ما هي الوظائف التي تقلل خطر الإصابة بآلزهايمر؟

مهنتك قد تكون عامل وقاية من أحد أكثر الأمراض العصبية شيوعاً في العالم. هذا ما كشفته دراسة من جامعة هارفارد منشورة في دورية بي إم جي في تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث كشفت أن سائقي سيارات الأجرة والإسعاف يمتلكون نوعاً من الحماية ضد الوفاة بسبب مرض آلزهايمر، ما يفتح آفاقاً جديدة لفهم العلاقة بين النشاط الذهني والوقاية من الخرف. فما هي تفاصيل الدراسة وما السبب في وجود هذه الوقاية؟

هل يمتلك سائقو سيارات الأجرة وسيارات الإسعاف حصانة من آلزهايمر؟

كشفت الدراسة الطبية من جامعة هارفارد أن سائقي سيارات الأجرة والإسعاف يمتلكون معدلات أقل بدرجة ملحوظة مقارنة بباقي المهن فيما يتعلق بالوفاة الناتجة عن مرض آلزهايمر، وشملت الدراسة تحليل بيانات نحو 9 ملايين حالة وفاة في الولايات المتحدة الأميركية بين عامي 2020 و2022، حيث قام الباحثون بربط المهنة بالسبب الرئيسي للوفاة.

أظهرت النتائج أن نسبة الوفيات المرتبطة بآلزهايمر بين سائقي سيارات الأجرة بلغت 1.03%، بينما كانت 0.91% لدى سائقي سيارات الإسعاف، وهي نسبة أقل من المتوسط الوطني الأميركي البالغ 1.69%، وتحمل هذه الفجوة الصغيرة دلالات كبيرة على العلاقة المحتملة بين نوع العمل والصحة العصبية، فهذه النسبة حتى لو بدت صغيرة، لكن لها أهمية طبية كبيرة وتظهر انحيازاً واضحاً لتقليل خطر الإصابة بآلزهايمر لدى من يمتهنون قيادة المركبات من هذا النوع.

لماذا يعد سائقو سيارات الأجرة والإسعاف أقل عرضة للوفاة بآلزهايمر؟

يرجح الباحثون في الدراسة أن سبب انخفاض خطر الإصابة بآلزهايمر والوفيات الناجمة عنها لدى هذين النوعين من السائقين يعود إلى التحديات اليومية التي يتعرض لها دماغهم في أثناء العمل، حيث تتطلب مهنة قيادة سيارة أجرة أو إسعاف قدرة عالية على التفاعل مع البيئة المحيطة في الوقت الفعلي، مثل تخطيط المسارات وتحديد الاتجاهات ومواجهة التغيرات المفاجئة في الحركة المرورية على نحو مستمر. قد تسهم هذه العمليات الذهنية الصعبة والمتكررة في تعزيز منطقة مهمة في الدماغ تسمى "الحصين"، وهي منطقة تؤدي دوراً محورياً في حفظ الذاكرة وتحديداً الذاكرة المكانية التي تحدد المكان الذي أنت به أو كنت موجوداً فيه، وتعد واحدة من أولى المناطق التي تتأثر سلباً بمرض آلزهايمر، فيضيع المريض وينسى أين كان أو إلى أين هو ذاهب أو ماذا يفعل في المكان الموجود به.

تشير الدراسات السابقة، التي استندت إليها الدراسة الحالية باعتبارها مراجع، إلى أن سائقي سيارات الأجرة في لندن يمتلكون تغيرات هيكلية في منطقة الحصين نتيجة مرور سنوات من التدريب المستمر على التنقل داخل شبكة شوارع معقدة وتحديد الطريق الأمثل لتفادي الازدحام وتفادي الاصطدام، وقد يكون لهذا التوسع في الحجم والوظيفة العصبية لمنطقة الحصين تأثير وقائي ضد التنكس الذي يصيب هذا الجزء من الدماغ في حالات آلزهايمر. بناءً عليه، يفترض الباحثون أن الأعمال التي تتطلب استخداماً مستمراً وفعالاً للقدرات المكانية والبيئية قد تؤدي إلى بناء ما يعرف بحالة "المرونة الإدراكية"، أي القدرة على تحمل الضغوط العصبية والحد من احتمالية ظهور أعراض الخرف وآلزهايمر.

هل كل من يعمل بقيادة المركبات على الدرجة نفسها من تقليل خطر الإصابة بآلزهايمر؟

تبين في الدراسة من هارفارد أن هذه الحماية من آلزهايمر لم تكن موجودة بالشكل نفسه لدى سائقي الحافلات أو الطيارين أو قباطنة السفن، على الرغم من أنهم جميعاً يعملون في مجال النقل، فالفرق يكمن في طبيعة المهام التي يقوم بها كل منهم؛ فسائقو الحافلات عادةً ما يلتزمون بمسارات ثابتة، والطيارون والبحارة يستخدمون أنظمة توجيه محددة مسبقاً، ما يقلل الحاجة إلى المعالجة المكانية الفورية. هذا يشير إلى أن قيادة المركبات وحدها ليست كافية لتحقيق الأثر الوقائي من آلزهايمر، بل التفاعل الذهني المستمر مع البيئة المحيطة يحمل الفائدة الوقائية.

هل الارتباط بين تقليل خطر الإصابة بآلزهايمر عند سائقي سيارات الأجرة والإسعاف مثبت؟

على الرغم من النتائج المثيرة للاهتمام في الدراسة الأميركية، حذر الباحثون من استخلاص استنتاجات قاطعة من الدراسة، لأنها دراسة تعتمد على الملاحظة فقط ولا تثبت علاقة سببية مباشرة بين المهنة وانخفاض خطر الإصابة بآلزهايمر، وهناك عدة عوامل قد تفسر النتائج بطريقة أخرى، مثل الاختيار الذاتي للمهن من قبل أشخاص لديهم مهارات مكانية أعلى، أو وجود عوامل بيئية أخرى مرتبطة بهذه المهن، مثل نمط الحياة أو العادات اليومية. علاوة على أن استخدام أنظمة تحديد المواقع العالمية الحديثة قد يقلل التحديات الذهنية التي كانت سابقاً جزءاً من عمل هؤلاء السائقين.

ما هي الدراسات المقترحة لتحديد نوع المهن المرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بآلزهايمر؟

تعد نتائج الدراسة خطوة واعدة نحو فهم أفضل لكيفية حماية الدماغ من الأمراض التنكسية، وإذا تأكدت نتائجها عبر مزيد من الدراسات ذات الدلالات الإحصائية والمنهجيات البحثية الصارمة، فقد تفتح الطريق أمام استراتيجيات وقائية جديدة تعتمد على التحفيز الذهني المنتظم، وذلك من خلال الأنشطة اليومية أو الألعاب الإدراكية أو حتى التدريب على المهارات المكانية؛ مثل تصميم لعبة واقع افتراضي لقيادة سيارة أجرة في مدينة مزدحمة، لتعزيز القدرات الذهنية وتقليل خطر الإصابة بآلزهايمر والخرف المرتبط به لدى كل فئات المجتمع وليس فقط لدى من يمتهن القيادة.

يشارك استشاري أمراض المخ والأعصاب والعضلات في مستشفى دلة بالسعودية، الدكتور إسماعيل البابللي، في مقطع فيديو عبر قناته على اليوتيوب مجموعة من الطرق البسيطة لتقليل خطر الإصابة بآلزهايمر من خلال تجنب محفزاته السلبية والأدوية المستخدمة لعلاجه، وكيفية تحضير بيئة المنزل لمن أصيب بهذا المرض.