من مكافحة تسوس الأسنان إلى حماية العقول: القصة الكاملة لمادة الفلورايد

9 دقيقة
حقوق الصورة: بيكسلز

 

 تتمتع الفلورة بفوائد مؤكدة لصحة الفم، إذ تقلل مخاطر تسوس الأسنان ونخورها ومعدلات الإصابة بها، وحتى جراحات الأسنان في مرحلة الطفولة. وتشير عقود من دراسات الصحة العامة إلى أن هذه الممارسة آمنة. في الوقت نفسه، أثارت الأبحاث حول الآثار المحتملة للمستويات العالية من التعرض للفلورايد (أكثر من ضعف أو أربعة أضعاف الكمية المستخدمة في برامج الفلورة المجتمعية) في التطور المعرفي للأطفال مخاوف وتساؤلات متجددة. يختلف بعض العلماء وخبراء الصحة حول كيفية النظر في المزايا المعروفة للفلورايد مقابل المخاطر المحتملة. إليك فيما يلي كيفية فهم هذه القضية الصحية العامة الدقيقة.

اقرأ أيضاً: علمياً: دراسة إماراتية تحذر من شرب المياه الجوفية القريبة من مكبات النفايات

لماذا الفلورة؟

تعد فلورة المياه أحد الإجراءات التدخلية للصحة العامة بهدف الوقاية من تسوس الأسنان وتجويفها. الفلورايد هو معدن يساعد على تقوية مينا الأسنان النامية لدى الأطفال، ويساعد في إعادة تمعدن الأسنان عند البالغين، ما يمنع تلفها ويعالج الأضرار التي لحقت بها.

تقول الممرضة المسجلة والأستاذة المساعدة في الصحة العامة في جامعة ألاسكا أنكوريج، جينيفر ماير: "إن الميزة الرائعة في فلورة المياه هي أن الجميع يستفيد منها، وليس فقط الأشخاص الذين لديهم تأمين صحي أو ذوي الدخل المرتفع، بل الجميع؛ الأطفال الصغار، ولكن أيضاً كبار السن والبالغين والأفراد ذوي الإعاقة".

يحتوي العديد من مصادر مياه الشرب، بما في ذلك الآبار الخاصة، على كمية من الفلورايد بصورة طبيعية. لكن فلورة مياه الشرب العامة تُجرى بهدف تحسين تركيز الفلورايد لفوائد الأسنان. في الولايات المتحدة، يحصل نحو 72% من الناس في الولايات المتحدة على مياه صنبور معالجة بالفلورايد. كما تفلور البلديات في العديد من البلدان الأخرى، بما في ذلك أيرلندا وأستراليا وكندا، مياه الشرب العامة. وبالإضافة إلى المياه، هناك مصادر أخرى للتعرض للفلورايد، بما في ذلك معجون الأسنان وورنيش الأسنان وبعض الأطعمة والمشروبات الغنية بهذا المعدن بصورة طبيعة مثل الشاي الأسود والقهوة والمحار.

يقول الأستاذ والعميد المساعد لطب الأسنان في الصحة العامة في جامعة إلينوي بمدينة شيكاغو، سكوت تومار، إنه على افتراض أن مستويات الفلورايد لا تنحرف عن مستوياتها العالية جداً (وهو نادر الحدوث في الولايات المتحدة)، فإن فوائد الفلورايد هي فوائد إضافية. ويوضح تومار أنه حتى لو نظف الشخص أسنانه بمعجون أسنان مفلور وذهب بانتظام إلى طبيب الأسنان، فإن شرب ماء الصنبور المفلور لا يزال يوفر ميزة وقائية، وهو ما يتعارض مع ادعاء حاكم ولاية يوتا، سبنسر كوكس، بأن الفلورة عملية غير فعالة.

بالنسبة لأولئك الذين لديهم إمكانية محدودة للحصول على رعاية الأسنان، فإن المياه المعالجة بالفلورايد تُحدث فرقاً إضافياً كبيراً. وجدت دراسة نشرت عام 2018 في مجلة أبحاث طب الأسنان (Journal of Dental Research) لتقييم آثار فلورة المياه في الولايات المتحدة، أن الأطفال في المقاطعات التي تطبق المعالجة بالفلور في الولايات المتحدة أصيبوا بتسوس الأسنان بمعدل أقل بمقدار 1.3 حالة تسوس لكل طفل في المتوسط مقارنة بنظرائهم في المقاطعات التي لا تطبق المعالجة بالفلور. بين المجتمعات الأكثر فقراً، يرتفع هذا الفارق ليصبح المعدل أقل بمقدار يتجاوز حالتي تسوس لكل طفل مع استخدام الفلورة. وقد وجدت أبحاث إقليمية أخرى تأثيرات مماثلة. في مدينة وندسور بمقاطعة أونتاريو، صوّت مجلس المدينة على إنهاء فلورة المياه في عام 2013، ثم تراجع عن هذا القرار بعد خمس سنوات بعد أن زادت نسبة الأطفال المصابين بتسوس الأسنان أو الذين يحتاجون إلى رعاية أسنان عاجلة بنسبة 51%.

ووجدت إحدى الدراسات التي أجريت على مطالبات برنامج ميديكيد (Medicaid) لدعم الرعاية الصحية في ولاية نيويورك، أن عدد المطالبات المتعلقة بإجراءات طب الأسنان المتعلقة بتسوس الأسنان كانت أعلى بنسبة 33.4% في المقاطعات الأقل استخداماً للفلور، ما يشير إلى وجود حالات أكثر بكثير من تسوس الأسنان. أدى التوقف عن فلورة المياه في مدينة جونو بولاية ألاسكا إلى زيادة تكاليف برنامج ميديكيد بمقدار 161 دولاراً أميركياً في المتوسط لكل طفل يتراوح عمره من 0 إلى 18 عاماً، وفقاً لدراسة أجريت عام 2019 شارك في تأليفها ماير. بالنسبة للأطفال الصغار، الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و6 سنوات، كانت التكلفة الإضافية الناجمة عن عدم الفلورة أكثر من 300 دولار أميركي. ويتحمل دافعو الضرائب على مستوى الولاية ودافعو الضرائب الفيدرالية هذه التكاليف الإضافية في وقت لاحق. يقول ماير: "إن حجب فلورة المياه عن المجتمعات المحلية يفرض على الأسر ضريبة خفية للرعاية الصحية".

ويضيف تومار بأنه "يتوقع" مع نهاية فلورة المياه في ولاية يوتاه "أن نشهد زيادة في معدل تسوس الأسنان، بدءاً من الأطفال الأصغر سناً". ويتوقع أيضاً أن ترتفع تكاليف صيانة الفم والرعاية الصحية على صعيد الأسر وعلى صعيد الولاية إجمالاً. كل دولار تنفقه الحكومة على برامج الفلورة المجتمعية يوفر نحو 20 دولاراً بدوره، وفقاً لدراسة تقديرية شارك تومار في تأليفها عام 2016.

كما أن تسوس الأسنان لا يقتصر على إزعاجات بسيطة أو تكاليف مالية باهظة، بل هو أكثر أمراض الطفولة المزمنة شيوعاً في الولايات المتحدة، وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. ويمكن أن يكون لها تأثير خطير في جودة الحياة، ما يؤثر سلباً في أشياء مثل الحضور المدرسي والأداء المدرسي. إذا تُرك تسوس الأسنان دون علاج، يمكن أن  يزيد من خطر سوء التغذية، ويقلل من تقدير الذات، ويؤدي إلى الخراجات والتهابات أكثر خطورة. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن تسوس الأسنان هو أكثر الحالات الصحية شيوعاً على مستوى العالم.

اقرأ أيضاً: تنقية المياه في مناطق الحرب: طرق بسيطة للشرب الآمن

ولكن هل فلورة المياه خطيرة؟

على الرغم من الإيجابيات المثبتة لفلورة مياه الشرب العامة على صحة الفم، فقد واجهت معارضة المجتمع المحلي منذ بدايتها، وذلك عندما أصبحت غراند رابيدز بولاية ميشيغان أول مدينة أميركية تلجأ إلى فلورة مياه الشرب العامة في عام 1945. وتستند الانتقادات إلى كل شيء بدءاً من المعتقدات الهامشية الخاطئة إلى الدراسات العلمية الفعلية.

لقد كثرت الادعاءات التآمرية التي لا أساس لها من الصحة بأن الفلورة هي مؤامرة شيوعية أو شكل من أشكال السيطرة الحكومية على العقل منذ منتصف القرن العشرين. يعارض الكثير من الناس الفلورة لأنهم يرون فيها انتهاكاً لحرياتهم الشخصية أو شكلاً من أشكال التجاوزات الحكومية.

ثم هناك موجات من المخاوف الصحية ذات الجذور العلمية. على سبيل المثال، ظهرت مخاوف في التسعينيات استناداً إلى دراسات أجريت على القوارض من أن التعرض للفلورايد يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان العظام. وقد دحضت الدراسات العلمية هذا الارتباط المقترح إلى حد كبير منذ ذلك الحين.

ثمة أبحاث صحية راسخة تشير إلى أن الإفراط في تناول الفلورايد يمكن أن يسبب مشاكل صحية. وكما هي الحال مع أي شيء نتناوله، فإن الكمية عامل مهم للغاية. حتى العناصر الغذائية الأساسية مثل فيتامين د  وفيتامين أ يمكن أن تصبح سامة بعد مستوى معين من التعرض. توصي وكالة حماية البيئة (EPA) الأميركية حالياً بأن تحتوي مياه الشرب على أقل من 2.0 ميليغرام من الفلورايد لكل لتر. كما تفرض الوكالة أيضاً أن تكون مستويات الفلورايد أقل من 4.0 ميليغرام لكل لتر بسبب خطر الإصابة بتسمم الهيكل العظمي بالفلورايد، حيث يمكن أن يؤدي التعرض المزمن والمرتفع لمستويات عالية من الفلورايد إلى ضعف نمو العظام. يشير المبدأ التوجيهي الفيدرالي الأميركي الحالي إلى أن المستوى الأمثل لفلورة المياه هو 0.7 ميليغرام لكل لتر، الذي جرى تخفيضه مؤخراً بعد أن كان ينتمي إلى النطاق 0.7-1.2 ميليغرام لكل لتر في عام 2015 لتقليل خطر تصبّغ الأسنان.

الكثير من الفلورايد والنمو المعرفي للأطفال

ومع ذلك، فإن التركيز الأخير للمخاوف المتعلقة بالفلورايد لا يتعلق بأمراض العظام أو تصبغ الأسنان، ولكن بالنمو المعرفي للأطفال، وهنا تصبح الأمور غامضة وغير مستقرة. تشير بعض الأبحاث العلمية -بما في ذلك دراسة مراجعة مثيرة للجدل نُشرت في مجلة "جاما لطب الأطفال" (JAMA Pediatrics) في يناير/كانون الثاني وتقرير ذو صلة من البرنامج الوطني لعلم السموم (National Toxicology Program)- إلى وجود علاقة بين الكميات الكبيرة من التعرض للفلورايد وانخفاض مستويات الذكاء لدى الأطفال على مستوى السكان.

قيّمت المراجعة 74 دراسة إجمالية، وخلصت إلى أن التعرض لمستويات الفلورايد التي تزيد على 1.5 ميليغرام لكل لتر في المرحلة الجنينية أو في مرحلة الرضاعة يرتبط بانخفاض معدل الذكاء في مرحلة الطفولة ببضع نقاط حسب الجرعة.

يقول المؤلف المشارك في المراجعة وعالم السموم البيئية والمدير المساعد السابق للبرنامج الوطني لعلم السموم، جون بوكر، في تصريح لمجلة بوبيولار ساينس: "وجدنا أن معدل ذكاء الأطفال يرتبط بعلاقة عكسية مع التعرض المقدر للفلورايد لهؤلاء الأطفال خلال المرحلتين الجنينية والطفولة المبكرة".

الأهم من ذلك، لم يجد بوكر والباحثون المشاركون معه أي ارتباط كبير بين مستويات التعرض للفلورايد التي تقل عن 1.5 ميليغرام لكل لتر في مياه الشرب وانخفاض معدل الذكاء، وكتبوا أن هناك حاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث لفهم التأثيرات المحتملة التي يمكن أن تحدث عند مستوى 0.7 ميليغرام لكل لتر الموصى به من فلورة مياه الشرب العامة في الولايات المتحدة.

