الدهون لذيذة جداً ولكنها ضارة، فهل سيتمكن العلم من إيجاد بديل لها؟

من الصعب جداً التخلي عن هذه الطعمة اللذيذة.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتمحور إحدى ذكريات طفولتي القوية حول تعريض نفسي عمداً لتشنجات المعدة والإسهال الشديد. نعم، فمثل الكثير من أطفال التسعينيات المدركين للسعرات الحرارية، فقد كنت آكل كميات كبيرة من رقائق البطاطس كلما كان ذلك ممكناً. ثم قامت شركة فريتو لاي باستبدال الدهون مع بديل لا يحتوي على أي سعرات حرارية ويدعى أوليسترا. قام هذا الإنجاز الكيميائي بمحاكاة إحساس الفم بطعم الزيوت التي توجد عادةً في الوجبات السريعة، ولكن عند تناوله بكمية كبيرة (الأمر الذي كنت تفعله بالتأكيد، لأن تلك الرقائق كانت خالية من الدهون) فسيكون له أثر جانبي مؤسف من الإرباك المعدي والإسهال الشديد.

كنت أعرف بأن تناول هذه الرقائق من شأنه أن يجعلني أشعر وكأن شخصاً يقوم بإدخال يديه في بطني ويضغط على أمعائي، ولكني كنت أعرف أيضاً بأن مذاقها لذيذ. وسمح لي ذلك بأن أتناول الكمية التي كنت أريدها، لأنها كانت “صحية”. كان مذاقها رائعاً، ولكنني قضيت بقية اليوم وأنا أعاني من أسوأ آلام في البطن شهدتها لحين إصابتي بالتهاب الزائدة الدودية بعد بضع سنوات.

لماذا لم أستطع التوقف عن أكل تلك الرقائق؟

بطبيعة الحال، فإن البشر يتوقون إلى تناول الدهون لأنها جزء مهم من نظامنا الغذائي، ومصدر كبير للسعرات الحرارية. لقد تطورت حاسة الذوق الأساسية على مدى آلاف السنين التي أمضيناها في الصيد وجمع الثمار، ولذلك فإن حقيقة وجود فائض من الأطعمة الدهنية حول الكثيرين لا يمكنها أن تمنع أدمغتنا عن الرغبة فيها. وبما أننا لا نستطيع تغيير هذه الرغبة الشديدة (على الأقل ليس بتلك السهولة، وبالتأكيد ليس على المستوى المجتمعي)، فقد قضى العلماء العقود القليلة الماضية وهم يحاولون تغيير طعامنا بدلاً من ذلك. فالدهون قد لا تكون سيئة بقدر ما كانت عليه في الثمانينيات والتسعينيات، ولكن حتى مع عودة العلماء إلى فكرة أن اتباع نظام غذائي متوازن هو الأمر الأفضل، فإن الحقيقة بقيت بأن عدداً كبيراً منا يتناول السعرات الحرارية بكمية أكثر مما يجب، وخاصة على شكل الوجبات السريعة منخفضة القيمة الغذائية. والدهون هي مكون رئيسي في هذه الأطعمة في كثير من الأحيان.

ومع ذلك، لم نكتشف حتى الآن طريقة لاستبدال الدهون ببديل أكثر صحة.

وتقول جيد برو – العالمة الرائدة في مجال الأغذية لفريق البحث والتطوير في شركة جاست (المعروفة سابقاً باسم هامبتون كريك): “إن استبدال الدهون أمر صعب، لأن الدهون لها الكثير من الخصائص الرائعة.” وتركز شركة جاست على استبدال المنتجات الحيوانية ببدائل نباتية، ولذلك تقضي برو الكثير من الوقت وهي تفكر في المشكلة. وتضيف: ” من الواضح بأن هناك دسومة في الدهون، وتمنحك إحساساً دسماً في الفم، وهو مفهوم غير محدد أبداً، فهو مزيج من الكثافة والسلاسة ووجود جانب مزلق أو مغطي للفم. كما أنها خزان كبير لجزيئات النكهة غير القابلة للذوبان في الماء.”

وبالإضافة إلى توفير هذه التجربة، فإن الدهون تساعد في تقديم النكهة لتعزيز الاستمتاع بالعديد من الأطباق. حتى أننا نحس بالأحماض الدهنية كحاسة سادسة، تماما كماً نشعر بالحلاوة والمرارة. إنها ليست ممتعة من تلقاء نفسها، ولكنها قد تختلط مع النكهات الأخرى لتعطينا طعماً نستمتع به دون علم.

من الصعب استبدال شيء عندما تكون الكثير من متعته رائعة بشكل لا يوصف. ولكن الناس قد حاولت بالتأكيد.

وتقول برو: “من الناحية التاريخية، عندما نتحدث عن الدهون الحيوانية، فإن إحدى خصائصها الرئيسية هي أنها مشبعة، مما يجعلها صلبة في درجة حرارة الغرفة.” وبالتالي فهذا يجعلها في متناول اليدين عندما تريد، مثل الكعك مع الكريما التي لا تذوب قبل أكلها. كما أن زيت جوز الهند وزيت النخيل هما من الدهون المشبعة أيضاً، مما يعني بأن سلاسل ذرات الكربون التي تتكون منها ترتبط بأكبر عدد ممكن من ذرات الهيدروجين. ويمكن للدهون المشبعة أن ترفع الكولسترول البروتيني الشحمي منخفض الكثافة (النوع السيئ)، ولذلك فقد كان هو الهدف الأول في الحرب على الدهون.

وتوضح برو: “كان الحل هو الهدرجة الجزئية للزيت السائل”، وهي عملية لتحويل الدهون غير المشبعة – أي السائلة مثل الزيوت النباتية – إلى مواد صلبة. وتضيف: “ولكن ذلك أدى إلى نشوء الدهون التقابلية، وهي مشكلة جديدة تماماً”. وفي الواقع، فقد تكون الدهون التقابلية هي الإصدار الأقل صحة من هذه الجزيئات الضخمة المفضلة لدينا.

وتقول برو: “كانت الخطوة التالية هي التوجه نحو مصادر أكثر غرابة للدهون المشبعة، مثل زيت النخيل أو جوز الهند”، ولكن سواءً كانت الدهون المشبعة مشتقة من الحيوانات أو لا، فإنها لا تزال تنطوي على نفس المخاوف الصحية. والبدائل المشتقة من النباتات غالباً ما يرافقها عواقب بيئية مثيرة للقلق.

وأدى ذلك إلى قيام علماء الأغذية مثل برو بالبحث عن حلول أكثر تعقيداً. فليس هناك طريقة جيدة لاستبدال الدهون بمادة صحية منها دون التضحية بطعمها، وبدلاً من ذلك فإننا نحاول إزالة بعضها أو كلها تماماً ومحاكاة مساهماتها المرغوبة للطبق.

وتقول برو: “ضمن مجموعة واسعة من الألبان أو الأجبان الخالية من الدهون، ستجد المكونات التي تهدف إلى زيادة الكتلة والملمس، مثل الصموغ أو النشاء في بعض الأحيان. ولا يزال بإمكانك ملاحظة الفرق. فهي ليست بنفس الدسومة والسلاسة”. وفي الواقع، فقد أظهرت البحوث بأن الناس عموماً يتوقعون بأن تكون الأطعمة منخفضة الدهون أو الخالية من الدهون ذات مذاق أسوأ من الدهون الحقيقية. وتضيف: “إن الأمر يتعلق كثيراً بالدسومة وبالإحساس ضمن الفم الذي يمكن أن توفره الدهون”.

في شركة جاست، والتي تقوم بإنتاج الكعك والبيض الصناعي المخفوق وبدائل المايونيز المشتقة من النباتات وتشتغل بابتكار الوصفات لبعض الأشياء مثل الآيس كريم أيضاً، فإن الهدف هو العثور على المواد الألذ والأكثر صحة من هذه الحلول. وتقول بأن التفكير في التراكيب التي تشكلها الدهون يمكن أن يكون مفيداً.

وتقول برو: “مع المايونيز، يتم البدء بالزيت السائل وينتهي بشيء سميك تتمكن من بسطه”. ويعدّ المايونيز والكريم من المستحلبات. إذ يمكن التلاعب باثنين من السوائل الذين لا يمتزجان عموماً، وذلك باستخدام حجم القطيرات وتقنيات الجمع الدقيقة لمزجهما بشكل وهمي. ولا يزال أحد السائلين معلقاً من الناحية الفنية في السائل الآخر، ولكن ذلك يحدث على هذا النطاق الصغير، ويبدو بأنهما يشكلان مزيجاً مفرداً متماسكاً ودسماً. وتوضح برو: “يمكن أن يكون الاستحلاب المناسب جزءاً من الاستراتيجية لخفض أو استبدال الدهون المشبعة، لأن هذا التركيب الجذاب يمكن أن يحل مشكلة البنية”. إن إنتاج الحجم المناسب من قطرات الزيت يمكن أن يولّد هذا النوع من الإحساس المُرضي في الفم والذي نتوق إليه. وتقول برو بأن هناك الكثير من الأمور المعقدة حول هذه الفكرة التي لا تزال في مراحلها الأكاديمية المبكرة، ولكن قد يتم تسويقها يوماً ما.

وتقول: “أعتقد بأن هذا هو الطريق الصحيح للتفكير في ذلك، حيث يمكنك تغيير المكونات بدلاً من التعديل الكيميائي لمادة ما لتحل محل الدهون. إلا أن ذلك أيضاً هو الطريق الصعب”.

وتذكر برو أيضاً الأوليسترا كقصة تحذيرية. إذ أن الأولسترا لا تزال توجد في المنتجات في عدد قليل من البلدان، حيث أن الدراسات قد أثبتت براءتها نوعاً ما، فالإسهال لا يحدث إلا عند أكل الكثير من الرقائق. ولكن مرة أخرى، من يودّ أن يأكل رقائق منخفضة السعرات الحرارية إذا كان لا يريد أن يأكل الكثير منها؟ وعلى أية حال، هناك سبب لعدم إغراق السوق ببدائل الدهون المعدلة كيميائياً.

تقول برو: “أتذكر عندما كان يتم تدريبي كعالمة في مجال الغذاء، كان يتم تعليمنا هذه الحالة بالضبط. وأعتقد بأن الدرس الصحيح في ذلك هو أنه يمكنك إنتاج شيء له خصائص مناسبة، ولكن فهم آلية عمله على المستوى البيولوجي عندما يأكله الناس هو أمر مهم جداً. وفي حين أن التعديلات الكيميائية يمكن أن تعمل من وجهة النظر الوظيفية، إلا أنه قد يكون لها آثار استقلابية يجب أن نكون حذرين منها”.

وبعبارة أخرى، فإنها قد تسبب الإسهال. وربما يتمكن العلماء يوماً ما من تصميم المادة التي تحاكي الدهون بالمطلق، سواءً عن طريق تعديل تركيب إحدى المواد الكيميائية أو عن طريق الجمع بين المزيج المثالي للمكونات غير الدهنية. وحتى ذلك الحين، فليس أمامنا سوى أن نستمتع بالدهون الحقيقية.