العلماء يكتشفون “عضواً جديداً”، ولكنه قد لا يكون ما تتوقعه

النسيج الخلالي - وهو طبقة من الأنسجة المحيطة بالأعضاء - موجود في جسم الإنسان منذ خلقه. ويقول بعض العلماء بأنه يجب اعتباره عضواً مستقلاً بحدّ ذاته.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعدّ جسم الإنسان معقداً بشكل لا يصدق، وليس من المفاجئ أننا لم نتمكن من فهم كل الأسرار التي تجعل أجسامنا تقوم بوظائفها بشكل سلس. ويكتشف الباحثون باستمرار آليات جديدة لعمل أجهزة المناعة وقيام الخلايا بوظائفها وحركة العضلات. ولكن نادراً ما نسمع – إن سمعنا أصلاً – عن اكتشاف العلماء لأي عضو جديد.

ولكن في تقرير صدر الشهر الماضي في مجلة “ساينتفيك ريبورتس”، تمكّن الأطباء من تمييز ما يعتقدون بأنه قد يكون عضواً غير معروف سابقاً. وهذا العضو هو عبارة عن شبكة من الأنسجة التي توجد في جميع أنحاء الجسم، وتلتف حول الجهاز الهضمي بأكمله والرئتين وكل الشرايين والأوردة. وأطلق الباحثون الطبيون على هذه الشبكة اسم “النسيج الخلالي”، وقالوا بأنه يجب اعتباره عضواً مستقلاً بحد ذاته. وسيعتمد فيما إذا كانت يمكن اعتباره عضواً قائماً بذاته على الأبحاث المستقبلية التي ستدرس بشكل أكبر تركيبه ووظائفه. (إن إضافة عضو جديد إلى الكتب يتطلب أبحاثاً أكثر بكثير من دراسة واحدة). ولكن بغض النظر عن وضعه النهائي، فإن التكوين البنيوي المكتشف حديثاً قد يساعد الأطباء والعلماء الآخرين على تحسين فهمهم لكيفية بدء الأمراض وانتشارها.

ما هو هذا العضو؟

على عكس الأعضاء الأكثر صلابة واستقلالاً مثل القلب أو الكبد، فإن النسيج الخلالي هو عبارة عن شبكة من الأنسجة المحيطة بكل عضو في الجسم تقريباً. وكما أن الجلد يغطي الجسم من الخارج، فإن طبقة الأنسجة هذه تحيط بالأعضاء داخل الجسم.

في السابق، كان الباحثون يعتقدون بأن النسيج الخلالي هو ببساطة إحدى طبقات النسيج الضام، والذي لا يعدّ جديداً بكل تأكيد. إذ أننا نعرف ما هيته – وآلية عمله – منذ فترة طويلة. وعادة ما يحتوي النسيج الضام على عدد قليل جداً من الخلايا، وبدلاً منها يتألف بمعظمه من الغضاريف المختلفة والألياف الأخرى التي تشكل معاً بنية قوية تثبت الأعضاء في مكانها أو تصل عظمة بأخرى أو عضلة بعظم.

ولكن هناك شيء مختلف في هذا النسيج الضام. فعندما قام الباحثون بدراسته عن كثب، لاحظوا بأنه كان هناك بين الخلايا المنتشرة سلسلة من الأكياس المملوءة بالسوائل. وتربط سلسلة من الأنسجة القوية والمرنة المملوءة ببروتينات وظيفية كل هذه الأكياس معاً. وبذلك، اعتقد الباحثون بأن هذا النسيج ليس مماثلاً للنسيج الضام الموجود في جميع أنحاء الجسم، وبالتالي يمكن أن يكون كياناً مستقلاً بحد ذاته، والذي أطلق عليه اسم “النسيج الخلالي”.

لماذا لم نعرف عنه من قبل؟

لقد كنا نعرف عنه نوعاً ما من قبل. إذ كان الباحثون يعرفون بأن هذا النوع من الأنسجة موجود، ولكن مرة أخرى، فقد افترضوا بأنه مجرد شبكة من النسيج الضام.

ولكن الطب الحديث لديه كل أنواع أدوات التصوير التي تمكننا من رؤية داخل جسم الإنسان. إذ تسمح لنا صور الرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي برؤية أعضائنا، مثل الكبد والمرارة وحتى الدماغ بشكل تفصيلي. ويمكننا حتى أن نرى داخل وخارج بعض الأعضاء باستخدام تقنيات مثل الصور الوعائية القلبية التي تستخدم صبغة ظليلة وجهاز أشعة سينية لتصوير الشرايين التاجية، بالإضافة إلى التنظير الباطني وتنظير القولون لرؤية الأمعاء من الداخل.