للتوضيح: يتلقى نحو 2.9 مليون شخص فقط (نحو 4.5% من قاطني المنازل المتصلة بشبكة المياه العامة) في الولايات المتحدة مياه البلدية التي تصل إلى منازلهم عبر الصنابير بمستويات فلورايد عند مستوى 1.5 ميليلتر أو أكثر، وفقاً لتحليل عام 2023. ويشمل هذا الرقم كلاً من المستفيدين من خدمات شبكات المياه العامة التي تحتوي على الفلورايد، وأولئك الذين لديهم فلورايد موجود في المياه بصورة طبيعية. في المقابل، لا يزال أكثر من 60 مليون شخص في الولايات المتحدة يحصلون على مياه الشرب العامة التي تحتوي على مستويات رصاص أعلى من 5 أجزاء في المليار، في حين خلصت وكالة حماية البيئة إلى أنه لا يوجد قدر آمن من التعرض، وفقاً لتقييم أجراه مجلس الدفاع عن الموارد الوطنية في عام 2021.

يقول بوكر: "هل كان يجب على يوتا أن تسحب الفلورايد من المياه؟ إنه سؤال يتطلب إجابة دقيقة".

وهو يوافق على أن الفلورايد له فوائد لصحة الفم، وأن المخاطر المعرفية المحتملة للفلورايد في مياه الشرب ليست واضحة أو مؤكدة عند مستويات منخفضة. ومن وجهة نظره، فإن الأبحاث الناشئة تبرر إعادة تقييم مستوى 0.7 الموصى به لفلورة مياه الشرب العامة. كما يقول أيضاً إنه من الناحية المثالية، ينبغي منح النساء الحوامل والآباء والأمهات الذين يخلطون حليب الأطفال الرضع إمكانية الحصول على مياه غير مفلورة دون أي تكلفة. على الرغم من ذلك، يعارض ماير الفكرة التي مفادها أن الفلورايد مهم لصحة الفم لدى النساء الحوامل، اللاتي يتعرضن لخطر متزايد للإصابة بأمراض اللثة وتسوس الأسنان.

علاوة على ذلك، لم يقتنع الجميع بالنتائج التي توصلت إليها المراجعة. لم تكن أي من الدراسات الـ 74 التي شملتها المراجعة من الولايات المتحدة، فأكثر من نصفها من الصين، حيث يختلف سياق التعرض للفلورايد اختلافاً كبيراً عن الولايات المتحدة. محتوى الفلورايد مرتفع في الجزء الأكبر من القاعدة الصخرية الإقليمية للصين، بالإضافة إلى تضخم مستويات الفلورايد في التربة والمياه جزئياً بصفتها نتيجة ثانوية لتلوث الفحم. يمكن لكل من القاعدة الصخرية الغنية بالمعادن وحرق الفحم أن يجلب معه ملوثات أخرى، مثل الزرنيخ، التي لا تخضع للملاحظة المحكمة بالضرورة في أبحاث الفلورايد. بحثت معظم الدراسات في مستويات التعرض التي تزيد على 2 ميليغرام لكل لتر، وصُنفت 52 من الدراسات على أنها ذات مخاطر عالية من حيث التحيز، وذلك حسب تصنيف بوكر وزملائه.

يقول بوكر إن ثلاث دراسات كندية مُدرجة في التحليل تقدم أقرب مؤشر للتعرض للفلورايد في الولايات المتحدة. وقد قيمت هذه الدراسات مستويات مماثلة لمستويات فلورة المياه الموجودة في الولايات المتحدة، ووجدت بعض الارتباطات الطفيفة بين الفلورة وانخفاض معدل الذكاء لدى فئات معينة. ومع ذلك، فإن هذه الدراسات الثلاث كلها صادرة عن مجموعة من الباحثين المرتبطين ارتباطاً وثيقاً، وتستند إلى مجموعة البيانات نفسها التي تتتبع صحة الأمهات، وتستخدم مقاييس مثيرة للجدل لكل من معدل الذكاء والتعرض للفلورايد.

اقرأ أيضاً: ما هي مخاطر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في مياه الشرب؟ وهل يمكن إزالتها؟

يشير تومار إلى أن اختبارات الذكاء للأطفال الصغار عادةً ما يجريها علماء نفس مدربون، لا مساعدو أبحاث كما هي الحال في الدراسات الكندية. وقُدرت مستويات التعرض للفلورايد في مرحلتي الحمل والرضاعة استناداً إلى عدد قليل من عينات بول الأمهات في فترة زمنية محددة. يقول الطبيب وأستاذ الصحة العامة والطب في جامعة ييل، ف. بيري ويلسون، إن مستويات الفلورايد في البول تختلف اختلافاً كبيراً على مدار اليوم اعتماداً على مستوى الترطيب والنظام الغذائي، بالإضافة إلى عوامل مثل إن كان الشخص قد نظف أسنانه للتو أو شرب كوباً من الشاي.

