تعتبر ظاهرة إدمان السجائر واحدة من أصعب التحديات الصحية التي تواجه العالم، حيث يرتبط التدخين بعدد كبير من الأمراض المزمنة والوفيات التي يمكن الوقاية منها. وعلى الرغم من الجهود المستمرة لتطوير استراتيجيات فعالة للإقلاع عن التدخين، يبقى النجاح في هذه المهمة قاصراً بسبب تعقيد آليات الإدمان العصبي والنفسي والفيزيولوجي. لكن بحثاً من جامعة ألاغواس الفيدرالية في البرازيل أشار إلى طريقة جديدة تعتمد على تقنيات مبتكرة تؤثر في مراكز محددة ضمن الدماغ وتسهم في الإقلاع عن التدخين. فما هي هذه الطريقة وهل ستصبح معتمدة لعلاج الإدمان؟
اقرأ أيضاً: ما هي أضرار التدخين السلبي وكيف تساعد من يهمك أمرهم على الإقلاع عن التدخين؟
كيف يمكن علاج إدمان التبغ من خلال التحفيز الكهربائي للدماغ؟
أجرى الباحثون من جامعة ألاغواس الفيدرالية دراسة عن هذه التقنية ونشروا نتائجها في دورية نيتشر بتاريخ 13 مارس/آذار 2025، حيث اختبروا قدرة التحفيز الكهربائي المتكرر عبر الجمجمة على إعادة هيكلة الشبكات العصبية المرتبطة باضطراب تعاطي التبغ، أي الإدمان.
ركزت الدراسة على منطقة من الدماغ معروفة بدورها المحوري في العمليات السلوكية، مثل ضبط النفس واتخاذ القرارات، تدعى "القشرة الجبهية الأمامية"، واستند الباحثون إلى الفرضية القائلة بأن استهداف هذه المنطقة قد يؤدي إلى تغيرات عصبية تساعد الأفراد على مقاومة الرغبة الشديدة في التدخين، وتقليل اعتمادهم على النيكوتين.
شملت الدراسة 41 شخصاً يعانون إدمان التبغ، قُسِّم فيها المشاركون المصابون بالإدمان على التدخين إلى 4 فئات متساوية تقريباً؛ الأولى تلقت التحفيز الكهربائي المباشر عبر الجمجمة (tDCS)، وهي طريقة تتطلب تثبيت أقطاب كهربائية على رؤوس المشاركين عبر أشرطة مرنة، ثم جرى توصيل تيار كهربائي بقوة 2 ميلي أمبير مدة 20 دقيقة بهذه الأقطاب بالترافق مع جلسات التمارين الهوائية (أيروبيك)، تضمنت التدريب على جهاز المشي بسرعة متوسطة مدة 40 دقيقة يومياً.
تلقت المجموعة الثانية تحفيزاً كهربائياً من دون تمارين هوائية، وثالثة مارست التمارين الهوائية دون التحفيز الكهربائي، والأخيرة تلقت تحفيزاً كهربائياً وهمياً، إذ وضعوا جهاز توليد النبضات الكهربائية على الرأس في الموقع نفسه على الجمجمة من الخارج ولكن دون تشغيل النبضات الكهربائية، واستمرت جلسات التحفيز مدة 5 أيام متتالية، مع تسجيل درجة استجابة المشاركين للنبضات الكهربائية.
كشفت نتائج الدراسة عن كفاءة ملحوظة لهذه التقنية، حيث أظهر المشاركون الذين تلقوا التحفيز الكهربائي المتكرر عبر الجمجمة مع التمارين الهوائية انخفاضاً في الاعتماد العصبي على النيكوتين وتخفيف الإدمان عليه. علماً أن النيكوتين يعمل باعتباره ناقلاً عصبياً بين الخلايا العصبية، ويسبب ارتفاع مستوياته خللاً عصبياً يدفع إلى الإدمان، وأفاد المشاركون بتراجع ملموس في رغبتهم الشديدة في التدخين، ما يعزز الفرضية التي تنص على إمكانية استخدام التحفيز الكهربائي بصفته أداة فعالة لإعادة تشكيل الشبكات العصبية المرتبطة بالإدمان، والتخلص منه دون الحاجة لأدوية كيميائية مثبطة للإدمان لها آثار جانبية متعددة.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: آثار التدخين السلبية في الجهاز المناعي تستمر سنوات بعد الإقلاع عن التدخين
هل يمكن الاعتماد على طريقة التحفيز الكهربائي لعلاج الإدمان قريباً؟
من الممكن أن تصبح هذه التقنية قابلة للتطبيق باعتبارها علاجاً جديداً لإدمان التبغ، وخاصةً في ظل الحاجة إلى استراتيجيات أكثر كفاءة من العلاجات التقليدية مثل العلاج ببدائل النيكوتين، كالسجائر الإلكترونية ولصاقات النيكوتين وأكياس النيكوتين، والأدوية. حيث تتميز تقنية التحفيز الكهربائي مع التمارين الرياضية بأنها غير جراحية ولا تتطلب إدخال أي مواد كيميائية إلى الجسم، ما يجعلها خياراً آمناً نسبياً، كما تمنحها قدرتها على استهداف مناطق محددة من الدماغ ميزة كبيرة في تخصيص العلاج لكل فرد بناءً على حالته العصبية. لكن تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع يتطلب المزيد من البحث والتطوير لتحسين فعاليتها وخفض تكلفتها.
على الرغم من النتائج الواعدة للدراسة البرازيلية، فهناك عدد من القيود التي يجب وضعها بالحسبان عند تفسير نتائج الدراسة، أبرزها ما يلي:
- كانت العينة صغيرة نسبياً، وتتراوح أعمار الأشخاص فيها بين 25-55 عاماً، ما يعني أن النتائج قد لا تكون قابلة للتعميم على الفئات العمرية جميعها أو الحالات الإدمانية المختلفة.
- استمرت مدة العلاج فقط 5 أيام، وهو وقت قصير نسبياً مقارنةً بالمدى الطويل الذي قد يستغرقه الشخص للإقلاع الكامل عن التدخين.
- لم يقيِّم الباحثون استمرارية التأثيرات العصبية والسلوكية بعد انتهاء فترة العلاج، ما يترك تساؤلات حول مدى استدامة النتائج وتأثيراتها على المدى البعيد.
- اعتمدت الدراسة بدرجة كبيرة على التقارير الذاتية والتقييم الشخصي للمشاركين فيما يتعلق بالرغبة الشديدة في التدخين واستهلاك السجائر، وهذا التقييم قد يخضع للانحياز الشخصي.
يعد الطريق نحو تطبيق هذه التقنيات على نطاق واسع مليئاً بالتحديات، ويتطلب إجراء المزيد من الدراسات طويلة الأمد على عينات أكبر وأكثر تنوعاً لتأكيد فعالية التحفيز الكهربائي وتحديد الظروف المثلى لاستخدامه.
اقرأ أيضاً: قد تساعدك الروائح اللطيفة على الإقلاع عن التدخين
يشارك دكتور العلاج الطبيعي ومختص التغذية المصري، أحمد الشامي، مجموعة من النصائح للإقلاع عن التدخين في فيديو له عبر قناته على اليوتيوب.