ما هو البيض النباتي؟ وهل سيحل مكان البيض الحيواني؟

5 دقيقة
ما هو البيض النباتي؟ وهل سيحل مكان البيض الحيواني؟
بدائل البيض النباتية المتاحة اليوم تعاني العيوب، ويعمل علماء الأغذية بجهد لتحسينها، وربما جعلها ألذ ومغذية أكثر من البيض الطبيعي.

البيض مكون مذهل في الطبخ؛ إذ إنه لذيذ ومغذٍ ومتعدد الاستعمالات. يتناول الأميركيون نحو 100 مليار بيضة سنوياً، أي نحو 300 بيضة لكل فرد. على الرغم من أن إنتاج البيض أقل تلويثاً للبيئة مقارنة بمصادر الغذاء الحيوانية الأخرى، فإنه يتمتع بأثر بيئي أكبر من أثر إنتاج أي طعام نباتي، إضافة إلى أن الإنتاج الصناعي للبيض يثير مسائل مهمة تتعلق برفاهة الحيوان.

يعمل علماء الأغذية وبعض الشركات بجد لإنتاج بدائل نباتية عن البيض تتمتع بجودة أعلى. يقول عالم الأغذية في جامعة ماساتشوستس أمهيرست، ديفيد جوليان ماكليمنتس: "ما نحاول فعله هو هندسة البيض عكسياً".

هذه ليست مهمة سهلة لأن البيض الطبيعي مكوِّن متعدد الاستعمالات في المطبخ. يمكن استخدام البيض المخفوق لربط فتات الخبز في الطبقات الخارجية للمخبوزات وزيادة تماسك كرات اللحم، كما يمكن استخدامه لخلط الزيت والماء في مستحلب لتحضير المايونيز، أو لتحضير العجة أو لنفخ حلوى المرنغ أو الكعك. يجب أن يكون بديل البيض المتعدد الاستعمالات قابلاً للاستخدام على نحو مقبول في هذه الحالات جميعها، مع توفير القوام المألوف وربما النكهة المعروفة للبيض الحقيقي.

اقرأ أيضاً: هل يكفي النظام الغذائي النباتي لتلبية احتياجات الجسم من البروتين؟

البيض النباتي

لا يرقى البيض النباتي حالياً لهذه المعايير، لكن الباحثين في شركات الأغذية والوسط الأكاديمي يحاولون تحسينه. يساعد كل من استخدام مكونات جديدة وتطبيق عمليات جديدة على إنتاج بدائل للبيض ليست أشبه به فحسب، بل إنها قد تكون مغذية أكثر وألذ من البيض الطبيعي.

من الناحية العملية، تنطوي عملية إنتاج بيض نباتي معقول بأغلبها على محاكاة استجابة زُلال البيض والبروتينات الأخرى في البيض الطبيعي للطهو. عند تسخين بروتينات البيض إلى درجات حرارة تتجاوز النقطة الحرجة، فإنها تنبسط وتلتصق ببعضها وتشكل ما يسميه علماء الأغذية "الهلام". يؤدي ذلك إلى تصلّب بياض البيض ثم صفاره عند الطهو.

يبدأ علماء الأغذية عملية تحضير البيض النباتي عادة باستخراج مزيج من البروتينات من مصدر نباتي مثل فول الصويا أو اللوبياء الشعاعية أو المحاصيل الأخرى. يقول ماكليمنتس، الذي كتب عن تصميم الأطعمة النباتية في مجلة المراجعة السنوية لعلوم وتكنولوجيا الأغذية (Annual Review of Food Science and Technology) عام 2024: "يجب أن تبدأ العملية بمصدر للبروتينات النباتية مستدام ووفير ومعقول التكلفة. يعني ذلك أنه علينا البحث عن مجموعة من البروتينات التي يمكن استخدامها اقتصادياً".

كيف يتم تحضير البيض النباتي؟

لحسن الحظ، بعض المستخلصات يغلب عليها بروتين واحد أو عدد قليل من البروتينات التي تتصلب عند درجات حرارة منخفضة بما يكفي لتستجيب للطهو مثل بروتينات البيض الطبيعي. يعتمد تحضير البيض النباتي المتوافر حالياً على هذه البروتينات؛ إذ يعتمد منتج جست إغ (Just Egg) من شركة إيت جست (Eat Just) على زلالات البيض والغلوبيولين الموجودين في مستخلص اللوبياء الشعاعية، بينما تستخدم شركة سيمبلي إغليس (Simply Eggless) البروتينات المستخرجة من الترمس الأبيض، ويجري ماكليمنتس وغيره التجارب على إنزيم التركيب الضوئي روبيسكو المتوافر بكثرة في نبات اللمنة والنباتات الأخرى ذات الأنسجة الورقية.

