قد يكون بالإمكان إعادة تشكيل الميكروبيوم عند الأطفال الرضع

قبل أن نتمكن من التأثير على الميكروبيوم، نحن بحاجة إلى معرفة ما هو الميكروبيوم الصحي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يملك الميكروبيوم -أو المجموع البكتيري والميكروبات الأخرى التي تقطن أجسادنا وعلى بشرتنا -إمكانات هائلة. وعلى مدى العقد الماضي، وجدنا أن الميكروبات تؤثر على كل شيء، من حب الشباب إلى حساسية الطعام، والسمنة، وأمراض الجهاز الهضمي. ولكن حتى الآن، لم يكن هناك الكثير من الأبحاث حول دور عترات البكتيريا، ومدى التأثير الذي قد تملكه هذه الميكروبات علينا. هل هي العامل الحاسم في تطور بعض الأمراض، أم أنها مجرد لاعب صغير؟ ولكن حتى لو استطعنا تحديد كل هذه الأمور، فإن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى وسيلة للحفاظ على حياة البكتيريا داخل الأمعاء.

وإذا استطعنا تحديد هذه العناصر القليلة سالفة الذكر، فسنكون قادرين على استخدام بعض البكتيريا بطريقة علاجية. ولكننا لسنا قادرين على ذلك تماماً حتى الآن. فمعظم المعززات الحيوية المتوفرة في الصيدليات ومحلات البقالة ليست ذات فائدة كبيرة. وباستثناء أنواع محددة قليلة منها، فإن هذه المكملات لم تخضع لنفس التجارب السريرية التي يجب أن تخضع لها الأدوية الموصوفة من أجل إثبات فعاليتها.

ولكن في دراسة نشرت في ديسمبر 2017 في مجلة “إم سفير”، أظهر العلماء أنهم عندما قدموا للأطفال الذين يحظون بالرضاعة الطبيعية عترة خاصة من البكتيريا (الموجودة عادة في أمعاء الطفل) لمدة حوالي شهر، فإن هؤلاء الأطفال حديثي الولادة كانوا قادرين على الحفاظ على عترة البكتيريا حية لعدة أشهر بعد ذلك.

يملك ميكروبيوم الأطفال الرضع أهمية كبيرة. فالتنوع البكتيري يكون في أضعف حالاته خلال هذه المرحلة. وتحدد المستعمرات الميكروبية التي تتثبت في الأمعاء خلال الأشهر القليلة الأولى من العمر النمط الذي سنسير عليه بقية حياتنا. ويبدو أن بعض العوامل، مثل الولادة القيصرية مقابل الولادة الطبيعية، واستخدام المضادات الحيوية، والتغذية على بدائل حليب الأم مقابل الرضاعة الطبيعية، تفسد هذا النظام، مما قد يعرض الأفراد لخطر أكبر للإصابة ببعض الأمراض في مرحلة لاحقة من العمر.

لكن الباحثين يرون أنهم إذا تمكنوا من التدخل في وقت مبكر وإصلاح الميكروبيوم النامي، فإن ذلك يمكن أن يساعد في منع بعض الأمراض. ويمثل هذا الأمر التحدي الكبير الأخير: ما هو بالضبط الميكروبيوم “الطبيعي”؟

تعتمد ميكروبات الأمعاء على النظام الغذائي، والذي يعتمد بدوره على عدة عوامل (الثقافة، والموقع، والتفضيلات الشخصية، على سبيل المثال لا الحصر). حتى الأنظمة الغذائية الغنية بالفواكه والخضروات ستخلق ميكروبيومات تعكس نمط المنتجات والخضروات التي يتم تناولها. وربما لا يكون هناك ما يمكن وصفه بأنه ميكروبيوم “طبيعي”. وحتى لو حدد العلماء كيفية تعديل ميكروبيوم الأمعاء لاستبدال النبيت الجرثومي بمكون صحي أكثر، فمن غير المحتمل أن يتم تقديم ذلك كعلاج وحيد يناسب جميع الحالات. فقد تحتاج أمعاء معينة إلى نوعية خاصة من الجراثيم.

ولكن وفقاً لمؤلف الدراسة مارك أندروود، وهو طبيب الأطفال حديثي الولادة في جامعة كاليفورنيا، مركز ديفيس الطبي، فإن العديد من العلماء يتفقون على أن أعداداً كبيرة من المتقلبات (وهي مجموعة بكتيرية كبيرة تشمل كلاً من الأنواع المفيدة، والعترات التي يمكن أن تسبب الأمراض، مثل الإيشريشيا القولونية والسالمونيلا ) تعرّض الأطفال الرضع لخطر الحساسية وأنواع أخرى من أمراض المناعة الذاتية، بالإضافة إلى السمنة والسكري. ولكن أعداداً كبيرة ومتنوعة من البكتيريا المتعايشة الموجودة في أمعاء معظم البالغين، يمكن أن تؤدي إلى نمو أفضل، واستجابة أفضل للقاحات.