إذاً كيف فاتنا هذا العضو؟ عندما نفحص عينات الأنسجة تحت المجهر لتشخيص بعض الأمراض مثل السرطان وغيره، يقوم علماء الأمراض بتحضير الشرائح بتقطيعها إلى شرائح رقيقة جداً وتلوينها بصبغات مختلفة. وهذا يسمح لعلماء الأمراض بتحديد التغيرات الخلوية التي قد تشير إلى أمراض مختلفة. ولكن في هذه العملية، فإنه يتم إزالة كل السوائل من عينة الأنسجة. لذلك يبدو النسيج الضام والنسيج الخلالي الفريد متطابقين تحت المجهر.

وعندما ألقى الباحثون نظرة فاحصة على هذه الأنسجة دون تخريبها، فعندها تمكنوا من تمييز شبكة الأكياس المملوءة بالسوائل التي تجعلها فريدة. وتمكن الباحثون من رؤية هذا النسيج دون تقطيعه إلى أجزاء رقيقة جداً باستخدام ما يسمى الفحص المجهري الباطني الليزري متحد البؤر، حيث يستخدمون ليزراً منخفض الطاقة ويركزونه على منطقة محددة من الجسم، والتي يتم مسحها عمودياً وأفقياً على حد سواء، مما ينجم عنه إعادة تشكيل ثلاثية الأبعاد لأجزاء الجسم.

ما الذي يجعله يشكل عضواً بكل الأحوال؟

نعرّف العضو بأنه شيء مستقل وكافٍ ويؤدي وظيفة محددة. وبهذه الطريقة، يقول الباحثون في الدراسة، بأن النسيج الخلالي يتناسب مع ذلك، فعلى عكس النسيج الضام العادي الذي يتواجد في الجسم ويقوم بدوره في الربط والحماية فقط، فإن النسيج الخلالي هو عبارة عن شبكة من البروتينات النشطة التي تعمل معاً.

ما هي وظيفته الخاصة؟ يعتقد الباحثون بأن النسيج الخلالي يعمل بمثابة ممتص للصدمات. فهو ينضغط وينبسط (مثل الرئتين وحتى الأمعاء)، ولكنهم يعتقدون بأن هذا التغير في الحجم قد يعمل على حماية الأنسجة في الجسم من التمزق أثناء حركة الأعضاء الأخرى والعضلات في الجسم.

هل يعدّ عضواً بشكل رسمي؟

كلا، فهذا هو أول تقرير يصدر ليشير إلى أنه يجب تعريفه على هذا النحو. ولتحقيق ذلك، سيتعين على العديد من المجموعات البحثية أن تظهر نفس الشيء وتوافق عليه، بأنه يعمل لوحده ككيان خاص لغرض معين. وإذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن يستغرق بضع سنوات على الأقل. ففي العام الماضي، وجدت مادة أخرى مشابهة تحيط بالقناة الهضمية المعروفة باسم المساريق. وحتى الآن، لا يزال هذا العضو غير رسمي.

ما الهدف من جعل هذا النسيج عضواً؟

إن تعريفه على هذا النحو يمكن أن يساعد في توجيه الأبحاث نحوه، ودراسة وظائفه بصورة جديدة. ففي هذه الدراسة، يقول الباحثون أيضاً بأنه يمكن أن يساعدنا في اكتشاف بعض الآليات في الجسم البشري التي لا تزال غير مفهومة تماماً. فعلى سبيل المثال، نظراً لأن هذه الشبكة المملوءة بالسوائل تمتد في جميع أنحاء الجسم بالكامل وترتبط بكل الأعضاء، فإن الشبكة قد تكون عبارة عن مسار غير معروف تنتقل عبره الخلايا السرطانية، حيث تغادر عضوها الأصلي وتنتقل إلى أعضاء وأجهزة ومناطق أخرى في الجسم. إذا استطعنا فهم آلية عمل هذه العملية، فقد نتمكن من إيقافها أو منعها. وكما يلاحظ الباحثون في الواقع، فمن المرجح أن ينتشر السرطان خارج العضو الذي يتواجد به وإلى الغدد الليمفاوية عندما يصل بطريقة ما إلى نسيج ضام كثيف، وهو مسار لا يزال غامضاً بالنسبة لباحثي السرطان.

ولأن النسيج الخلالي يحتوي على سوائل، فإن الباحثين يريدون أيضاً معرفة فيما إذا كان يؤثر على توازن السوائل في الجسم وكيف يساهم في بعض الحالات مثل الوذمة أو التورم الذي يلاحظ في بعض أنواع قصور القلب وأمراض الكلى وغير ذلك من الأمراض المُعدية.

إن فهم كيفية عمل هذا الجهاز بشكل أفضل قد يمكننا من إيجاد طرق جديدة لعلاج أو منع جميع هذه الأمراض التي لم نفكر بها من قبل. وهذا صحيح بغض النظر عما إذا اعتبرناه عضواً أم لا.