المشي اليومي ليس ترفاً: إليك أهم فوائده في تحسين المزاج والذاكرة

4 دقيقة
المشي اليومي ليس ترفاً: إليك أهم فوائده في تحسين المزاج والذاكرة
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: عبدالله بليد.

تخيل حبة دواء يمكنها تحسين مزاجك وتقوية ذاكرتك ومساعدتك على منع التدهور المعرفي. والآن تخيل أن هذه "الحبة" مجانية، وليس لها آثار جانبية، ومتاحة للجميع. هذه هي حقيقة المشي اليومي، نشاط بسيط وسهل المنال، أثبتت الأبحاث أنه ليس متعة ورحلة ترفيهية، بل ضرورة للمزاج والذاكرة أيضاً.

كيف يؤثر المشي في المزاج؟

عندما تذهب للمشي يتعدل مزاجك تلقائياً بسبب عاملين أساسيين هما:

تحفيز إفراز هرمونات السعادة

يحفز المشي نشاط الدورة الدموية، ما يُوصل المزيد من الأوكسجين والمغذيات إلى دماغك. بدورها، تحفز المغذيات إطلاق مجموعة من النواقل العصبية المسؤولة عن مشاعر السعادة والهدوء والرضا، وهي:

  • الإندورفينات: وهي مسكنات ألم طبيعية، تحاكي تأثيرات المورفين في تخفيف الألم وتوليد شعور بالراحة. ويطلقها الجسم عادة في أثناء ممارسة التمارين الرياضية والضحك أو الاسترخاء.
  • السيروتونين: أو هرمون السعادة، يؤثر في المزاج والنوم والشهية والوظائف الأخرى، ويرتبط نقصه بالاكتئاب واضطرابات المزاج.
  • الدوبامين: هو ناقل عصبي مرتبط بالمكافأة، أي يفرزه الجسم عندما تحقق أهدافك أو تتلقى مكافأة، ويؤدي دوراً في الشعور بالرضا والتحفيز.

في الواقع، تعرف الحالة الشعورية من البهجة والطاقة وانخفاض القلق التي قد يشعر بها بعض العدائين في أثناء أو بعد ممارسة الجري، والتي تنتج عن إطلاق هرمونات السعادة، بنشوة العداء (Runner's high). يمكن للمشي أن يثير شعوراً مشابهاً لنشوة العدّاء، لكن ذلك يعتمد على شدة المشي ومدته، فالمشي السريع مدة 20-30 دقيقة بسرعة تصل بضربات القلب إلى 60-85% من أقصى معدل لها، مثل المشي صعوداً، يُمكن أن يُؤدي أيضاً إلى تأثير مماثل. علماً أن أقصى معدل لضربات القلب هو أقصى عدد ضربات قلب يمكن الوصول لها خلال النشاط البدني، ويحسب تقريبياً باستخدام المعادلة: 220 - العمر (بالسنوات). على سبيل المثال، إذا كان عمرك 30 عاماً، فإن أقصى معدل لضربات القلب لديك سيكون نحو 190 نبضة في الدقيقة. وعند المشي السريع تكون نسبتها 60-85% من هذا المعدل، وبالتالي فإن ضربات قلبك يجب أن تكون بين 114 و162 نبضة في الدقيقة.

وجدت مراجعة شاملة لـ 75 تجربة، وشملت أكثر من 8600 مشارك، نشرتها دورية "جي إم آي آر مراقبة الصحة العامة" (JMIR Public Health Surveill) أن المشي خفف أعراض الاكتئاب والقلق لدى مجموعة واسعة من الأعمار والتكرارات والبيئات، على نحو ملحوظ. وكان التأثير قوياً سواءً سار الناس في الداخل أم في الخارج، بمفردهم أم في مجموعات.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث لجسمك حين تمشي 10 آلاف خطوة يومياً؟

 تقليل التوتر والمرونة العاطفية

ينظم محور الوطاء-الغدة النخامية-الكظرية (HPA) استجابة الجسم للتوتر، فعندما يواجه الشخص موقفاً مرهقاً أو ضغوطاً نفسية أو جسدية، ينشط هذا المحور ويحفز إفراز هرمونات التوتر التي تساعد الجسم على التعامل مع التوتر. 

يساعد المشي على تهدئة هذا المحور، ويقلل إنتاج هرمونات التوتر، ما يساعدك على الشعور بالراحة، وتحكم أكبر في التعامل مع الضغوط والتحديات والمواقف الصعبة، وهو ما يُعرف بالمرونة العاطفية. أشارت دراسة نشرتها دورية آفاق تعزيز الصحة (Health Promotion Perspectives)، إلى أن المشي حتى مدة 10 دقائق فقط يُمكن أن يُخفف القلق والتعب، بينما يمكن للمشي المنتظم أن يقلل حالات المزاج السلبي كالغضب والارتباك والاضطراب المزاجي.

اقرأ أيضاً: كيف تمارس رياضة المشي بطريقة صحيحة؟

كيف يؤثر المشي في الذاكرة؟

يؤثر المشي إيجاباً في الذاكرة والوظائف المعرفية عامة، بالطرق التالية:

نمو الحصين

الحصين هو منطقة من الدماغ توجد في عمقه، وتأخذ شكل فرس البحر. يعد ضرورياً لتكوين الذكريات واسترجاعها، لكنه أيضاً يعدّ من أوائل المناطق التي تتقلص مع التقدم في السن، ما يمهّد الطريق لفقدان الذاكرة والخرف. ومع ذلك، يمكن للمشي عكس هذه العملية والحد من تقلص الحصين وتراجع الذاكرة.

في دراسة قديمة نشرتها مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)، وجد الباحثون أن كبار السن الذين يمشون 40 دقيقة ثلاث مرات أسبوعياً زاد حجم الحصين لديهم بنسبة 2% على مدار عام واحد، ما عكس تأثير الانكماش الطبيعي للحصين الذي كان يحدث على مدار العامين السابقين بسبب التقدم في السن. وقد ارتبط هذا النمو الدماغي ارتباطاً مباشراً بتحسن الذاكرة، وخاصةً الذاكرة المكانية، التي تُساعدنا على إدارة حياتنا اليومية.

عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)

يحفز المشي بوتيرة معتدلة إطلاق بروتين يدعى عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، وهو بروتين يدعم نمو خلايا الدماغ الجديدة ويقوي الخلايا الموجودة. يمكن وصفه ببستاني الدماغ، فهو يُغذي الروابط العصبية الجديدة. يمكن لهذا البروتين أن يعزز الذاكرة كما يلي:

  • يقوّي الاتصال بين الخلايا العصبية (المشابك العصبية)، ما يسهل عملية نقل المعلومات ويساعد على تخزين الذكريات واسترجاعها.
  • يعزز المرونة العصبية، أي القدرة على تغيير الروابط العصبية استجابةً للتجارب والتعلم، وهو ضروري لتكوين ذكريات جديدة.
  • يدعم نمو خلايا عصبية جديدة في منطقة الحُصين، وهي منطقة أساسية للذاكرة والتعلم.
  • يُحوّل الذكريات قصيرة المدى إلى ذكريات مستقرة طويلة المدى من خلال تحفيز مرحلة متأخرة تعتمد على تخليق البروتين في الحصين.

اقرأ أيضاً: كيف ينظّم الدماغ عملية المشي؟

نصائح لدمج المشي في روتين الحياة اليومية

توصي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) البالغين بممارسة 150 دقيقة أسبوعياً على الأقل من النشاط الهوائي متوسط ​​الشدة، مثل المشي السريع، أي ما يعادل نحو 30 دقيقة يومياً خمسة أيام في الأسبوع. عموماً، يمكنك باتباع بعض النصائح أن تجعل المشي جزءاً طبيعياً من يومك دون الحاجة إلى تخصيص وقت إضافي، إليك ما قد يساعدك:

  • ابدأ بالمشي مسافات قصيرة، ثم زد المسافة أو الوقت تدريجياً حسبما تشعر بالراحة.
  • امش إلى العمل إذا كان قريباً. وإن كان بعيداً، يمكنك ركن السيارة في مكان أبعد أو النزول قبل محطتك الأخيرة لممارسة المشي.
  • استخدم الأجهزة الذكية، مثلاً تساعد الأجهزة القابلة للارتداء في تتبع خطواتك، وقياس معدل ضربات القلب، وإرسال إشعارات تحفيزية للحركة.
  • احتفظ بأحذية رياضية في السيارة لتكون جاهزاً للمشي متى توفرت الفرصة، مثل انتظار انتهاء دروس أطفالك.
  • حاول استغلال وقت الاجتماعات للمشي في أثناء الاستماع أو التحدث، لكسر روتين الجلوس في أثناء العمل.
  • اصطحب الحيوانات الأليفة في نزهة.
  • استخدم الدرج بدلاً من المصعد.
  • امش لإحضار البقالة أو أداء المهام السريعة.
  • امش مع صديق لجعل التجربة ممتعة وأكثر تحفيزًا.
  • استمع إلى الموسيقى أو البودكاست، أو استمتع ببساطة بالمشاهد والأصوات من حولك.

المحتوى محمي