هل ستكون لقاحات السرطان العلاج الشامل لأمراض المستقبل؟

هل ستكون لقاحات السرطان العلاج الشامل لأمراض المستقبل؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ CI Photos

نشر معهد مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار (FII Institute) تقريراً عن توزيع لقاحات السرطانات بشكلٍ عادل في عام 2023 بعنوان: "لا أورام بعد الآن، كيف يمكن للبشرية أن تتخلص من السرطان". وهذه المؤسسة هي مؤسسة عالمية غير ربحية وتسعى للتأثير الإيجابي على البشرية من الجوانب الصحية والاجتماعية والبيئية، ومقرها الرياض.

تناول التقرير 3 نواحٍ أساسية تخص لقاحات السرطان، وهي الأبعاد التكنولوجية لهذه اللقاحات والتحديات التي تواجه علاج السرطانات باللقاحات المعتمدة على الرنا المرسال (mRNA)، والحلول المقترحة لاعتمادها.

اقرأ أيضاً: هل ستنجح لقاحات السرطان في حسم المعركة ضد هذا المرض الخبيث؟

ما هو مبدأ عمل لقاحات السرطان؟

من الشائع الاعتقاد أن التشخيص بالسرطان هو بمثابة حكم بالإعدام، لكن تطورت تقنيات معالجة السرطان بشكلٍ كبير، فعلى الرغم من أن السرطانات تقتل نحو 10 ملايين شخص حول العالم كل سنة، فإن هناك فرصة جديدة لعلاج "عدو البشرية الصحي الأكبر".

بعد انتشار جائحة كوفيد-19 حدثت نقلة نوعية في مجال صناعة الأدوية واللقاحات، وتمت الموافقة على استخدام لقاحات الرنا المرسال لأول مرة في تاريخ البشرية في سبيل التصدي السريع لهذا المرض، وأثبتت كفاءتها بشكلٍ ملموس.

لا تعمل لقاحات السرطان بشكلٍ مشابه للقاحات الأمراض الأخرى التي تكون عبارة عن حقن للفيروسات أو البكتيريا المضعّفة أو المقتولة المحفزة لجهاز المناعة، بل هي مكونة بشكلٍ أساسي من الرنا المرسال الذي يعمل بمثابة المخطط الذي يستخدمه مهندسو البناء لتشييد هياكل معينة، فيصنع الجسم تبعاً لمخطط الرنا المرسال بروتينات تحفّز جهاز المناعة للقضاء على السرطان والوقاية من حدوثه، وذلك باستخدام مكونات موجودة في الجسم نفسه.

فالخلايا السرطانية تُعبّر عن (أي تنتج) بروتينات مرضية نتيجة وجود طفرات في جينات هذا النمط من خلايا السرطان، بينما الخلايا الطبيعية لا تنتج هذه البروتينات الطافرة، لكن جهاز المناعة غير قادر على اكتشاف وجود هذا الخلل في البروتينات بمفرده، لذا يقوم الرنا المرسال بعملية وسيطة تعطي معلومات للجهاز المناعي عن وجود السرطان وكيفية تمييزه عن الخلايا الطبيعية لمهاجمته بشكل نوعي.

ويعتبر هذا العلاج شخصياً، فلا يوجد لقاح يمكن تعميمه، بل كل حالة وكل سرطان له حالته الخاصة وبحاجة لتصميم علاج ملائم لمواصفات سرطان الشخص المصاب دون سواه.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث عندما تدخل لقاحات كوفيد-19 الجسم؟

مراحل العلاج السرطاني بواسطة لقاحات الرنا المرسال

يطرح التقرير مثالاً نموذجياً يعمل عليه المعهد وهو سرطان الجلد (ميلانوما)، ويتضمن هذا النوع من المعالجة باللقاحات السرطانية المراحل التالية:

  1. الكشف على وجود السرطان: ويمكن الكشف عن سرطان الجلد بشكلٍ بسيط عن طريق ظهور آثاره على الجلد.
  2. تشخيص سرطان الجلد: حيث يقوم الأخصائي بتحديد نوع السرطان ومرحلته.
  3. تقييم العلاج: وهنا يحدد نمط العلاج المناسب سواء بالجراحة أو العلاج الكيميائي أو استخدام لقاحات السرطان.
  4. أخذ العينات: عند اعتماد العلاج باستخدام لقاحات السرطان، تؤخذ عينة من الخلايا السرطانية للمريض والخلايا الطبيعية له.
  5. تصنيع اللقاح: وفي هذه المرحلة يُقارن جينوم الخلايا السرطانية والخلايا السليمة للشخص، وتُحدد الطفرات المرتبطة بالسرطان، ويُصنع لقاح الرنا المرسال الذي سيحفّز مناعة المريض للتعرف على السرطان ومحاربته ويوضع ضمن كبسولة من الدهون لحقنه داخل الجسم.
  6. التلقيح: ويُعطى اللقاح للمريض وتُراقب حالته، ومن الممكن أن يأخذ جرعة إضافية لتأكيد فاعلية العلاج بمراحل لاحقة، وقد يطلب الطبيب دمج العلاج باللقاحات مع العلاجات الأخرى الكيميائية أو الإشعاعية لزيادة الفاعلية.
  7. مراقبة الحالة: يراجع الطبيب المعالج حالة المريض ويقيّم فاعلية العلاج، عن طريق اختبار تفعيل اللقاح لجهاز المناعة أو الحاجة لزيادة الجرعة وغيرها من الجوانب الخاضعة للتحسين من أجل زيادة كفاءة العلاج.

