كيف يزيد الفنتانيل من الأثر السمي للمخدرات السامة أصلاً

الحقن ليس الطريقة الوحيدة لإعطاء الفنتانيل، وإنما يمكن امتصاصه عبر الجلد أيضاً.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من حداثة عهده على ساحة المخدرات الأميركية، إلا أن سيفه القاتل لم يُفرق بين كبيرٍ أو صغير.. بدءاً من المُغني الشهير برنس روجرز نيلسون الذي توفي بجرعة مفرطة من العقار المخدر عن عمرٍ يناهز 57 عاماً، وانتهاءً بطفلٍ يبلغ من العمر 10 سنوات توفي مؤخراً في مدينة ميامي. وللأسف، فقد شاع انتشار هذا العقار بشكل كبير في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة.

وقد أدت وفاة الطفل ألتون بانكس مؤخراً إلى إثارة المخاوف مجدداً حول التعرض للفنتانيل. فقد ذهب بانكس إلى أحد المسابح العامة، ولدى عودته إلى المنزل أخذ بالتقيؤ. وفي المساء فقد وعيه.. ثم أعلن عن وفاته في المستشفى. وقد أشار تشريح الجثة إلى وجود مزيج من الهيرويين والفنتانيل في جسمه. وتعتقد السلطات بأن الطفل تعرض لتلك العقارات بشكل غير مقصود في أثناء السباحة أو في طريق عودته إلى المنزل. وعلى الرغم من أن الفنتانيل يمكن أن يُمتص عبر الجلد، إلا أنه من غير الوارد حدوث التسمم بهذه الطريقة، وذلك بحسب ويليام ماثيو، مساعد الطبيب والإداري في برنامج الوقاية من فرط الجرعات التابع لتحالف الحد من الأضرار.

يقول مارك لاروشيل، الأستاذ المساعد بوحدة أبحاث الإدمان السريرية بكلية الطب بجامعة بوسطن الأميركية: “غالباً ما يحدث التسمم غير المقصود بالفنتانيل من خلال استنشاقه عن طريق الأنف”.

ما هو الفنتانيل ولماذا يُعد خطيراً جداً؟

دخل دواء الفنتانيل إلى الأسواق في ستينيات القرن الماضي كدواء لا يُصرف إلا بموجب وصفة طبية. أما الشكل المخدر غير المشروع منه فقد بدأ تداوله في تسعينيات القرن الماضي، ثم شاع انتشاره في الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الخمس الأخيرة. فقد جرى تسجيل حوالي 9500 حالة تسمم بجرعة قاتلة من العقار المخدر في الولايات المتحدة الأميركية في العام 2010 وحده.

الفنتانيل هو مسكن أفيوني مثل المورفين والأوكسيكودون والهيروين. تعمل المسكنات الأفيونية من خلال التأثير على الدماغ بشكل مباشر، حيث تمتلك قدرة فريدة على اجتياز الحاجز الدماغي والارتباط بمستقبلات محددة ضمن الخلايا الدماغية، مما يترك تأثيراً مهدئاً على الشخص يتمثل بتسكين الألم وتباطؤ معدل التنفس والشعور بالخفة أو النشوة.

ويختلف الفنتانيل عن غيره من المسكنات الأفيونية بسرعة تأثيره، إذ يمكن الوصول إلى النشوة ومن ثم زوالها في غضون ساعة واحدة. فإذا كان الأمر كذلك، لم يُقبل المدمنون على تعاطيه طالما أن مفعوله لا يدوم لفترة طويلة؟ لعل ذلك يعود إلى قوة وسرعة حدوث التأثير، إذ إن قوته تفوق المورفين بمائة ضعف، وتفوق الهيروين بخمسين ضعف. ولهذا السبب كثيراً ما يُستخدم الفنتانيل بالاشتراك مع الهيروين بهدف تحقيق مفعول سريع وديمومة طويلة.

ولعل ذلك هو السبب الذي يفاقم من خطورة الفنتانيل، إذ إن جرعته الفعالة لا تتدعى بضع ميكروغرامات بخلاف الهيروين الذي تُقاس جرعته الفعالة بالميليغرامات (الميليغرام يساوي ألف ميكروغرام)، وإن تعاطي بضع ميكروغرامات زائدة من الفنتانيل قد يؤدي إلى التسمم به. وخلافاً للهيروين الذين يستغرق حوالي ساعة للوصول إلى مفعوله، فيمكن لجرعة زائدة من الفنتانيل أن تؤدي إلى تثبيط التنفس في غضون ثوانٍ قليلة. تبلغ الجرعة القاتلة من الفنتانيل حوالي 2 ميليغرام.

