إلى أي حد يمكن أن تؤذينا الضوضاء؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تختلف وجهات النظر حول وصف الأصوات العالية بأنها «مزعجة»، أم أنها مجرد أصوت عادية تبعاً للظروف المحيطة بهذا الصوت. فمثلاً لا يُفكّر مئات البشر في حفل موسيقي صاخب على أنه ضوضاء، بالرغم من ارتفاع الصوت بطريقة مؤذية لحاسة السمع. 

وعلى النقيض من ذلك، تجد على بُعد عشرات الأمتار شخص ما يحاول النوم أو قراءة كتاب، لكنه لا يتمكن من التركيز بسبب هذا الصوت، والذي يصل إليه بشكلٍ طفيف بسبب بعده عن موقع الحفل. في إحصائية لمنظمة الصحة العالمية [1]، فإن ما يقرب من 1.6 مليون شخص في دول الاتحاد الأوروبي يفارقون الحياة سنوياً بسبب التعرض للضوضاء البيئية. إليك بعض المعلومات المتعلقة بالضوضاء.

ما هو المستوى المناسب للسمع؟

هناك مجموعة متنوعة من الأصوات في بيئتنا تتراوح ما بين أصوات خافتة مثل؛ الطيور، الأوراق، أصوات المراوح والتكييفات، وأصوات صاخبة مثل؛ الموسيقى العالية، الصراخ، والضوضاء الصناعية. هذا ما يُشكّل النطاق المسموع لدى البشر. يعتمد النطاق المسموع على درجة الصوت نفسها، سواء كانت مرتفعة أو منخفضة، وتُقاس بالهرتز. هناك مستوى لجهارة الصوت وارتفاعه يقاس بالديسيبل.

بالنسبة للشخص العادي، عندما يتعلق الأمر بدرجات الصوت، فيبدأ نطاق السمع البشري عند حوالي 20 هرتز، ويُمكن للبشر أن يسمعوا حتى 20 ألف هرتز دون تصنيفه كإزعاج. ببساطة يتشكل نطاق السمع لدى البشر ما بين 20 إلى 20 ألف هرتز. أما بالنسبة للأصوات العالية، فالبشر يسمعون بداية من صفر ديسيبل، وتبدأ خطورة الصوت على حاسة السمع عندما تتجاوز 85 ديسيبل، ويتعرض لها أي شخص لفترات طويلة.

كيف تؤثر الضوضاء العالية على الصحّة؟

من أكثر الآثار المترتبة على تواجد البشر في الضوضاء المستمرة هي أمراض القلب وفقاً لدراسة تمت في العام 2013 على عينة صغيرة من الناس في لندن. فقد وُجد أن ارتفاع مستويات الضوضاء بالقرب من المطارات يرتبط بزيادة مخاطر دخول المستشفى، والوفاة بسبب الإصابة بالسكتة الدماغية، وأمراض القلب التاجية والأوعية الدموية في كثير من المناطق المجاورة.

مع زيادة مستوى الضوضاء، يزداد ارتفاع ضغط الدم، وتركيزات هرمونات الدم والمواد الدهنية التي ينقلها الدم، وتحديداً عند النوم، وتتراكم هذه المواد مع مرور الوقت لتسد الأوعية الدموية وتسبب النوبات القلبية.

هل يُمكن للضوضاء أن تكون سبباً في وفاة بشر؟

سماعة الأذن, فقدان السمع, موسيقى, صوت عال

الإجابة البسيطة، نعم؛ لكن دعنا نُفسر ذلك.

يؤكد الدكتور «يوتونج صموئيل كاي»، عالم الأوبئة في الكلية الملكية في لندن أن هناك أدلة ثابتة على أن ضوضاء المرور على الطرقات تؤدي إلى نوبات قلبية للبعض. قام الدكتور كاي بتحليل بيانات نحو 356 ألف حالة وفاة في بريطانيا والنرويج، ووجد أن التعرّض الطويل للضوضاء المرورية قد يؤثر على كيمياء الدم الحيوية لدى البشر، بجانب أبخرة عوادم السيارات.

هناك دراسة أخرى أجراها مجموعة من الباحثين منهم «شارلوت كلارك» و«لورانس دي فرانك» في لندن عام 2017، ونشرها المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، كشفت الدراسة عن علاقة وثيقة بين حركة المرور على الطرق وحالات مرض السكري من الفئة الثانية، وذلك من خلال دراسة تأثير ضوضاء وسائل المواصلات لمدة 5 سنوات على بعض السكان المصابين بالسكري، وآخرين لأربع سنوات فقط، وكانت النتيجة هي ارتفاع نسبة السكري لدى الأفراد عند زيادة مدة التعرض للضوضاء، بما فيها الضوضاء التي تُحدثها السكك الحديدية والمطارات، وكثير من مناطق العمل المزعجة.

ما أعلى صوت تعرّض له البشر حتى الآن؟

في السابع والعشرين من أغسطس/آب لعام 1883، حقّقت الأرض أعلى مستوى من الضوضاء في تاريخها المُسجّل. انطلاقاً من جزيرة كراكاتوا –الواقعة بين جزيرتي جاوا وسومطره بإندونيسيا- كان الصوت مدوياً ليُسمع بوضوح على بُعد 5 آلاف كيلومتراً ورصده أكثر من 50 موقعاً جيولوجياً حول العالم.

كان مصدر الصوت ثوران بركاني نادر، تصاعد منه الدخّان ليمتد إلى مسافة 80 كيلومتراً في الهواء، وتساقط الرماد في المحيط على بُعد حوالي 20 كيلومتراً. بلغت قوة الانفجار عشرة أضعاف قوة القنبلة الهيدروجينية، وكان الصوت المُسجّل على مسافة 160 كيلومتراً من المصدر بقوة 172 ديسيبل.

تأثير الضوضاء على الحياة البرية

هناك أهمية كبيرة لعملية إنتاج الصوت وسماعه لدى بعض الحيوانات في بعض السلوكيات اليومية؛ مثل تحديد أماكن الطعام، أو تجنّب الحيوانات المفترسة، أو العثور على رفيق، فمثلاً تعتمد الخفافيش والدلافين على السونار عال التردد لاكتشاف الفرائس شديدة الحركة، كما أن الأفيال تستخدم الصوت لتحديد التهديد الذي يمثله البشر عليها، لكن ما يهمنا الآن هو تأثير الضوضاء الخارجية على سلوكيات الحيوانات.

يظهر تأثير الضوضاء على الحياة البرية في الضوضاء التي تُحدثها السفن لجميع الكائنات البحرية من حيتان ودلافين وغيرهم. فالضوضاء مصدر قلق لحوت شمال الأطلسي الصائب المُهدد بالانقراض؛ بسبب تواجده في سواحل الولايات المتحدة التي تحتوي على مستويات عالية من حركة الشحن بالسفن.

لا تقتصر الآثار على الثدييات البحرية فحسب، بل تم توثيق الآثار السلبية للضوضاء على أسماك المياه العذبة، واللافقاريات البحرية، فقد وجد أن السلوك المضاد لسرطان البحر والأنقليس، أصبح أكثر شراسة بسبب تعرضهما لضوضاء السفن.

ختاماً، في المرة القادمة التي تتواجد فيها صدفة في مكان مزعج، تذكر جيداً أن هذه الأصوات ربما تكون سبباً في تعرضك للخطر، والتواجد المستمر بالقرب منها قد يكون نذير سوء لصحتك.


المصادر:

[1]: تقرير «الأعباء المرضية للضوضاء البيئية»، منظمة الصحة العالمية عام 2011، ص 19