كيف نجد الفرح في الأوقات الصعبة؟

الفرح في الأوقات الصعبة
الصورة: Pxhere
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يستحق عام 2020 أن يكون بمثابة عامٍ يجب تذكره. في الواقع، لقد كان هذا العام بالنسبة للكثيرين كابوساً حقيقياً، فقد شهدنا خلاله قدوم الوباء والاضطرابات السياسية والاجتماعية، وسبب لنا القلق وألم الفقد والغضب، وأثار الخلاف فيما بيننا، لكن الناس يحتاجون إلى بعض الفرح في الأوقات الصعبة وسط هذه المعاناة التي لا تنتهي.

بصفتي باحثة درست دور الفرح في الحياة اليومية، فإني أؤمن بأن الفرح هو خير رفيق أثناء الشدائد.

اقرأ أيضاً: عصر القلق الجديد: كيف أثرت جائحة كورونا علينا؟

تعليم الفرح في الأوقات الصعبة

هذا أكثر من عمل أكاديمي بالنسبة لي. في أواخر عام 2016، وبعد أقل من عامٍ على تعييني في فريق لإجراء بحثٍ عن السعادة في جامعة ييل، توفي 3 من أفراد عائلتي بشكلٍ غير متوقع في غضون 4 أسابيع؛ زوج ابنة عمي داستن في سن الثلاثين منتحراً، وابن اختي مايسون في الثانية والعشرين من عمره بسكتةٍ قلبية مفاجئة، وأبي ديفيد الذي كان في السبعين بعد سنواتٍ من تعاطيه المخدرات.

كنت ألقي كلمات التأبين في الجنازات في الوقت الذي أتابع فيه بحثي عن السعادة. لقد شعرت، في بعض الأحيان، بأنه حتى مجرد القراءة عن الفرح كانت تبدو سخيفة لدرجة تخيلت أنني لن أشعر بالفرح مجدداً في حياتي.

ربما مر اختبر العديد هذه المشاعر ومروا بتجارب مشابهة في عام 2020.

أريد أن أكون واضحةً في البداية، الفرح «Joy» ليس مثل السعادة «Happiness». تميل السعادة إلى أن تكون ذلك الشعور بحالةٍ من الرخاء والرضا الذي نحصل عليه من الشعور بأن الحياة تسير على خير ما يرام. أما الفرح بالمقابل، فله قدرةٌ غامضة على جعلنا نشعر به بجانب الحزن والأسى وحتى -خصوصاً في بعض الأحيان- في خضّم المعاناة والشدائد. ذلك لأن الفرح شعور نشعر به من أعماقنا عندما ندرك أن الآخرين بجانبنا -وهي قيمةٌ أصيلة وجميلة وذات معنى- حتّى في أصعب حالاتنا وتألمنا. وفي حين أن السعادة عموماً تنجم عن أثر تقييمنا لظروفنا ومدى رضانا عن حياتنا، أما الفرح فلا يعتمد الظروف الجيدة.

إضاءة روحية

بعد يومين من وفاة زوج ابنة عمي، كنت أنا ومجموعة صغيرة من أفراد الأسرة نتسوق لشراء أغراض الجنازة عندما قررت المجموعة الذهاب إلى المكان الذي مات فيه داستن منتحراً. كان الليل يقترب شيئاً فشياً والشمس قد غربت تقريباً، فأخذنا نتأمل جمال المنظر الطبيعي في ذلك الوقت، وفجأة رأينا نجماً ساطعاً فوق الأشجار. وقفنا بجانب بعضنا البعض ننظر إلى السماء، فسأل أحدنا، هل ترون أية نجومٍ أخرى؟ لم يكن هناك سوى هذا النجم الساطع جداً.

عندما تأملنا ذلك النجم، شعرنا أن روح داستن تحوم هناك وهي من دعتنا لرؤية هذا النجم الفريد في السماء لنعلم أنه بخير. لم تكن تلك هي الراحة التي أردناها لداستن، ولكن، ولبضع دقائق، تخيلنا ذلك النجم وكأنه يواسينا ويخفف من حزننا نتيجة المأساة التي حدثت في هذا المكان بالذات قبل يومين تماماً. لقد امتلأت قلوبنا بنوعٍ من السلام الداخلي الذي منحنا السكينة، وتماهينا جميعاً في تلك اللحظة.

يقول الباحث «آدم بوتكاي» في كتابه الصادر عام 2007 بعنوان «قصة الفرح»: «الفرح نور في أنفسنا». أي يمنحنا القدرة على رؤية ما هو أبعد من الأشياء التي حولنا.

