تكتسب المياه ذات المصادر الطبيعية المباشرة، التي تحمل اسم "المياه الخام"، شعبية متزايدة؛ إذ يرفض المدافعون عن استهلاك هذه المياه استخدام إمدادات المياه العامة، مثل مياه الصنبور، لأنهم لا يستمتعون بطعمها أو يعتقدون أنها غير آمنة وخالية من المعادن الضرورية للصحة.
قد تبدو المياه الخام مغرية ظاهرياً؛ إذ إن البيئة الطبيعية المحيطة بها قد تبدو جميلة، وقد تبدو المياه أنها نظيفة ومذاقها منعش. لكن على عكس مياه الصنبور أو المياه المعبأة في قوارير تجارية، لا تخضع المياه الخام إلى التقييم للتحقق من سلامتها، ما يجعل الأشخاص الذين يشربونها أكثر عرضة للميكروبات المعدية أو الملوثات الأخرى التي قد تكون سامة.
أنا باحث في علم الأحياء الدقيقة أدرس الأمراض المعدية. من منظور الصحة العامة، قد يحمي توضيح المفاهيم الخاطئة حول مياه الصنبور والمخاطر الصحية للمياه الخام المستهلكين ويحد من انتشار الأمراض المعدية.
اقرأ أيضاً: تنقية المياه في مناطق الحرب: طرق بسيطة للشرب الآمن
تاريخ موجز لمياه الشرب العامة
تشير الأدلة الأثرية إلى أن البشر ربطوا منذ زمن طويل بين المياه القذرة والنتائج الصحية السلبية؛ إذ أضاف المصريون القدماء في عام 1,500 قبل الميلاد مادة رابطة إلى المياه لتجميع الملوثات حتى تسهل إزالتها.
بين اكتشافان رئيسيان في منتصف القرن التاسع عشر سبب خطورة المياه غير النقية. أولاً، اكتشف الطبيب، جون سنو، أن سبب إحدى حالات تفشي الكوليرا المميتة هو المياه الملوثة التي مصدرها مضخة شارع برود ستريت في مدينة لندن. ثانياً، طوّر لويس باستور نظرية جرثومية المرض، التي تنص على أن الميكروبات يمكن أن تسبب الأمراض. أثبت باستور أن السوائل القابلة للاستهلاك مثل الماء الخام والحليب يمكن أن تحتوي على مسببات الأمراض.
مهدت هذه الاكتشافات الطريق لإجراء مشروعات البنية التحتية الواسعة النطاق في القرن العشرين، التي هدفت إلى ضمان سلامة إمدادات المياه العامة.
تبدأ عملية تنظيف المياه اليوم بالخطوات نفسها التي استخدمها المصريون القدماء، وتليها عملية ترشيح مركّزة للتخلص من الفُتات وأغلبية الجراثيم والمواد الكيميائية. يُضاف الكلور لقتل مسببات الأمراض المتبقية، مثل تلك التي قد تكون موجودة في أنابيب الخدمة التي تنقل المياه إلى الصنبور. ابتداءً من أربعينيات القرن الماضي، بدأ الخبراء بإضافة كمية قليلة من الفلوريد بصفته مادة غير مكلفة وآمنة وفعالة لتحسين صحة الأسنان.
أدت نظافة إمدادات المياه وإضافة الفلوريد إليها إلى خفض انتشار الأمراض المعدية وتسوس الأسنان بمقدار كبير، وهي تُعد من أعظم إنجازات الصحة العامة في القرن العشرين.
هل المياه الخام صحية أكثر من مياه الصنبور؟
يدّعي مروجو المياه الخام أن هذه المياه تتمتع بفوائد صحية، مثل احتوائها على المعادن الأساسية والبكتيريا المفيدة التي تحمل اسم "البروبيوتيك" وتفتقر إليها مياه الصنبور. دعونا نحلل كل من هذه الادعاءات.
تذوب في الماء أجزاء من التربة والصخور الموجودة في مصدره، ما يعني أن محتواه من المعادن يعتمد على المعالم الجيولوجية المحلية. تحتوي مياه المناطق الغنية بالحجر الجيري، مثل الغرب الأوسط في الولايات المتحدة الأميركية، على نسبة عالية من الكالسيوم. بينما قد تحتوي المياه التي مصدرها أعماق الأرض على كمية أكبر من المعادن لأنها تمر عبر كمية أكبر من الصخور في طريقها إلى السطح.
الفكرة التي تنص على أن مياه الصنبور خالية من المعادن الأساسية غير صحيحة، لأن هذه المغذيات صغيرة جداً لدرجة أن إزالتها في عملية الترشيح مستحيلة. يمكنك استخدام عدة الاختبار لتحديد المحتوى المعدني للمياه، وإذا لاحظت أنها تفتقر إلى المعادن، تمكنك إضافة المكملات المعدنية. مع ذلك، يشير الخبراء إلى أن البشر يحصلون على أغلبية المعادن التي يحتاجون إليها من النظام الغذائي وليس من الماء.
