن أحد نواتج تفكك الثيامين يُطرح عبر الجلد.

اقرأ أيضاً: عقار أوريبلكس: لتعويض نقص فيتامين ب واستخدامات أخرى

سرعان ما جذبت هذه النتائج الانتباه إليها، ولكن تم دحضها بعد وقت قصير. حيث حاول معهد البحوث الطبية البحرية الأميركية تكرار نتائج شانون، ولكنه أخفق في ذلك. بحلول عام 1949، جرب سكان كاليفورنيا استخدام الثيامين لوقاية الكلاب من البراغيث، إلا أنهم أبلغوا أن "لا فائدة منه على الإطلاق". كما فشلت الدراسات المضبوطة التي أجريت من سويسرا إلى ليبيريا مراراً وتكراراً في العثور على أي فائدة للثيامين بغض النظر عن مقدار جرعته. وخلصت التجربة السريرية الأولى في عام 1969 بشكلٍ قاطع إلى أن فيتامين ب 1 لا يمكن استخدامه كطارد جهازي للحشرات بالنسبة للبشر، وتشير جميع الدراسات المضبوطة منذ ذلك الحين إلى نفس النتيجة بالنسبة للثيامين وخميرة البيرة والثوم وغيرها من البدائل.

كانت الأدلة قاطعة إلى درجة أن إدارة الغذاء والدواء أعلنت عام 1985 أن جميع المنتجات الطاردة للحشرات التي يتم تناولها عن طريق الفم "غير معترف بها عموماً على أنها آمنة وفعّالة، وبالتالي يتم تسويقها على نحو مضلل"، لذلك فإن تصنيف المكملات الغذائية على أنها طاردة للبعوض يعد عملية احتيال من الناحية الفنية.

الآليات الطبية غير معروفة

ازدادت معرفة العلماء حول البعوض والفيتامينات في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى.

لا يتفكك فيتامين ب 1 في الجسم وليس له تأثير معروف على الجلد، وينظم الجسم مستوياته بدقة، حيث يمتص القليل من الثيامين الذي يتم تناوله ويطرح أي كمية فائضة عن الـ 5 مليغرامات الأولى سريعاً في البول، لذلك لا يتراكم في الجسم، وبالتالي لا يمكن أن يتسمم الجسم بأي جرعة زائدة منه.

يُعد الثيامين عنصراً غذائياً أساسياً للبعوض، تماماً كما هو الحال بالنسبة للبشر، لذلك لا يوجد هناك سبب يدعوها للنفور منه أو تجنبه، ولا يوجد دليل على أنها قادرة على استشعار وجوده.

يتوفر الثيامين بكثرة في الحبوب الكاملة والفاصوليا واللحوم الحمراء والدواجن والبيض، فإذا لم يكن تناول هذه الأطعمة مفيداً في حمايتك من البعوض وجعل جسمك طارداً لها، فلن تكون حبوب الثيامين نفسها مفيدة في هذا الصدد أيضاً.

كيف يمكن إذاً تفسير التقارير المبكرة حول فائدة الثيامين كطاردٍ جهازي للبعوض؟ بالإضافة إلى التصميم التجريبي غير المتقن، اعتمدت تلك التقارير على إبلاغات المرضى القصصية حول تخفيف أعراض العض كمؤشر على تقليل عدد عضات البعوض، وهي ليست طريقة مثالية لفهم ما يحدث بصورة دقيقة.

اقرأ أيضاً: 6 أمثلة لتداخلات غذائية دوائية يجب تجنبها

عادةً ما تتبع عضة البعوض استجابتان من الجسم؛ استجابة فورية تبدأ سريعاً وتستمر لعدة ساعات، واستجابة متأخرة تستمر لعدة أيام. لا تعتمد استجابة الجسم وشدتها على البعوضة نفسها، بل على ألفة الجهاز المناعي للعاب تلك الأنواع المعينة. مع تقدم العمر والتعرض المستمر، ينتقل الجسم من عدم الاستجابة، إلى الاستجابة المتأخرة فقط، ثم إلى كليهما، فالاستجابة الفورية فقط، وفي النهاية عدم الاستجابة مطلقاُ.

ربما ما اعتقد شانون وآخرون أنه خاصية طاردة للثيامين قد يكون في الواقع خاصية تقليل الحساسية؛ أي كان المرضى لا يزالون يتعرضون للعض، ولكن لم تعد الأعراض تظهر عليهم ببساطة.

أين تكمن المشكلة إذاً؟

على الرغم من الإجماع العلمي، وجد استقصاء للصيادلة في أستراليا أُجري في عام 2020 أن 27% منهم ما زالوا يوصون باستخدام الثيامين كطارد جهازي للمرضى الذين يسافرون إلى الخارج، وهي توصية غير مقبولة. إلى جانب إهدار المال، لا يزال من الممكن أن يتعرض الأشخاص الذين يعتمدون على الفيتامينات للوقاية من الحشرات إلى عضات البعوض، ما قد يعرضهم لخطر الإصابة بأمراض مثل فيروس غرب النيل والملاريا.

للتحايل على الحظر الأميركي والإجماع العلمي المتفق عليه على نطاق واسع بشأن المواد الطاردة للحشرات التي تُؤخذ عن طريق الفم، يقوم بعض التجار عديمو الضمير بصنع لصاقات الثيامين وحتى الحقن. للأسف، وعلى الرغم من أن الثيامين آمن إذا ما تم تناوله عن طريق الفم، فإنه يمكن أن يسبب تفاعلات حساسية شديدة عند أخذه بطرق أخرى، وبالتالي فإن هذه المنتجات ليست عديمة الفائدة وحسب، بل قد تكون خطرة أيضاً.

اقرأ أيضاً: العلماء يبتكرون لقاحاً لمكافحة الملاريا هو الأكثر فعاليةً على الإطلاق

الطعام ليس حلاً لجميع المشكلات. ولا تزال أفضل حماية من الحشرات التي تعض هي ارتداء الأكمام الطويلة والبخاخات التي تحتوي على مادة الديت أو الإيكاريدين وغيرها من المواد التي ثبتت فعاليتها كطاردٍ للحشرات.