عندما تريد أن ترسم بذهنك صورة جسم صحي، فإنك تستحضر صورة شخص نحيف رشيق الحركات يستطيع الركض والقفز وارتداء الملابس من القياس ميديوم (M)، في دليل المقاسات، الذي يرتديه من لا يتجاوز وزنهم الـ 54 كيلوغراماً وتتراوح أطوالهم بين 160- 164 سنتيمتراً. لكن دراسة نُشرت مؤخراً أظهرت أن هذه الصورة النمطية ليست بالضرورة الصورة الوحيدة للجسم الصحي، إذ يمكن أن يكون وزنك زائداً وتتمتع بصحة بدنية جيدة في حالات محددة، إليك أبرز هذه الحالات وشروط تمتعك بالصحة الجيدة المرافقة للبدانة.
اقرأ أيضاً: 6 أسباب غير شائعة للسمنة
هل يمكنك أن تكون بديناً وأن تعيش حياة صحية بالوقت ذاته؟
انتشر مسلسل تلفزيوني في نهاية التسعينيات اسمه "مارشال لو" يتحدث عن محقق اسمه "سامو" يستخدم الفنون القتالية الصينية في ملاحقة المجرمين، وكان هذا المحقق من أصحاب الوزن الزائد، لكنه رشيق ويؤدي مختلف الحركات القتالية على نحو يتفوق به على العديد من الأشخاص أصحاب الوزن المعتدل أو الذين لا يعانون البدانة. كما علينا أن نتذكر أيضاً لاعبي رياضة السومو اليابانية الذين يمتلكون وزناً زائداً ولكنهم رشيقون. ومن هنا يبرز السؤال: هل يعد الوزن الزائد عائقاً أمام عيش حياة نشطة وصحية؟
أجابت دراسة من جامعة فيرجينيا، نشرت في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عن هذا السؤال وقالت إن اللياقة البدنية أهم من الوزن من حيث توفير الصحة وتقليل المخاطر المرتبطة بالسمنة. حلل الباحثون في الدراسة بيانات نحو 400 ألف شخص في منتصف العمر فما فوق من عدة بلدان، واكتشفوا أن الذين يمتلكون لياقة بدنية عالية، كانوا أقل عرضة للوفاة المبكرة، حتى لو كانوا مصنفين من أصحاب الوزن الزائد، مقارنةً بالذين كانت أوزانهم طبيعية لكن مستويات اللياقة البدنية لديهم ضعيفة.
اقرأ أيضاً: ربما يجب على الأطباء تغيير طريقتهم في معالجة مرضى السمنة
ما هي الطرق التي تسهم في تعزيز الصحة حتى مع وجود السمنة؟
تزيد السمنة احتمالات الإصابة بأمراض خطيرة مثل مرض السكري وأمراض القلب، لكن ممارسة النشاط البدني والحفاظ على اللياقة البدنية يمكن أن يقاوما هذه المخاطر، ووجدت دراسة من جامعة ماساتشوستس نُشرت عام 2021 أن مشي 7000 خطوة يومياً أو أكثر يخفض خطر الوفاة المبكرة بنسبة وصلت إلى 70% مقارنةً مع الأشخاص الذين يمشون أقل من 7000 خطوة يومياً.
وتوصل الباحثون في دراسة جامعة فيرجينيا إلى أنه وفقاً للإحصائيات فإن الأشخاص الذين يعانون السمنة والذين يمتلكون لياقة بدنية جيدة كانوا أقل عرضة للوفاة المبكرة بنحو 50% مقارنة بأولئك الذين يتمتعون بوزن طبيعي ولكن لياقتهم البدنية ضعيفة، وأن الأفراد غير اللائقين بدنياً، بغض النظر عن مؤشر كتلة الجسم لديهم، يواجهون خطر الوفاة المبكرة بنسبة 2-3 أضعاف مقارنة بالأفراد اللائقين بدنياً حتى لو كانوا من أصحاب الوزن الزائد.
تعد السمنة نتيجةً لنمط الحياة الخامل وعدم التوازن بتناول السعرات الحرارية مقابل حرقها، وقد يكون سببها وراثياً، فهناك أشخاص يمتلكون مورثات تساعدهم على الاستقلاب بدرجة أكبر من غيرهم، لكن عند ممارسة النشاط البدني وتجنب الخمول والجلوس ساعات طويلة، يمكن أن ينخفض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. يمكن للمشي مدة 5 دقائق مقابل كل نصف ساعة من الجلوس خلف المكتب بسبب طبيعة العمل أو على مقاعد الدراسة لدى الطلاب أو على الأريكة في المنزل، أن يساعد على تخفيف خطر الإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم والأمراض القلبية.
عموماً، تسهم ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة، مثل ركوب الدراجات والمشي السريع، في تحسين اللياقة البدنية العامة، ويمكن معرفة مستوى اللياقة البدنية من خلال اختبار الإجهاد في عيادة الطبيب، وهو اختبار يطلب منك الطبيب فيه بذل جهد معين مثل الركض على آلة الجري أو غيرها من الأنشطة المجهدة، ويقيس معدل ضربات القلب، ومعدل التنفس لتحديد اللياقة البدنية لديك وقدرتك على تحمل الإجهاد.
اقرأ أيضاً: 2.2 مليار شخص يعانون السمنة والمرض، ولكننا ما زلنا نستخدم معيار قياس خاطئاً
هل اللياقة البدنية في حالة البدانة تلغي تأثيرات السمنة السلبية؟
لا، وفقاً لدراسة من جامعة فيرجينيا تعد اللياقة البدنية العامل الأهم في تحديد طول العمر مقارنة بالوزن، وتخفيف خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالسمنة دون أن تلغيها، ويمكن للناس أن يصبحوا أكثر صحة حتى في حالة السمنة إن مارسوا نشاطات حركية واكتسبوا اللياقة البدنية. لكن تأثير اللياقة ليس دائماً ويمكن أن ينخفض مع التقدم بالعمر ويخضع لمدى التزام الشخص واستجابة الجسم للنشاط البدني التي تختلف من شخص لآخر.
لذا، يمكن القول إنه من الجيد صحياً أن تمتلك لياقة بدنية حتى إن كنت تعاني السمنة، فهذا أفضل من حالة السمنة من دون وجود لياقة. لكن الأفضل هو الالتزام بحمية وتخفيض الوزن ليصبح مناسباً لطبيعة جسمك بحيث لا يشكل وزنك عائقاً صحياً يجعلك غير قادر على المشاركة بالأنشطة اليومية المختلفة، وهذا يكون نتيجة طبيعية عند الالتزام بالنشاط البدني واتباع حمية تدريجية تسمح لك بخسارة الوزن الزائد دون الشعور بالحرمان.
اقرأ أيضاً: ما هو مؤشر استدارة الجسم؟ ولماذا هو أفضل من مؤشر كتلة الجسم؟
يشارك استشاري جراحة السمنة والمناظير، والبروفيسور المباشر سابقاً بمستشفيات باريس، والذي يعمل في مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، الدكتور أحمد قيراط، عبر قناته على اليوتيوب فيديو يذكر فيه مخاطر السمنة على الصحة.