قام الباحثون بإعطاء الأطفال الرضع سلالة من عترة بكتيرية نموذجية، هي بكتيريا الشقاء الطويلة، لمدة ثلاثة أسابيع. وقد اختبروا بانتظام برازهم لمدة ستة أشهر لمعرفة ما إذا كانت البكتيريا قادرة فعلياً على التمسك بالقناة الهضمية. وقد بقيت البكتيريا تزدهر حتى بعد ستة أشهر من العلاج.

وهذا ما لا يحدث عادة في أمعاء البالغين كما يقول أندروود. وفي الواقع، فقد كان يفكر في إحدى الدراسات التي صدرت عام 2016، والتي أظهرت أن بعض البالغين يحافظون على البكتيريا الدخيلة في أمعائهم بعد إيقاف مكملات المعززات الحيوية التي حصلوا عليها. ولكن الأطفال -بحسب أندروود- لديهم ميكروبيوم أمعاء ونظام غذائي أكثر بساطة بكثير، ما يجعل التأثير على هذا الميكروبيوم أكثر سهولة. يقول أندروود: “نحن نفترض أن هذا سيكون له تأثير طويل الأمد على الجهاز المناعي، قد يستمر لعقود من الزمن”.

قد يكون هذا مفيداً للأطفال المعرضين لخطر وجود ميكروبيوم غير صحي. وقد قام الباحث خلال الدراسة، بالنظر في مجموعتين فرعيتين مختلفتين: الأولى لأطفال ولدوا ولادة طبيعية، والآخر لأطفال ولدوا بالعملية القيصرية، والتي يمكن أن تعطل ميكروبيوم الطفل الرضيع. ووفقاً لأندروود، فقد كانت المستعمرات الميكروبية للمجموعتين مختلفتين في البداية. ومع ذلك، وبعد أن أعطي الجميع نفس العترة البكتيرية، فإن المجموعة المولودة بالعملية القيصرية طورت ميكروبيوماً أقرب إلى ذلك الموجود عند من ولد ولادة طبيعية. يقول أندروود: “لقد تمكن المعزز الحيوي من القضاء على الاختلافات التي تعود للولادة بالعملية القيصرية”.

وفي حين أن هذا كله أمر مثير تماماً، فإن أندروود يرى أن هناك سؤالاً كبيراً لا يزال قائماً، وهو: ما هو حجم تأثير التغييرات في بكتيريا أمعاء الطفل الرضيع على احتمال تطور المرض؟ وهو يفترض أن التعديل الذي أدخل على الميكروبيوم يمكن أن يكون له تأثير طويل الأمد على الجهاز المناعي، ربما يستمر لعقود من الزمن. ولمعرفة حقيقة الأمر على وجه الدقة، سيكون على أندروود أن يتتبع هؤلاء الأطفال (وكذلك الأشخاص الذين لم يحصلوا على العلاج بالمعزز الحيوي) طوال حياتهم، ومراقبة ما هي الأمراض التي أصيبوا بها، إن وجدت.

وسيحتاج العلماء أيضاً إلى القيام بالمزيد من دراسات المقارنة طويلة الأمد للوصول إلى فهم حقيقي لما يجعل الميكروبيوم صحياً أو غير صحي، ومدى تأثير الولادة القيصرية أو التغذية على بدائل حليب الأم على النبيت الجرثومي المعوي. وعلاوة على ذلك، إذا كان الهدف النهائي هو استخدام البكتيريا كنوع من الدواء، فإنها تحتاج إلى البقاء في القناة الهضمية لفترة طويلة من الزمن، وربما إلى أجل غير محدود. وتشير هذه الدراسة إلى أن الأطفال قد يكون لديهم ميكروبيوم مناسب لإعادة الزرع، ولكن أمعاء البالغين ستكون بلا شك أكثر صعوبة للزرع.

وفي حين أن معظم المعززات الحيوية عديمة الفائدة، فلا يزال هناك طريقة مضمونة واحدة على الأقل لتعزيز ميكروبيوم أمعاء جيد. وتشير المزيد والمزيد من الأبحاث إلى أن مستعمرة متنوعة من الميكروبات هي عامل رئيسي لذلك. ويقول الأطباء إن أفضل طريقة للحصول على التنوع في الأمعاء هو الإكثار من أكل الألياف. وربما سنكون يوماً ما قادرين على زرع بدايات ميكروبيوم صحي تماماً عند جميع الأطفال حديثي الولادة. ولكن علينا جميعاً في الوقت الراهن أن نأكل الكثير من الفواكه والخضار.