وعلاوة على ذلك، فإن مستوى الفلورايد المُفرَز في البول في أي وقت معين لا يعكس بالضرورة مستواه في الدم، وهو ما يحدد في الواقع تعرض الجنين بصورة مباشرة، على حد توضيح ويلسون. يغير الرقم الهيدروجيني للبول كمية الفلورايد المُفرز في أي وقت معين. ويضيف أن مستوى الفلورايد في البول يمكن أن يختلف حتى مع بقاء مستوى الفلورايد في الدم على حاله تماماً. البديل الأفضل هو قياس مستوى الفلورايد في الدم مباشرة، أو على الأقل جمع عينات البول على مدار 24 ساعة لتقليل تأثير الوقت من اليوم. لم تفعل ذلك أي من الدراسات الـ 74 التي شملها التحليل.

لم تجد أبحاث حديثة أخرى، بما في ذلك دراسة أجريت عام 2024 في أستراليا أي ارتباط بين معدل ذكاء الأطفال ومستوى التعرض للفلورايد. ويشير بوكر إلى أن هذا البحث لم يُدرج في التحليل التلوي نظراً لحداثة نشره. وقد توصلت دراسات من نيوزيلندا والسويد وأماكن أخرى إلى استنتاجات مماثلة، حيث لم تجد أي تأثير سلبي للمستويات المنخفضة من الفلورايد في معدل الذكاء.

يقول ويلسون: "إن جودة التحليل التلوي تعتمد على متوسط جودة الدراسات المشمولة. أنا لا أقول إن الدراسات [كلها] خاطئة، ولكن عندما نقيّم قوة الأدلة، علينا مراعاة جودة القياس".

ومن وجهة نظره، فإن الأدلة على الضرر العصبي ضعيفة. ويضيف ويلسون: "إنه بالتأكيد جانب يمكن دراسته بصورة معمقة أكثر، لكنني لن أغير السياسات على نطاق واسع حتى نعرف بالفعل ما الذي نتعامل معه"، لأن أضرار إنهاء الفلورة مفهومة تماماً.

التدخلات المعرفية الفعالة

من السهل أن نفهم لماذا قد يشعر البعض بعدم الارتياح بشأن فلورة المياه، نظراً لوجود أدنى احتمال لانخفاض القدرات معرفية. إذا كانت لديك الوسائل، يمكن حشو الفجوات التي يُحدثها التسوس في الأسنان ونسيانها. لكن الآثار التنموية النظرية قد تستمر مدى الحياة. بالنسبة للنساء الحوامل، والآباء والأمهات القلقين من الآثار المحتملة للفلورايد، أو لأولئك الذين يعيشون في مناطق ترتفع فيها مستويات الفلورايد في مياه الشرب على وجه الخصوص، يمكن أن توفر المياه المعبأة في زجاجات وبعض المرشحات مصادر بديلة للمياه غير المفلورة.

ومع ذلك، إذا كان القلق الحقيقي متمثلاً في فقدان بضع نقاط من معدل الذكاء، فربما يكون من الأفضل لأولئك الذين يناهضون الفلورايد أن يوجهوا وقتهم ومواردهم نحو أمور أخرى، كما يقترح ويلسون. إن الروابط بين التعرض للفلورايد وانخفاض معدل الذكاء ليست سوى ارتباطات. ولكن هناك طريقة سببية مثبتة لتحسين الأداء في اختبارات الذكاء: التعليم عالي الجودة. إن تدريب الأطفال على حل المشاكل الإبداعية يعزز درجات الذكاء بما يصل إلى 15 نقطة، وفقًا لإحدى الدراسات التي أجريت على أطفال من أوروبا الشرقية. كما أن كل سنة إضافية من التعليم المدرسي تمنح زيادة تصل إلى 5 نقاط في معدل الذكاء، وفقاً لتحليل تلوي عالمي أُجري عام 2018.

بالنسبة لويلسون، يبدو الأمر "مخادعاً بعض الشيء عندما يعبر السياسيون عن سخطهم الشديد ويقولون: ’ألا يفكر أحدكم في الأطفال؟‘، في حين أن لدينا خيارات احتياطية من الإجراءات التدخلية من شأنها أن تفوق أي آثار سلبية محتملة للفلورة".

المحتوى محمي