ما هو سر انتشار الفنتانيل؟

على الرغم من مخاطره الكثيرة، فقد شاع استخدام الفنتانيل في الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الخمس الماضية. بالنسبة لاستخداماته الطبية، فلا يمكن صرفه إلا بوصفة طبية مع وجود قيود صارمة جداً على ذلك، فلا يمكن لطبيب أسنان على سبيل المثال وصفه لمريض، كما إنه لا يتوفر إلا في صيدليات المشافي الكبيرة.

يمكن أن يُوصف الفنتانيل بشكل لصاقات جلدية لبعض المرضى وذلك في حالات الألم الشديد، ولكن تصميم تلك اللصاقات قد يسمح باستخراج الفنتانيل منها وتعاطيه بشكل مباشر. كما إن هذه اللصاقات تُشكل تهديداً حقيقياً للأطفال الذين قد يعتقدون بأنها مجرد لصقات جروح، وقد أدى ذلك إلى وفاة طفل يبلغ من العمر 4 سنوات إثر قيامه بوضع لصاقة فنتانيل تعود لوالدته على جلده.

ولكن، وبحسب الخبراء، فإن معظم حالات التسمم بجرعة زائدة من الفنتانيل تحدث بسبب تعاطيه غير المشروع. وغالباً ما تكون الأشكال غير المشروعة من الفنتانيل مركبات شبيهة بالشكل الصيدلاني منه (نظائر)، ولكنها ليست مطابقة له، وغالباً ما تُصنّع في الصين وتُهرّب إلى دول العالم. نذكر من نظائر الفنتانيل الخطيرة جداً مركب كارفنتانيل، وهو يتمتع بمفعول أقوى بمائة مرة من الفنتانيل نفسه. وتكمن المشكلة أيضاً في رخص ثمن تلك المخدرات مما يدفع البعض للإقبال عليها.

هل يمكن التسمم بجرعة زائدة من الشكل الصيدلاني من الفنتانيل؟

يمكن تناول الفنتانيل إما فموياً عن طريق البلع، أو بالاستنشاق الأنفي، أو بالحقن، كما يمكن امتصاصه عبر الجلد، كما يمكن استنشاقه بشكل عرضي أثناء المرور بمكان ملوث به. ولعل حادثة وفاة الطفل الأميركي بانكس ليست الأولى بهذا الشكل، فقد سبق لإدارة مكافحة المخدرات الأميركية أن حذرت من المرور ضمن مكان يجري فيه تعاطي المخدرات.

وبحسب الخبراء، فإن التسمم بجرعة زائدة من لصاقات الفنتانيل هو أمر نادر جداً، في حين أن الاستنشاق غير المقصود قد ازداد في الآونة الأخيرة وهو أحد أخطر وسائل التسمم بالفنتانيل.

والآن، ما هو خطر التعرض لمثل ذلك الاستنشاق غير المقصود للفنتانيل؟ في الحقيقة، الاحتمال ضئيل جداً ما لم يكن أحد القاطنين في الجوار يتعاطى ذلك المخدر ويرمي بعبواته الفارغة على قارعة الطريق.

ولحسن الحظ، فإن علاج الجرعة الزائدة من الفنتانيل هو أمر ممكن، إذ يمكن لدواء نالوكسون أن يعاكس التأثيرات المورفينية ويقي من آثار جرعاتها الزائدة. وبما أن الفنتانيل يتمتع بتأثير أقوى من الهيروين، فقد يتطلب الأمر جرعة أكبر من النالوكسون لعلاج الجرعة الزائدة من الفنتانيل.

تشمل أعراض التسمم بجرعة زائدة من الفنتانيل كلاً من الغثيان والتقيؤ وتباطؤ التنفس. ويمكن للتنفس الاصطناعي أن يساعد على إسعاف المريض في حال تباطؤ تنفسه، وذلك ريثما يجري إسعافه ويحصل على جرعة نالوكسون. وتبقى المشكلة في أن تأثير الفنتانيل يظهر بسرعة كبيرة، مما قد يُقلل من احتمال حصول المريض على إسعاف مناسب.