وبالمثل، يصف «نيل نودينجز»، الأستاذ في جامعة ستانفورد ومؤلف كتاب «Caring» عام 2013، يصف الفرح بأنه «شعور يلازم إدراكنا لارتباطاتنا». ما قصده نودينجز بالارتباط هو الشعور الفريد الذي نحصل عليه من اهتمامنا ومحبتنا للآخرين.

الفرح أيضاً شعور ينشاً من إحساسنا بالقرب من الآخرين أو من الإحساس بالانسجام بين ما نفعله وبين قيمنا، أو من إدراك أهمية عملٍ أو مكانٍ، أو حتى أي كائنٍ جامدٍ بالنسبة لنا.

عندما أقوم بشرح معنى الفرح، أورد مثالاً من عائلتي. عندما تنظر أختي إلى أي غرضٍ من أغراض مايسون، فإنها تتذكر ابنها على الفور. هي ليست مجرّد أشياء تراها، بل هي بمثابة علاقةٍ مفعمة بالجمال والخير والمغزى بالنسبة لها، وهي تمنحها شعوراً عارماً بالفرح لدى رؤيتها.

الفرح شيء لا يمكننا أن نخطط للحصول عليه؛ لكن هناك طرقاً يمكننا من خلالها تحضير أنفسنا للشعور بالفرح، فهناك بوابات أو مفاتيح للفرح تساعدنا أن نشعر به وبأصالته أكثر. كالإمتنان للأشياء الخيرة في هذا العالم والتي تجعل من الفرح ممكناً. والتأمل في الطبيعة أو الفن، والذي يلهمنا الفرح حقاً لأنه يساعد الناس على الشعور بالارتباط بشيءٍ يتجاوز أنفسهم، سواء بالعالم الطبيعي أو بمشاعر الآخرين أو بتجاربهم. وبما أن الأمل هو «توقّع الفرح» كما يصفه عالم اللاهوت «يورجن مولتمان»، فلا بأس بكتابة آمالنا، لأنه تساعدنا على توقّع الفرح.

ثلاثة أنواع من الفرح

حددت في كتابي «جاذبية الفرح» عدة أنواعٍ من الفرح التي يمكن التعبير عنها حتّى في الأوقات العصيبة كالتي نمر بها اليوم.

1. الفرح بأثر رجعي، وينطوي على استذكار تجاربنا وذكرياتنا السابقة والتي كنا نشعر خلالها بفرحٍ لا يوصف. على سبيل المثال؛ يمكننا أن نتخيل في أذهاننا مناسبة ساعدنا فيها شخصاً آخر، أو حادثة تلقينا فيها مساعدة من شخصٍ آخر بشكلٍ غير متوقع، أو اللحظات التي غمرتنا فيها مشاعر الحب؛ كاللحظة التي رأينا فيها طفلنا أول مرة. يمكننا أن نغلق أعيننا ونعود بذاكرتنا ونتذكّر حتى أدّق التفاصيل التي عشناها مع شخصٍ آخر نحبه. سنشعر بالفرحة مجدداً في كثير من الأحيان، وقد تغمرنا مشاعر الفرح بشكلٍ أقوى عند استذكار تلك الأوقات.

2. الفرح التعويضي، وهو الشعور الذي ينتابنا بعد القيام بإصلاح أخطاء ارتكبناها اعتقدنا يوماً ما أنها لن تصلح. يمكنك العثور على هذا الشعور من خلال اعتذارك لشخصٍ أسأت إليه فيما مضى مثلاً، أو بالتزامنا مجدداً بأن نكون صالحين، ونبتعد عن الانحراف والالتزام بالزواج، أو بهدف حياتنا الذي نشعر بوجوب تحقيقه.

3. الفرح المستقبلي، الذي يأتي من السرور الذي يدخل إلى قلبنا نتيجة شعورنا بأننا سنجد المعنى والجمال والخير، والتي نشعر بأنها موجودة ومرتبطة بحياتنا رغم كلّ الصعاب. يمكننا العثور على هذا النوع من الفرح، على سبيل المثال، من خلال خدمة الفقراء أو الإنشاد في فرقةٍ دينية، أو الخروج في مظاهرة تطالب بالتغيير.

في خضّم عامٍ نشعر فيه بصعوبة الخروج من المعاناة، هناك بصيص أملٍ في أن نجد الفرح في الأوقات الصعبة أيضاً. لا يوجد خيال مسجون أو حزن كبير، أو صمتٌ يصم الآذان لا يستطيع الفرح أن يشقّ طريقه من خلاله.

يمكنك أن تجد الفرح دائماً.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً