الذكاء لا يشيخ: لماذا تبلغ عقولنا ذروتها في أواخر الخمسينيات؟

3 دقيقة
الذكاء لا يشيخ: لماذا تبلغ عقولنا ذروتها في أواخر الخمسينيات؟
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: عبدالله بليد.

دحضت دراسة حديثة الاعتقاد السائد بأن الإنسان يصل إلى ذروة المعرفة والقدرات العقلية في مرحلة الشباب المبكر، وتبدأ في التدهور بعد ذلك، بل أظهرت أن قياس الأداء النفسي والعقلي البشري يصل إلى ذروته بين العامين 55 و60 من العمر.

يعتمد الاعتقاد بأن ذروة المعرفة والقدرات العقلية …

دحضت دراسة حديثة الاعتقاد السائد بأن الإنسان يصل إلى ذروة المعرفة والقدرات العقلية في مرحلة الشباب المبكر، وتبدأ في التدهور بعد ذلك، بل أظهرت أن الأداء النفسي والعقلي البشري يصل إلى ذروته بين العامين 55 و60 من العمر.

ذروة الأداء العقلي أواخر الخمسينيات

يسود بين البشر اعتقاد بأن الإنسان يصل إلى ذروة قدراته الجسدية والمعرفية في العشرينيات من عمره، ويعزى السبب إلى عوامل مثل حجم الدماغ وصحة القلب والأوعية الدموية، ولكن توجد أسباب كثيرة تشير إلى أن هذه القدرات تتطور مع التقدم ​​في السن.

لإثبات ذلك، أجرى فريق من جامعة أستراليا الغربية وجامعة وارسو دراسة نشرت في مجلة "إنتليجينس"، وتوصلوا إلى أن الأداء العقلي والنفسي الشامل للفرد، والذي يقيس النجاح في الحياة والقيادة واتخاذ القرارات المعقدة، يصل إلى ذروته في مرحلة منتصف العمر المتأخرة، تحديداً بين سن 55 و60 عاماً، قبل أن يبدأ بالانخفاض التدريجي.

يقسم الباحثون القدرات العقلية والنفسية إلى مجموعات، ويوضحون أن بعض القدرات العقلية مثل الذكاء السائل (القدرة على التفكير وحل المشكلات الجديدة بسرعة) هي التي تصل إلى ذروتها في سن مبكرة، وبالتحديد في العشرينيات من العمر، وتتراجع بعد ذلك، لكن لا يمكن اعتباره المقياس الوحيد للقدرة الإدراكية.

ينعكس هذا النمط في الواقع. فالرياضيون عادة ما يصلون إلى ذروة مسيرتهم المهنية قبل سن الثلاثين. أما علماء الرياضيات، فغالباً ما يقدمون أعظم إسهاماتهم في منتصف الثلاثينيات. أما أبطال الشطرنج، فنادراً ما يصلون إلى قمة مجدهم بعد سن الأربعين.

اقرأ أيضاً: ما سر قدرة بعض الرياضيين المحترفين على الاستمرار في التحسن مع تقدمهم في السن؟ 

القدرات تستمر في التحسن إلى ما بعد الشباب

حاول الباحثون فهم كيفية تغير القدرات الذهنية مع التقدم في السن، واختاروا 9 مفاهيم رئيسية مرتبطة بالنجاح في الحياة لتحليل اتجاهات التغير فيها مع التقدم في السن. تشمل هذه المفاهيم ما يلي:

  • ​القدرات المعرفية: وتشمل الذكاء السائل والذكاء المتبلور.
  • السمات الشخصية مثل اليقظة والضمير والاستقرار العاطفي.
  • ​الذكاء العاطفي.
  • ​الثقافة المالية.
  • ​الاستدلال الأخلاقي.
  • ​مقاومة انحياز التكلفة الغارقة: وهي القدرة على التخلي عن قرار أو استثمار لم يعد مفيداً، بدلاً من التمسك به بسبب التكاليف المستهلكة سابقاً.
  • ​المرونة المعرفية.
  • ​التعاطف المعرفي: وهو القدرة على فهم وجهة نظر الآخر أو حالته العقلية.
  • ​الحاجة إلى المعرفة: وهو ميل الفرد إلى الانخراط في التفكير المعقد والاستمتاع به.

​استخدمت هذه المفاهيم التسعة لبناء مؤشر الأداء الوظيفي المعرفي والشخصي لتحديد ذروة الأداء الشامل للإنسان. وجرت المقارنة بين نموذجين: النموذج التقليدي الذي يركز على الذكاء وسمات الشخصية الأساسية، ونموذج شامل يدمج الأبعاد التسعة للوظيفة المعرفية جميعها. 

وبذلك، حدد الباحثون مجموعات أخرى من القدرات تستمر في التحسن إلى ما بعد الشباب، ومنها:

  • الذكاء المتبلور: هو مخزون المعرفة والمفردات والخبرة، ويستمر في النمو حتى الستينيات.
  • الاستقرار العاطفي: يميل إلى التحسن وقد يصل إلى ذروته في منتصف السبعينيات.
  • اليقظة والضمير: هي سمة تعكس التنظيم والمسؤولية، تصل إلى ذروتها تقريباً في سن الـ 65.
  • الاستدلال الأخلاقي ومقاومة الانحيازات المعرفية: تظهر تحسناً في المراحل اللاحقة من الحياة.
  • الإنجاز المهني: إن الإنجاز المهني، والنجاح في الأدوار القيادية تحديداً، يبلغ ذروته ما بين 55 و60 عاماً.
  • اتخاذ القرارات المعقدة والخطرة: يبرع فيها الأشخاص بين سن 40 و65 عاماً، ومن غير المرجح أن يكون الأفراد الأصغر سناً أو الأكبر ملائمين لأدوار صنع القرار عالية المخاطر.

اقرأ أيضاً: لماذا يمتلك بعض كبار السن ذاكرة خارقة وقدرات معرفية فريدة؟

باختصار، استنتج الباحثون من المقارنة أن الوظيفة المعرفية تبلغ ذروتها في أواخر منتصف العمر، بين سن 55 و60 عاماً، لكنها تتفاوت في المراحل العمرية المبكرة والمتقدمة من مرحلة الرشد. ويبدأ الأداء الذهني في التراجع من نحو سن 65 عاماً. ويصبح هذا التراجع أوضح بعد سن 75 عاماً، ما يشير إلى أن الانخفاض في الأداء الذهني في وقت لاحق من الحياة يمكن أن يتسارع بمجرد أن يبدأ.

ويقول الباحثون إن هذه النتائج قد تفسر سبب تولي أشخاص في الخمسينيات وأوائل الستينيات من العمر العديد من الأدوار القيادية الحساسة في مجالات الأعمال والسياسة والحياة العامة. ويرجح الباحثون أن السبب في تأجيل ذروة الأداء العام إلى أواخر منتصف العمر هو تراكم المعرفة والاستقرار العاطفي والتفكير الأخلاقي والحكمة العملية، وهي صفات أساسية لمواجهة التحديات المعقدة والخطيرة.

ختاماً، بناء على نتائج الدراسة، فإن النظر إلى مجموعة واسعة من السمات المعرفية والشخصية والعاطفية يوفر مقياساً أدق للقدرة الوظيفية الشاملة للفرد، مقارنة بمعيار الاعتماد فقط على الذكاء السائل والقدرة على التفكير وحل المشكلات الجديدة بسرعة. 

المحتوى محمي