يستطيع خبراء تكنولوجيا الأغذية حالياً تركيب مجموعة واسعة من البروتينات بكميات كبيرة من خلال إدخال جين البروتين المنتقى في مضيفات مثل البكتيريا أو الخميرة ثم إنماء هذه المضيفات في أحواض، وهي عملية تحمل اسم "التخمير الدقيق". يمنح ذلك الخبراء فرصة كبيرة لاستكشاف مصادر البروتين النباتية الأخرى التي قد تتمتع بخصائص أكثر شبهاً بخصائص البيض الطبيعي.

اقرأ أيضاً: بروتين نباتي أم حيواني: أيهما أفضل لبناء العضلات؟ دراسة حديثة تجيب

تبحث بعض الشركات عن هذه المصادر بالفعل. على سبيل المثال، تستخدم شركة شيرو (Shiru)، وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية مقرها ولاية كاليفورنيا الأميركية، منصة ذكاء اصطناعي متطورة لتحديد البروتينات التي تتمتع بخصائص معينة في قاعدة بياناتها التي تحتوي على أكثر من 450 مليون تسلسل جيني للبروتينات الطبيعية. وضعت الشركة أولاً المعايير التي يجب أن تعتمدها للعثور على بروتين نباتي أكثر شبهاً ببروتينات البيض. تقول مهندسة البروتين ومؤسسة الشركة والرئيسة التنفيذية لها، ياسمين هيوم: "فيما يتعلق بالبيض، المعيار الرئيسي هو نقطة بداية تشكّل الهلام الحراري، أي المرحلة التي يتحول فيها البيض من سائل إلى صلب عند تسخينه. يجب أن تمنح هذه النقطة البيض القوام الملائم، أي القوام غير المفرط القساوة أو اللزوجة أو الليونة". تعتمد هذه الخصائص على عوامل مثل نوع الأحماض الأمينية في البروتين وترتيبها، وكيف يتطوّى مشكلاً بنية ثلاثية الأبعاد، وهي عملية معقدة للغاية حصل العلماء الذين درسوها على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2024.

بحث علماء شركة شيرو بعد ذلك في قاعدة البيانات وعثروا على مجموعة صغيرة من البروتينات التي تنبؤوا أنها تفي بالغرض. ركّب الفنيون هذه البروتينات واختبروا خصائصها، وحددوا بعض أنواع البروتينات التي تشبه بروتينات البيض. كان أداء عدد قليل من هذه البروتينات جيداً بما يكفي لتبدأ الشركة بتسويق إنتاجها، علماً أن هيوم لم توفر المزيد من التفاصيل.

حل لغز النكهة

بعد تحديد البروتين الملائم، الخطوة التالية هي إضافة جزيئات أخرى تجعل المنتج أكثر شبهاً بالبيض. على سبيل المثال، تغير إضافة الزيوت النباتية القوام. يقول الطباخ ونائب رئيس تطوير المنتجات في شركة إيت جست، كريس جونز: "سيكتسب المنتج قوام بياض البيض عند خفقه في غياب الزيت، وإذا تراوحت نسبة الزيت بين 8% و15%، فهو سيكتسب قوام البيض الكامل، أما إذا أضفنا كمية أكبر من الزيت، فسيصبح البيض أكثر شبهاً بخليط الكعك".

يستطيع الخبراء أيضاً إضافة الصموغ (مواد تكثيف اصطناعية) لمنع ترسّب البروتينات في المزيج في أثناء التخزين، أو إضافة جزيئات شفيفة في ظروف درجة حرارة الغرفة تصبح معتمة عند طهوها، ما يمنح البيض البديل مظهر البيض الطبيعي عندما ينضج.

