مع ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة العربية، خاصة خلال أشهر الصيف الحارقة التي قد تصل فيها درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية في بعض الدول مثل السعودية والكويت، يواجه العمال والموظفون تحديات جسيمة في أثناء أداء مهامهم. وسواء كنت تعمل في مكتب مكيف أم في موقع بناء تحت أشعة الشمس المباشرة، فإن موجات الحر قد تؤثر سلباً في صحتك وإنتاجيتك.
فهل يمكن أن يكون الجو حاراً لدرجة تجعل العمل مستحيلاً؟ وما الذي يمكنك فعله للتكيف مع هذه الظروف القاسية؟
اقرأ أيضاً: ما هي الأمراض التي قد تصيب الناس خلال موجات الحر؟ وكيف يمكن الوقاية منها؟
تأثير الحرارة المرتفعة في الجسم
عندما ترتفع درجات الحرارة، يبذل الجسم مجهوداً كبيراً للحفاظ على درجة حرارته الداخلية بمستوى 37 درجة مئوية، ويعتمد الجسم على آليات مثل التعرق وتوسيع الأوعية الدموية لتبديد الحرارة الزائدة وتبريد الجسم. لكن في المناطق العربية ذات الرطوبة العالية، مثل الإمارات أو البحرين، يصبح التعرق أقل فعالية، ما يزيد مخاطر الإصابة بالإجهاد الحراري أو ضربة الشمس.
تشمل أعراض الإجهاد الحراري الدوخة والغثيان والصداع وتشنجات العضلات، بينما قد تسبب ضربة الشمس فقدان الوعي أو أضراراً دائمة للأعضاء عند إهمال علاجها الفوري.
تتجاوز درجات الحرارة 45 درجة مئوية في العديد من المناطق العربية، ويصبح العمال في قطاعات مثل البناء والنقل والزراعة أكثر عرضة لهذه المخاطر بسبب عملهم تحت أشعة الشمس، ووفقاً لتقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية عام 2021، فإن المناطق الحارة تشهد زيادة في حالات الإجهاد الحراري بين العمال.
تأثير الحرارة في الإنتاجية والاقتصاد
تؤثر الحرارة الشديدة إلى جانب مخاطرها الصحية في الأداء الذهني والبدني للعاملين؛ ما يقلل الإنتاجية. ووفقاً لدراسة أجرتها منظمة العمل الدولية (ILO) في عام 2019، يمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى انخفاض الإنتاجية بنسبة تصل إلى 20% في المهن التي تتطلب مجهوداً بدنياً.
حتى في الأعمال المكتبية، قد تسبب الحرارة غير المنضبطة عدة أعراض؛ مثل صعوبة التركيز وزيادة الأخطاء وانخفاض الكفاءة، وفي المنطقة العربية، حيث تعتمد اقتصادات مثل السعودية والإمارات على مشاريع البنية التحتية الكبرى، قد يؤدي الإجهاد الحراري إلى تأخير المشاريع وزيادة التكاليف. حيث توفر القوانين في بعض البلدان العربية حظراً على العمل الخارجي خلال ساعات الذروة الحرارية من الساعة 12:30 ظهراً إلى الساعة 3 عصراً خلال أشهر الصيف، لحماية العمال من التعرض لضربة شمس وللحفاظ على صحتهم، لكن على الرغم من أهمية هذه السياسات، فهي قد تؤثر في الجداول الزمنية للمشاريع، ما يتطلب تخطيطاً دقيقاً من أصحاب العمل ووضع هذه العوامل بالاعتبار.
اقرأ أيضاً: ربما علينا الانتباه لتصميم المدن للتخفيف من تأثير موجات الحر
نصائح عملية للعمل في درجات الحرارة المرتفعة
يمكنك الحفاظ على سلامتك وإنتاجيتك خلال العمل في موجات الحر عبر اتباع النصائح التالية:
- الترطيب المستمر: اشرب الماء بانتظام، حتى لو لم تشعر بالعطش، ينصح بشرب كوب من الماء كل 20 دقيقة في أثناء العمل بالخارج، ومن الأفضل تجنب المشروبات الغازية أو الغنية بالكافيين، لأنها قد تزيد الجفاف بسبب تحفيزها لإدرار البول.
