وجدت دراسة من جامعة ميسوري - كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية منشورة في أبريل/نيسان 2025، أن ممارسة النشاط البدني المكثف يومياً مدة قليلة يمكن أن تعزز صحة الدماغ بدرجة كبيرة، فما هي هذه المدة؟ وكيف أثبتت الدراسة نوعية العلاقة بين الرياضة وعمل الدماغ؟ وهل يمكن لنشاط بدني بسيط أن يقي كبار السن من الخرف فعلاً؟
اقرأ أيضاً: باحثون من جامعة هارفارد يحددون 17 عاملاً يسرّع شيخوخة الدماغ
دماغك يشكرك عندما تمارس الرياضة
أظهر الباحثون من جامعة ميسوري - كولومبيا، أن ممارسة الرياضة تؤدي دوراً وقائياً أساسياً في صحة الدماغ، حتى في ظروف تقليل توفير الطاقة للدماغ. كما تبين أن الكيتونات، وهي جزيئات ينتجها الكبد عند انخفاض مستويات الغلوكوز، تُعتبر بديلاً غذائياً مهماً للدماغ، وتُسهم على نحو مباشر في دعم الذاكرة المعرفية والوظائف الإدراكية الدماغية.
لكن ماذا يحدث عندما يعجز الكبد عن إنتاج هذه الكيتونات؟ حاولت الدراسة الإجابة عن هذا السؤال، وتبين فيها أن الرياضة قد توفر الحلّ الصحي المناسب. حيث استخدم الباحثون حيوانات التجارب لفحص تأثير ضعف إنتاج الكيتونات على الدماغ، ثم اختبروا كيف يمكن للتمارين الرياضية أن تعوّض هذا النقص. توفر هذه الدراسة أدلة تشرح العلاقة بين صحة الكبد وصحة الدماغ أول مرة، وتفتح آفاقاً جديدة في الوقاية من الأمراض العصبية مثل الخرف وآلزهايمر.
اقرأ أيضاً: علمياً: 8 كؤوس أسبوعياً قد تسرّع تلف الدماغ!
كيف ربط العلماء بين صحة الدماغ والرياضة؟
أجرى الباحثون من الولايات المتحدة الأميركية تجارب دقيقة على إناث جرذان التجارب، باستخدام تقنيات فيروسيّة لتثبيط إنزيم يدعى "آتش إم جي سي إس 2" (HMGCS2)، ويعدّ المسؤول عن بدء عملية تكوين الكيتونات في الكبد. بعد ذلك، أخضع الباحثون مجموعة من حيوانات التجارب لنوبات تمارين رياضية حادة، بينما أخضعوا مجموعة أخرى لبرنامج تدريبي مزمن استمر 4 أسابيع.
بعدها، جرى اختبار أداء حيوانات التجارب الإدراكي، وتحليل البروتينات الموجودة في القشرة الجبهية للدماغ، وقياس عمل عضيات الميتوكوندريا المؤكسد الذي يوفر الطاقة داخل الخلايا العصبية، لمعرفة إذا ما كانت التمارين تستطيع تعويض النقص في الكيتونات، وهل لديها القدرة على تحسين الوظائف الإدراكية على الرغم من ضعف مصدر الطاقة البديل.
كشفت نتائج الدراسة أن التمرين الحاد أدى إلى زيادة مؤقتة في تركيز الكيتون في الدم، بينما ساعد التمرين المزمن على تحسين عمل المشابك العصبية ووظيفة الميتوكوندريا في الدماغ، حتى لدى الحيوانات التي تعاني ضعف إنتاج الكيتون الكبدي.
اقرأ أيضاً: كيف يستنزف تعدد المهام الدماغ؟
ما تأثيرات الرياضة على تكوين الكيتونات المغذية للدماغ؟
أظهرت الدراسة أن ضعف إنتاج الكيتونات في الكبد يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في الذاكرة، وتراجع كفاءة عمل المشابك العصبية الدماغية، وانخفاض كفاءة عضيات الميتوكوندريا في القشرة الجبهية للدماغ. لكن الباحثين اكتشفوا أن التمارين الرياضية، وخاصة تمارين التحمل مثل الجري مسافات طويلة وركوب الدراجة الهوائية والسباحة، لها القدرة على عكس هذه التغيرات السلبية.
حيث حسّنت التمارين الرياضية المنتظمة الذاكرة وعززت وظيفة الميتوكوندريا، وأعادت توازن البروتينات المرتبطة بكفاءة نقل الإشارات العصبية. كما أوضحت النتائج أن التمارين لا تعوّض فقط نقص الكيتونات، بل تحفّز مسارات بيولوجية احتياطية بديلة في الدماغ تسهم في الحفاظ على صحته، وهذا يعني أن الرياضة ليست مجرد وسيلة لتعزيز الطاقة العامة، بل لها دور مباشر في تقوية بنية الدماغ وحمايته ضد التدهور الإدراكي والإصابة بالخرف، حتى في حالات الخلل الكبدي أو الشيخوخة الناجمة عن التقدم بالعمر.
اقرأ أيضاً: ما أعراض السكتة الدماغية؟
كيف يمكن الاستفادة من الرياضة في تعزيز عمل الدماغ؟
أوصى الباحثون في الدراسة بإدراج التمارين الرياضية، خاصة تمارين التحمل مثل الجري، في خطط الوقاية من التدهور الإدراكي والخرف، كما شددوا على أهمية متابعة البحث في كيفية تفاعل التمثيل الغذائي للكبد مع الدماغ، ما قد يفتح أبواباً جديدة أمام علاجات غير دوائية لداء آلزهايمر بالاستناد إلى تواتر معين من التمارين الرياضية وتحديد النوع الأنسب منها.
نصح الباحثون بجعل الرياضة جزءاً يومياً من الروتين، حتى في الأيام التي يشعر فيها الإنسان بالإجهاد أو انخفاض الطاقة، لأن الفوائد العصبية طويلة الأمد للتمارين الرياضية المعززة للدماغ تفوق الاستسلام والتقاعس البدني بسبب الجهد اليومي. كما أشاروا إلى أهمية ممارسة كبار السن ومرضى الكبد، مثل مرض الكبد الدهني، التمارين الرياضية بانتظام لحماية وظائفهم الدماغية على المدى البعيد.
اقرأ أيضاً: إليك أغرب الحقائق عن الدماغ
يشارك الدكتور عادل ريّس، وهو مختص لبناني في رعاية العمود الفقري ويهتم برعاية المرضى من جوانب الحياة جميعها بما في ذلك الغذاء والتمارين والعمل وبيئة المنزل، عبر فيديو في قناته على اليوتيوب بعض النصائح لتمارين رياضية تساعد على تعزيز وظيفة الدماغ.