هناك أيضاً مسألة النكهة؛ إذ تتمتع منتجات البيض النباتية المتوافرة حالياً بنكهة مختلفة عن نكهة البيض. يقول جونز: "تمتع أول منتجاتنا بنكهة عشبية للغاية"، ويضيف قائلاً إن الإصدار الحالي من المنتج، وهو الإصدار الخامس، يتمتع بنكهة تشبه نكهة البقوليات.

يتمتع هذا البيض النباتي بقوام شبيه للغاية بقوام البيض الطبيعي عند خفقه. ويستطيع علماء الغذاء البدء بتحسين النكهة والمحتوى الغذائي للمنتجات بمجرد الحصول على القوام الملائم. المصدر: شركة إيت جست.

يقول عالم الكيمياء المتخصص في النكهات في جامعة ولاية أوهايو، ديفِن بيترسون، إن النكهات الشبيهة بنكهة البقوليات لا تنتج عن جزيء واحد، بل إنها نتيجة مزيج من الجزيئات". يضيف بيترسون قائلاً إن مستخلصات البروتين المستخرجة من البقوليات تحتوي على إنزيمات تركّب بعض هذه الجزيئات المتطايرة ذات النكهة غير المرغوبة، وتحديد هذه الجزيئات وتجنبها أو إزالتها هو عملية شاقة. (يعتقد بعض العلماء أن طهو البروتينات الإفرادية في أوعية قد يساعد على حل هذه المشكلة). ترتبط أيضاً جزيئات تحمل اسم "البوليفينولات" بأسطح العديد من البروتينات النباتية، وهي تسهم في النكهة الشبيهة بنكهة البقوليات. يقول ماكليمنتس: "إزالة هذه البوليفينولات صعبة للغاية لأنها مرتبطة بإحكام".

يتفق الخبراء على أن التخلص من نكهة البقوليات وغيرها من النكهات غير المرغوب مفيد بالفعل، ولكن ليس هناك إجماع على ضرورة تحضير بيض نباتي يتمتع بنكهة أكثر شبهاً بنكهة البيض الطبيعي. يقول جونز: "هذه مسألة مثيرة للجدل".

تمنح مركبات الكبريت البيض معظم نكهته، وهي مركّبات قد لا ترضي المستهلكين بالضرورة. يقول جونز: "يطلق البيض الكبريت عند تحلله، وهذا ما يمنحه نكهته"، ويضيف قائلاً إنه عندما قارن المتذوقون المايونيز الخالي من البيض الذي تنتجه شركة إيت جست بالمايونيز التقليدي الذي يحتوي على البيض الحقيقي، "قال 50% منهم على الأقل إنهم لم يحبّوا النكهة الكبريتية في المايونيز التقليدي".

يمثل ذلك مشكلة بالنسبة للخبراء الذين يحاولون تحضير البيض البديل. يقول جونز: "هل يجب أن يتمتع البيض بنكهة كبريتية أم بنكهة خاصة به يطورها الطباخون؟ ليس لدينا إجابة حتى الآن"، ويضيف قائلاً إنه حتى في الأطباق مثل العجة، يمكن أن يسعى الخبراء إلى تحضير بيض بديل يتمتع "بنكهة محايدة تطغى عليها نكهة أي توابل مضافة".

من المرجح أن تتحسن جودة البيض النباتي أكثر فأكثر بينما يحاول خبراء تكنولوجيا الأغذية التغلب على هذه التحديات. لكن الهدف النهائي قد يتمثّل في إنتاج بيض يتفوق من حيث الأداء على البيض الطبيعي ولا يطابقه فقط. جرّب ماكليمنتس وزملاؤه بالفعل إضافة اللوتين، وهو مغذٍ مهم لصحة العين، إلى قطرات الزيت في صفار البيض النباتي.

وقد يتمكن العلماء في المستقبل من تعديل التركيب الكيميائي للأحماض الأمينية في البروتينات أو زيادة محتوى الكالسيوم أو الحديد في البيض النباتي لجعله يلبي الاحتياجات الغذائية. تقول عالمة الأغذية في معهد غود فودز إنستيتوت (Good Food Institute)، وهي مؤسسة دولية غير ربحية تركز على تطوير البروتينات البديلة، بيانكا داتا: "في النهاية، يمكننا هندسة منتج صحي أكثر من المنتجات المتوافرة حالياً، وما زلنا في أوائل مرحلة استكشاف الخيارات الممكنة".

المحتوى محمي