- اختيار الملابس المناسبة: ارتدِ ملابس خفيفة وفضفاضة ذات ألوان فاتحة مثل الألبسة القطنية، لتعكس أشعة الشمس، وتعد القبعات الواسعة أو العمائم التقليدية مفيدة لحماية الرأس من أشعة الشمس المباشرة.
- فترات راحة متكررة: خذ استراحات قصيرة في الظل أو في مكان مكيف عندما تحتاج للراحة من العمل، ومن الممكن استخدام خيام مؤقتة أو مظلات في مواقع البناء الموجود في العراء للجلوس في ظلها قليلاً مدة 10-15 دقيقة.
- تحسين بيئة العمل: إذا كنت تعمل في مكتب، تأكد من صيانة أنظمة التكييف، بينما في المواقع الخارجية، يمكن استخدام المراوح المحمولة أو رذاذ الماء لتخفيف الحرارة.
- مراقبة الأعراض: تعلم التعرف على علامات الإجهاد الحراري مثل الدوخة أو التعب الشديد، واطلب المساعدة الطبية فوراً إذا ظهرت هذه الأعراض.
السياسات الحكومية في المنطقة العربية
تبنت دول عربية عديدة سياسات لحماية العمال من الحرارة، مثلاً تفرض قطر حظراً على العمل الخارجي من الساعة 10 صباحاً إلى 3 عصراً خلال الصيف في الأماكن المكشوفة، بينما توفر الإمارات مراكز تبريد مؤقتة في مواقع العمل، وفي السعودية، تجري حملات توعية موسمية لتثقيف العمال حول الوقاية من الإجهاد الحراري. لكن يبقى التحدي في ضمان الالتزام بهذه السياسات، خاصة في القطاعات غير الرسمية حيث قد يفتقر العمال إلى الحماية الكافية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك حماية أطفالك في موجات الحر الشديدة؟
دور أصحاب العمل في حماية الموظفين
يمكن لأصحاب العمل تقليل مخاطر تعرض العاملين للحرارة باتباع النصائح التالية:
- تعديل ساعات العمل: جدولة العمل في الصباح الباكر أو المساء لتجنب ساعات الذروة الحرارية.
- توفير بيئة آمنة: تزويد العمال بمياه شرب نظيفة، ومناطق مظللة، ومعدات حماية مثل النظارات الشمسية والقبعات.
- برامج التدريب: تدريب العمال على التعرف إلى أعراض الإجهاد الحراري وكيفية التعامل معها، بما في ذلك تقديم الإسعافات الأولية.
- استخدام التكنولوجيا: منها تطبيقات مراقبة الطقس أو أجهزة استشعار الحرارة التي يمكن أن تساعد على تحديد الظروف الخطرة مبكراً.
التغيرات المناخية ومستقبل العمل
مع تفاقم التغير المناخي، من المتوقع أن تصبح موجات الحر أكثر تواتراً وشدة في المنطقة العربية، وهذا يتطلب استثمارات أكبر في البنية التحتية، مثل أنظمة التبريد المتقدمة وسن تشريعات أكثر صرامة لحماية العمال بالتوازي مع تطوير تقنيات مبتكرة مثل الملابس الذكية المبردة لدعم العمال في البيئات الحارة.
لذا فالجواب الصريح هو؛ نعم، يمكن أن يكون الجو حاراً لدرجة تمنعك من العمل وتؤثر في صحتك، لكن هذا فقط عدة ساعات في اليوم، ويمكن التغلب عليه من خلال اتخاذ تدابير وقائية وتكنولوجية في المواقع الخارجية أو المكاتب لحماية العمال.
اقرأ أيضاً: من هم المرضى الأضعف في مواجهة موجات الحر الشديد؟ وكيف يواجهونها؟
يشارك الدكتور المختص بأمراض الأوعية من جامعة هارفارد، إحسان كعدان، مجموعة من النصائح عبر قناته على اليوتيوب للوقاية من موجات الحر الشديد، والحفاظ على الصحة.