الآثار الجانبية للقاحات السرطانية

 يندر الحديث عن الآثار الجانبية في مجال لقاحات السرطان المعتمدة على الرنا المرسال للأسباب التالية:

  • تُعطى اللقاحات العلاجية للأشخاص المرضى بالسرطان، فالتأثير الإيجابي العلاجي للقاح أهم بشكل أكبر من الآثار الجانبية إن حدثت، وغالباً لا تتجاوز الأعراض الجانبية للقاح السرطان أعراض الإنفلونزا.
  • تمتلك كل أنواع علاجات السرطان التقليدية الأخرى مثل العلاج الإشعاعي والكيميائي أعراضاً جانبية، مثل تساقط الشعر والغثيان وغيرها، وتعد الأعراض الجانبية للقاحات السرطان ضئيلة مقارنة بأعراض هذه العلاجات الثانوية.
  • تضم لقاحات الرنا المرسال الحمض النووي للمريض نفسه، لكنه يكون مغلفاً بطبقة من الشحوم (ليبيدات) لمنع تحلله من قبل إنزيمات الجسم، فهو لا يحدث أضراراً مباشرة للجسم، ويمكن أن يتحلل لوحده خلال فترة قصيرة نسبياً.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل اللقاحات لقتل الفيروسات؟

بما أن لقاحات الوقاية والعلاج من السرطان جيدة، فلماذا لم تُستخدم في وقت سابق؟

يعد هذا السؤال منطقياً، فهذا النوع من اللقاحات يتم الترويج له كأنه العلاج الثوري الجديد الذي سيقضي على السرطانات، فلماذا لم يُستخدم سابقاً؟ 

يعود عدم استخدامه في السنوات السابقة للأسباب التالية:

  • كان يُنظر طويلاً باستخفاف لأبحاث الرنا الرسول من قبل العلماء، نظراً لأن الرنا المرسال هو جزيء مؤقت موجود بالجسم ومرحلة وسيطة للتعبير الجيني، إذ يقوم الدنا بالانتساخ ليعطي الرنا المرسال الذي سيُترجم (يُصنع) كبروتين ويتحلل الرنا المرسال بعد تأدية دوره.
  • لم يحصل الباحثون في هذا المجال على التمويل الكافي لإجراء أبحاثهم، ولم يُسلط الضوء على النتائج الإيجابية التي حققوها.
  • تعد هذه الأدوية مكلفة في تصنيعها مثل أدوية علاج السرطانات الأخرى، وهذا يزيد العبء على الدول النامية في اعتماد هذه العلاجات وفي التسويق لها واجتذاب المستثمرين ورعاة الأبحاث.
  • كانت المنافسة مع شركات الأدوية الكبرى التقليدية حول العالم ولا تزال قائمة، فطرح نوع جديد من العلاجات مثل لقاحات الرنا المرسال قد يعني تهميش الأنماط التقليدية للعلاجات المثلما فعلت الهواتف الذكية بالهواتف المحمولة من الجيل الأول.
  • تتطلب الأدوية الجديدة واللقاحات العديد من الإجراءات والمراحل ليتم اعتمادها من قِبل الجهات المعنية بالصحة، مثل منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة الرسمية، لكن الوضع الحرج لجائحة كوفيد-19 سرّع من اعتمادية اللقاح.

الواقع الحالي للقاحات السرطان

تقوم عدة شركات دوائية بتصنيع لقاحات السرطان المعتمدة على الرنا المرسال، لكن تتميز ثلاث شركات دوائية بأنها الرائدة في هذا المجال، وهي شركة بايو إن تيك (BioNTech) وموديرنا (Moderna) وكيور فاك (Curevac)، وحالياً يتم العمل على تصميم لقاحات معتمدة للسرطانات التالية:

ولا تزال هذه العلاجات في المراحل التجريبية قبل اعتمادها، ويتم تصميمها من قِبل الشركات الخاصة أو المراكز البحثية والجامعات.

يقول نيلز هالاما (Niels Halama)، الأستاذ في العلاج المناعي بالمركز الألماني لعلاج السرطان (DKFZ)، إنه من الممكن أن نصل لمرحلة لامركزية في العلاج قد نصبح بها قادرين على تبسيط عملية تصنيع اللقاحات السرطانية في المنزل، لكن هذا الأمر بحاجة إلى الوقت والتمويل والاستثمار في هذا النوع من العلاجات.

اقرأ أيضاً: ما هي اللقاحات ثنائية التأثير وما ميّزاتها؟

مَن يعلم ماذا سيحدث بعد 5 سنوات في هذا المجال، فالعلم يتطور وأصبحت مواضيع الخيال العلمي التي كانت مطروحة منذ عشرات السنوات حقيقة واقعية في يومنا هذا، لكن بالوقت ذاته يحتاج اعتماد هذا النوع من اللقاحات إلى مزيد من الدراسات والاختبارات على المدى الطويل للتأكد من آثارها بشكلٍ جيد واستخدامها للقضاء على السرطان عالمياً.