يدعي البعض أيضاً أن الماء الخام يحتوي على البروبيوتيك الذي تفتقر إليه مياه الصنبور. قد تختلف كمية البروبيوتيك في المياه أيضاً حسب الموقع، ولم يثبت العلماء أن المياه الخام تحتوي على البكتيريا المعززة للصحة.
لا توجد دراسات تربط استهلاك المياه الخام بأي فوائد صحية، ومن المرجح أن الادعاءات المتناقلة حول زيادة نعومة البشرة أو زيادة الطاقة على إثر شرب المياه الخام ناتجة عن تأثير البلاسيبو. حتى فكرة أن مذاق المياه الخام أفضل قد تكون ناتجة عن عوامل نفسية أكثر منها فيزيولوجية؛ إذ بيّنت دراسة من عام 2018 أن أغلبية الناس يفضلون مياه الصنبور على المياه المعبأة في اختبار تذوق مُعمّى.
اقرأ أيضاً: 4 طرق طبيعية لتنقية المياه
مخاطر شرب المياه الخام
يعرّض شرب المياه الخام لخطر الإصابة بعدوى معديّة معوية خطيرة من مجموعة متنوعة من مسببات الأمراض.
تشمل الفيروسات التي تنقلها المياه فيروس الروتا والنوروفيروس، اللذين يسببا الإسهال والقيء السريع والتهاب الكبد أيه. تسبب البكتيريا مثل الإشريكية القولونية والسالمونيلا، أو الطفيليات مثل خفية الأبواغ والجياردية الإسهال الشديد الذي قد يؤدي إلى مستويات خطيرة من الجفاف. قد توجد طفيليات المقوسة الغوندية أيضاً في المياه الخام ويمكن أن تسبب الإجهاض أو العيوب الخلقية إذا شربت النساء الحوامل هذه المياه.
ينقل المصابون بحالات العدوى الإسهالية هذه العدوى للآخرين إذا سبحوا في المسابح العامة أو امتنعوا عن غسل أيديهم على النحو السليم قبل لمس الآخرين أو إعداد الطعام. يتمتع نوروفيروس بقدرة كبيرة على التحمل ويستطيع البقاء على الأسطح على مدى أيام، ما يزيد فرص انتقاله للآخرين.
قد تحتوي المياه الخام أيضاً على طحالب تطلق سموماً تسبب مشكلات في البطن وتلفاً في الدماغ والجهاز العصبي.
لم تعد الأمراض مثل الكوليرا والدوسنتاريا وحمى التيفوئيد تمثل مشكلات صحية بفضل تطوير نظام فعال لمعالجة المياه، لكن مناطق العالم التي تفتقر إلى هذه الأنظمة تعاني ارتفاعاً في معدل وفيات الأطفال وانتشاراً واسع النطاق للأمراض الإسهالية.
ما مدى أمان مياه الصنبور في الولايات المتحدة؟
مياه الصنبور في الولايات المتحدة هي من أكثر مياه الشرب أماناً في العالم. اتخذت إدارة الرئيس بايدن خطوات لتحسينها أكثر، مثل تمويل استبدال أنابيب الرصاص وإصدار القواعد الجديدة لمراقبة المواد الكيميائية الأبدية مثل البير فلورو ألكيل والبولي فلورو ألكيل، التي ترتبط بالسرطان واضطرابات النمو.
الأهم من ذلك أن المياه الخام ليست خالية بالضرورة من الرصاص أو الزرنيخ أو المبيدات الحشرية أو الملوثات الصناعية. لا تخضع مصادر المياه الخام لمراقبة موثوقة من الخبراء، ما يجعل تحديد المصادر الأقل خطورة صعباً. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون المياه آمنة بدرجة معقولة في يوم ما وغير آمنة في يوم آخر. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي جريان التربة السطحي الناجم عن العواصف إلى نقل جراثيم أو ملوثات جديدة إلى المناطق التي تحتوي على مصادر المياه.
تفحص وكالة حماية البيئة روتينياً مياه الصنبور بحثاً عن نحو 100 ملوث لضمان سلامتها. على النقيض من ذلك، لا تخضع المياه الخام للاختبارات أو المعالجة أو القوانين التنظيمية، ما يجعل سلامتها موضع شك. فيما يتعلق بالمخاطر والفوائد، لا توجد فوائد صحية مثبتة لشرب المياه الخام، ولكن هناك أدلة واضحة تبين أن شربها يعرض لخطر الملوثات المعدية والسامة الضارة.