هل يحدد موقع اللقاح سرعة اكتساب المناعة؟ دراسة تكشف ذكاء الجهاز المناعي

3 دقيقة
ضمادة تظهر على ذراع طفلة بعد تلقيها لقاح فايزر-بيونتيك ضد كوفيد-19 في 3 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021 في مدينة شورلاين بولاية واشنطن.

عندما يتعلق الأمر بالحصول على أقصى استفادة من اللقاح، فإن تناسق الذراع يمكن أن يحدث فرقاً. تشير بعض الدراسات إلى أن الحصول على جرعة معززة في الذراع نفسها التي تلقت حقنة اللقاح الأولية، يمكن أن يعزز استجابة الجهاز المناعي. والآن، لدينا أدلة على أن استخدام الذراع نفسها للجرعات الأولية والمعززة قد يكون أفضل لتنشيط استجابة الجهاز المناعي للقاح.

استجابة أفضل للقاح إذا أُخذ في اليد نفسها

في دراسة صغيرة نُشرت في 28 أبريل/نيسان الماضي في مجلة "سيل" (Cell) العلمية، وجد باحثون من أستراليا أن الخلايا المناعية المتخصصة التي تسمى "الخلايا البلعمية الكبيرة" (macrophages) تستعد عند إعطاء اللقاح للقتال داخل العقد اللمفاوية. ثم تعمل هذه الخلايا على توجيه خلايا الذاكرة البائية (memory B cells) لتستجيب بفعالية أكبر للقاح المعزز عندما يُعطى في الذراع نفسها.

ووفقاً للفريق البحثي، فقد توصل الباحثون إلى هذه النتائج من خلال التطبيق على الفئران، وتحققوا من صحتها عند المشاركين من البشر، وهي تقدم أدلة كافية لتحسين طريقة تعاملنا مع اللقاحات.

قال المؤلف المشارك في الدراسة والعالم السريري في معهد غارفان للأبحاث الطبية (Garvan Institute of Medical Research) ومعهد كيربي (Kirby Institute) في جامعة نيو ساوث ويلز بمدينة سيدني، أنتوني كيليهر، في بيان: "من الجوانب الفريدة والأنيقة في هذه الدراسة قدرة الفريق على فهم التوليد السريع للاستجابات الفعالة للقاح. لقد فعلنا ذلك من خلال تشريح التركيبة البيولوجية المعقدة في الفئران ثم أظهرنا نتائج مماثلة لدى البشر. وقد حدث هذا كله في الموضع الذي تولدت فيه الاستجابة للقاح، العقدة اللمفاوية".

اقرأ أيضاً: لماذا قد نصاب بالمرض حتى بعد أخذ اللقاح؟ 

مسألة الموقع

خلال عملية التطعيم، تدخل نسخة غير ضارة من مسببات الأمراض تسمى مستضد اللقاح إلى الجسم، ثم يَرشَح المستضد عبر العقد اللمفاوية. تعمل هذه العقد عمل معسكرات تدريب للجهاز المناعي، إذ تُدرب الجسم على مقاومة العامل الممرض الحقيقي عند مواجهته.

في السابق، درس فريق الدراسة خلايا الذاكرة البائية. تُعد هذه الخلايا أساسية لتوليد استجابات الأجسام المضادة عند عودة العدوى. ووجدوا أن خلايا الذاكرة البائية تميل إلى البقاء في العقدة اللمفاوية الأقرب إلى موقع الحقن. وهي تهاجر إلى الطبقة الخارجية للعقدة اللمفاوية المحلية وتتفاعل بصورة وثيقة مع الخلايا الضامة -تلك الخلايا المناعية المتخصصة المهيأة للمعركة في العقد اللمفاوية- الموجودة هناك. عند إعطاء جرعة معززة في الموقع نفسه، التقطت تلك الخلايا البلعمية المستعدة مسبقاً المستضد ونشّطت خلايا الذاكرة البائية بكفاءة أكبر. وهذا بدوره أدى إلى إنتاج أجسام مضادة عالية الجودة.

وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة ومختصة المناعة، راما دهني، في بيان: "من المعروف أن الخلايا الضامة تلتهم مسببات الأمراض وتزيل الخلايا الميتة، لكن بحثنا يشير إلى أن الخلايا الموجودة في العقد اللمفاوية الأقرب إلى موقع الحقن تؤدي أيضاً دوراً محورياً في تنظيم استجابة فعالة للقاح في المرة التالية، لذا فإن الموقع مهم بالفعل".

تنشيط الأجسام المضادة

في هذه الدراسة الجديدة، أجرى الفريق دراسة سريرية على 30 متطوعاً تلقوا لقاح بيونتك-فايزر (Pfizer-BioNTech) القائم على الحمض النووي الريبوزي المرسال (المعروف باسم لقاح فايزر) المضاد لكوفيد-19. تلقى عشرة من المشاركين الجرعة المعززة في الذراع التي تلقوا فيها الجرعة الأولى من اللقاح، وتلقى العشرة الآخرون الجرعة الثانية في الذراع المقابلة.

ووفقاً للنتائج، بدأت المجموعة التي تلقت الجرعتين في الذراع نفسها بإنتاج أجسام مضادة معادلة ضد الفيروس خلال الأسبوع الأول بعد الجرعة الثانية. كما أظهرت النتائج أنها كانت أكثر فعالية ضد متحوري كوفيد-19 القويين دلتا (Delta) وأوميكرون (Omicron). بعد 4 أسابيع، كان لدى كلا المجموعتين مستويات متشابهة من الأجسام المضادة. ومع ذلك، قد تكون هذه الحماية المبكرة مهمة في أثناء تفشي المرض.

قالت المؤلفة المشاركة في الدراسة ومختصة المناعة، مي لينغ مونييه، في بيان: "إذا كنت قد تلقيت لقاح كوفيد في ذراعين مختلفتين، فلا تقلق، يُظهر بحثنا أنه بمرور الوقت يتضاءل الفارق في الحماية. لكن خلال الجائحة، يمكن أن تُحدث الأسابيع الأولى من الحماية فرقاً هائلاً على مستوى السكان. يمكن أن تساعد استراتيجية الأذرع المتماثلة على تحقيق مناعة القطيع بوتيرة أسرع، وهو أمر مهم على وجه الخصوص للفيروسات السريعة التحور حيث تكون سرعة الاستجابة عاملاً مهماً".

اقرأ أيضاً: تطوير لقاح جديد يمكن أن يخفض الكوليسترول السيئ

نظام الطبيعة الرائع

من الجدير بالملاحظة أن هذه الدراسة شملت حجم عينة صغيراً، وقد وجدت دراسات أخرى فوائد في تبديل الأذرع. في الأبحاث المستقبلية، يأمل الفريق في الاعتماد على هذا العمل لتحسين إرشادات التطعيم وتعزيز فعالية اللقاحات.

قال المؤلف المشارك في الدراسة والمختص في المناعة السريرية، تري فان، في بيان: "إذا تمكنا من فهم كيفية تكرار التفاعلات أو تعزيزها بين خلايا الذاكرة البائية وهذه الخلايا البلعمية الكبيرة، فقد نتمكن من تصميم لقاحات الجيل التالي التي تتطلب عدداً أقل من المعززات. يمثل هذا اكتشافاً جوهرياً في أساليب التنظيم الذاتي التي يتبعها الجهاز المناعي للاستجابة بصورة أفضل للتهديدات الخارجية. هذا النظام الرائع موجود في الطبيعة، ونحن بدأنا نفهمه للتوّ".

المحتوى محمي