الملح قد يؤدي إلى الجوع وليس إلى العطش

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كلما تناولت الملح بكمية أكبر، كلما شعرت أكثر بالعطش، أليس كذلك؟ هذا خاطئ وفقاً لدراستين نشرتا مؤخراً في مجلة The Journal of Clinical Investigation. ووجد البحث بأن زيادة استهلاك الملح تؤدي في الواقع إلى شرب كميات أقل من المياه، وبأن الوجبات الغذائية الغنية بالملح أدت إلى جوع الأشخاص المشاركين في الدراسة.

في الدراسة الأولى، قام فريق من الباحثين العالميين من مركز الفضاء الألماني (DLR)، ومركز ماكس دلبروك للطب الجزيئي (MDC)، وجامعة فاندربيلت، وغيرها من المؤسسات بدراسة 10 أشخاص ذكور والذين كانوا جزءاً من مشروع Mars500 – وهو مشروع مشترك بين وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وروسيا والصين، بهدف دراسة المخاطر النفسية والطبية للبعثة إلى المريخ. وتم عزل الأشخاص المشاركين في الدراسة – على غرار البعثة إلى المريخ – لفترة طويلة من الزمن حتى يتمكن العلماء من مراقبة حالتهم البدنية والعقلية.

وخلال فترة استغرقت 105 أيام من “رحلات الفضاء”، خفض الباحثون كمية تناول الملح من 12 غراماً في اليوم إلى 9 غرامات، ثم إلى 6 غرامات، مع الحفاظ على ثبات كل مستوى لمدة 29 يوماً في المرة الواحدة. وخلال المرحلة التي استغرقت 205 أيام من مشروع Mars500، أجرى الباحثون نفس التجربة – بالإضافة إلى مرحلة أخرى في النهاية، حيث انتقل الأشخاص قيد الدراسة من تناول 6 غرامات من الملح يومياً إلى استهلاك الكمية الأساسية أي 12 غراماً يومياً. وفي الوقت نفسه، تم قياس مقدار السائل الذي قاموا باستهلاكه وجمع عينات البول بشكل يومي.

فإذا كان الملح قد سبب العطش للأشخاص العشرة، فيفترض بأنهم سوف يشربون المزيد. ولكن السجلات أظهرت في الواقع انخفاض كميات الماء المتناول مع زيادة استهلاك الملح. وفي الوقت نفسه، زادت كمية البول، وزادت نسبة الملح في البول. ولكن البول كان أيضاً أكثر تركيزاً، مما يشير إلى أن الجسم يحبس كمية أكبر من المعتاد من المياه.

وعادة ما يرتبط النظام الغذائي الغني بالملح بزيادة تناول كمية السوائل. ولذلك فإن الهيئات الصحية أشارت بأن الوجبات الغذائية الغنية بالملح – كالأغذية الغنية بالأطعمة المصنّعة – قد تسهم بالفعل في السمنة من خلال دفعنا لشرب المزيد من المشروبات السكرية والغنية بالسعرات الحرارية مثل الصودا. غير أن هذا المنظور استند أساساً إلى استطلاع ما بعد الواقعة، وليس إلى الملاحظة المباشرة.

ولفهم النتائج المدهشة لدراسة Mars500، انتقل الباحثون إلى الفئران. وقاموا بتقسيم الفئران إلى ثلاث مجموعات – واحدة اتبعت نظاماً غذائياً منخفض الصوديوم مع ماء الصنبور، والثانية اتبعت نظاماً غذائياً مرتفع الصوديوم مع ماء الصنبور، والثالثة اتبعت نظاماً غذائياً مرتفع الصوديوم مع محلول ملحي – لمدة أربعة أسابيع متتالية. وتشير الدراسات التي أجريت على الفئران إلى أن اليوريا – التي ينتجها الجسم للتخلص من النيتروجين – تتراكم في الكلى، مما يحدّ من قوة جذب المياه للملح. ولكن تركيب اليوريا يستهلك الطاقة بشكل كبير، مما قد يفسر نتيجة أخرى مثيرة للدهشة: في حين أن الفئران التي اتبعت النظام الغذائي المالح لم تشرب المزيد، إلا أنها أكلت بكمية أكبر. فربما كانت أجسادها تبحث عن طاقة لصنع اليوريا.

ومن المهم أن نلاحظ بأن الدراسة على الفئران لا يمكنها بالضرورة تفسير التساؤلات عند البشر. كما أن الدراسة التي أجريت على 10 ذكور لا يمكنها بالضرورة تفسير التساؤلات عند جميع الذكور، ناهيك عن كافة البشر. وفي حين أعربت النساء عن رغبتهن في الذهاب إلى المريخ، إلا أن الجزأين الذين امتدا على فترة 105 أيام وعلى فترة 205 أيام من مشروع Mars500 لم يشملا النساء. وبالمثل، فقد كانت جميع الفئران التي تمت دراستها من الذكور.

ولكن الدراسة تشير إلى أن اليوريا – والتي كانت تعتبر لفترة طويلة مجرد منتج ثانوي – يمكنها أن تقوم في الواقع بوظيفة مساعدة الجسم على التخلص من الملح أثناء حبس الماء. ومن الواضح بأن هذا هو أحد مجالات التغذية التي تتطلب المزيد من البحث. ولكن في هذه الأثناء، قد لا يكون عليك أن تستخدم ذلك كذريعة لتناول المزيد من رقائق البطاطس المالحة بدون ماء، فليس هناك ضرر في شرب كوب أو اثنين.