كشفت دراسة جديدة من جامعة الشارقة عن إمكانات واعدة لمستخلصات نبات شائع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعلاج سرطان القولون والمستقيم على نحو طبيعي. فما هي تفاصيل الدراسة؟ وهل يمكن الاعتماد على هذه المستخلصات لعلاج السرطان فعلياً؟
اقرأ أيضاً: هل تتحول بكتيريا السالمونيلا المؤذية إلى منقذ لمرضى السرطان؟
اكتشاف نبات عطري منتشر بالمنطقة العربية يسهم في علاج سرطان القولون والمستقيم
تمكن باحثون من جامعة الشارقة من اكتشاف خصائص علاجية طبيعية لمركبات مستخلصة من نبات عشبي شائع في مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يدعى الشيح الأبيض أو الشيح الشائع (Artemisia herba-alba)، وكان سكان المنطقة يستخدمونه تقليدياً نباتاً طبياً لعلاج حالات التهاب الشعب الهوائية والإسهال وارتفاع ضغط الدم والسكري.
يعد سرطان القولون والمستقيم من الأمراض المميتة الشائعة، فهو ثالث أكثر أنواع السرطانات شيوعاً في أنحاء العالم، ويمثل ما يقرب من 10% من حالات السرطان جميعها، وهو السبب الثاني الرئيسي للوفيات المرتبطة بالسرطان. ما يؤكد الحاجة إلى استكشاف استراتيجيات علاجية جديدة مساندة للعلاج الكيميائي والإشعاعي المعروف بآثاره الجانبية الضارة والمزمنة، وهذا ما دعا الباحثين في الدراسة من جامعة الشارقة للبحث عن مركب طبيعي متوفر محلياً، يمكنه أن يوفر وسيلة ناجعة لدعم علاج السرطان الأساسي.
نُشرت نتائج الدراسة في 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2024، في دورية علوم الأغذية والمغذيات (Food Science & Nutrition) الخاضعة للمراجعة من قبل الأقران، وأشرفت عليها الدكتورة لارا بو ملهب، وهي باحثة مشاركة في معهد البحوث الطبية والصحية بجامعة الشارقة، ودرس الباحثون فيها الأجزاء المكشوفة من نبات الشيح الأبيض التي جمعها مختصون من جنوب الأردن في مايو/أيار 2021. قام الباحثون بتجفيف العينات النباتية في درجة حرارة الغرفة مع الحرص على عدم تعريض العينات لأشعة الشمس المباشرة، لتجنب تفكك المكونات الحساسة للأشعة فوق البنفسجية.
بعد تجفيف المادة النباتية وطحنها لتصبح مسحوقاً ناعماً، استُخلصت المركبات الفعالة منها لاختبار كفاءتها في علاج سرطان القولون والمستقم.
اقرأ أيضاً: ما مدى صحة كلام ميل غيبسون عن فعالية أدوية الطفيليات في علاج السرطان؟
ما هي القدرات التي تحملها مركبات نبات الشيح الأبيض لعلاج سرطان القولون والمستقيم؟
قام الباحثون باختيار نبات الشيح الأبيض نظراً لغناه بالمركبات الكيميائية التي تحمل خصائص مرشحة لمقاومة السرطان، ودرسوا تأثيرات المستخلص من هذا النبات، باستخدام كحول الميثانول، على 8 أنواع مختلفة من سلالات الخلايا السرطانية المسببة لسرطان القولون والمستقيم. ولتقييم درجة فاعلية المستخلص وتمكّنه من القضاء على الخلايا السرطانية، رصد الباحثون قابلية الخلايا للبقاء بعد التعرض للمستخلص النباتي، وموت الخلايا المبرمج الذي هو بمثابة تفكك داخلي للخلية عند تعرضها لسمّ معين، ومدى تقدم دورة الخلية وانقسامها، وتأثيرات المستخلص على إشارات الخلايا المرتبطة بالسرطان.
كشف التحليل الكيميائي الدقيق للمستخلص النباتي من الشيح الأبيض عن وجود مجموعة من المركبات النشطة بيولوجياً، والتي تحمل قدرات مضادة لنمو الخلايا السرطانية، وشملت ما يلي:
- مركب الإفدرين: يُستخدم عادةً لعلاج انخفاض ضغط الدم تحت التخدير، والحالات التحسسية، والربو القصبي، واحتقان الأنف.
- مركب الهيدروكسي فلافون: يعد مشتقاً من مركبات الفلافونات المعروفة بأنها مضادات للأكسدة ومضادات للالتهابات ومضادات للحساسية، وتحمي الكبد من التلف، وتمتلك خصائص مضادة للسرطان.
- مركب البورنيول: تمتلك هذه المادة خصائص مسكنة للألم.
- مركب بيتا يوديسمول: يتميز بقدرته على خفض ضغط الدم، ويمتلك خصائص مضادة للسرطان ومضادة للالتهابات.
- مركب الكافور: هو مركب شائع في القرفة، وله تأثير مثبط ومضاد للطفرات التي تسبب نشوء خلايا سرطانية.
تبين في التجربة المخبرية أن المستخلص الذي يحتوي على هذه المركبات استطاع إيقاف دورة انقسام الخلايا السرطانية المسببة لسرطان القولون والمستقيم من خلال تثبيط الجينات المسرطنة فيها، وبالتالي إيقاف نمو السرطان.
اقرأ أيضاً: إليك أحدث ما توصل إليه العلم في علاج السرطان
تُظهر هذه النتائج الإمكانات الواعدة للنباتات المنتشرة محلياً في المنطقة العربية لمكافحة السرطان ومنها الشيح الأبيض، وأكد الباحثون في الدراسة أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث والاختبارات لتوضيح الآلية المضادة للسرطان لهذا النبات واختبارها على فئران التجارب، ومن ثم توسيع التجارب على مرضى سرطان القولون والمستقيم، في سبيل تحديد الطرق المناسبة لدمجها في برامج علاج السرطان المستقبلية. لكن ذلك يحتاج تعاوناً مع شركات الأدوية والمؤسسات المهتمة بالشأن الصحي وعلاج السرطان.