لماذا يغمى علينا؟

لماذا يغمى علينا؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Jovana Dzo
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عروس في يوم زفافها، عدَّاء مرهَق بعد إتمام سباق، شخص يشاهد عملية جراحية، متبرّع بالدم، أو أنت تشعر بالدوار، وتشعر بألم في معدتك، فتتصبب يداك عرقاً، وتخفت الرؤية، وتبدأ في سماع طنين في أذنيك، وتستيقظ فجأة فتجد نفسك مُلقى على الأرض، تُحدّق في سقف الغرفة. عندها تدرك بعد فترة أنه قد أغمي عليك؛ فماذا حدث؟

يحدث الإغماء -أو ما يسميه الأطباء في الاصطلاح التقني «الغشْي»– نتيجة عوامل عدة، لكن السبب الرئيسي يرجع إلى انخفاض كمية الدم التي تصل إلى الدماغ؛ لأن معدل ضغط الدم ضمن المستوى الطبيعي أمر ضروري لتوصيل الدم والأكسجين إلى جميع الأنسجة في الجسم. واعتدال معدل ضغط الدم يعني أن الدماغ -الذي يوجد فوق مستوى القلب عند الجلوس أو الوقوف- يصله ما يكفي من الأكسجين بالرغم من قوة الجاذبية، لكن ما الذي يمكن أن يُعيق هذه العملية -إيصال الأكسجين إلى الدماغ-، ويتسبب في وقوعك أرضاً قبل أن تدرك أنك وقعت؟

إشارات عصبية متضاربة

السبب الأكثر شيوعاً للإغماء هو انخفاض معدل ضغط الدم بسبب التعرض لنوبة وعائية مُبهمية قوية، المسماة على اسم العصب المُبهَم الذي يمتد من الدماغ إلى القلب والرئتين والجهاز الهضمي. مهمة العصب المُبهم هي تنظيم الجهاز العصبي اللاوُدِّي الذي يمثل أحد شقّي النظام العصبي اللاإرادي، وتوصف وظائف الجهاز العصبي اللاودي غالباً بأنها مسؤولة عن عمليات الراحة والهضم.

يحرر العصب المبهم على مستوى القلب مثلاً ناقلاً عصبياً يدعى «أسيتيل كولين»، يرتبط بالخلايا التي تنظم ضربات القلب لإبطاء معدلها، وتُزيد عمليات مثل التنفس العميق والبطيء خلال ممارسة اليوجا نشاط الجهاز العصبي اللاودي، مما يؤدي إلى إبطاء ضربات القلب والدخول في حالة من الاسترخاء. ورغم أن الاسترخاء أمر جيد، فإن انخفاض معدل ضربات القلب ليس جيداً -مثلما يحدث في حالة فقدان الوعي لفترة وجيزة. لذلك من الضروري أن يكون معدل ضربات القلب في حدود معينة، من أجل الحفاظ على معدل ضغط الدم الكلي ضمن المستويات الطبيعية.

الشق الآخر من الجهاز العصبي اللاإرادي هو الجهاز العصبي الودي، وهو مسؤول عن استجابة الكر أو الفر، على عكس وظيفة الجهاز العصبي اللاودي، ويحافظ الجهاز العصبي الودي على تضييق الأوعية الدموية الصغيرة في أنسجة الجسم ضمن المستويات الطبيعية، ويُسهِم هذا التضييق في ضمان ضغط الدم الطبيعي في الجسم؛ إذ يتدفق الدم من خلال الأوعية الدموية الدقيقة.

تؤثر زيادة نشاط الجهاز العصبي اللاودي في مستوى تضييق الأوعية الدموية، مما يسمح للدم بالوصول إلى الأنسجة الخارجية بدلاً من التوجه إلى القلب والدماغ. ويسبب تمدد هذه الأوعية -إلى جانب انخفاض معدل ضربات القلب- انخفاضاً حاداً في ضغط الدم؛ فيغمى عليك. وبصورة أدق، تتعرض لغشي عصبي قلبي، وبالرغم من أن الإغماء قد يكون محرجاً، فإنه شائع وليس في غاية الخطورة.

عندما يكون السبب مشهداً أو صوتاً ما

أسباب الإغماء الجسدية منطقية، لكن ثمة عوامل نفسية تدخل في هذه العملية؛ مثل رؤية منظر الدماء، فما الذي يحدث في هذه الحالة؟ وما الذي يؤدي إلى هذه الاستجابة الوعائية المبهمية المفرطة؟

يؤدي الإحساس بالضغط النفسي في العادة -عند رؤية الدم مثلاً- إلى نشوء استجابة مفرطة، تزيد من نشاط الجهاز العصبي الوُدِّي، وترفع معدل ضربات القلب، ويزيد الجسم من نشاط الجهاز العصبي اللاودي قصد إبطاء معدل ضربات القلب، وإعادتها إلى وضعها الطبيعي. إذا استمر الجهاز العصبي اللاودي في تقليل معدل ضربات القلب أكثر من اللازم، فسينخفض مستوى ضغط الدم؛ أي يقل معدل الأكسجين الذي يصل إلى الدماغ، ويفقد الشخص وعيه في النهاية.

إن فقدان الوعي -على أية حال- يستمر لفترة وجيزة؛ إذ يستعيد معظم الأشخاص وعيهم مباشرة بعد الاصطدام بالأرض، وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى القول: «إن الإغماء استجابة وقائية». يبدأ الدم عند الاستلقاء بالوصول إلى الدماغ بسهولة أكبر لأنه في نفس مستوى القلب، وتخف مقاومة الجاذبية مقارنة بالوقوف أو الجلوس، وتقلل وضعية الاستلقاء كذلك من كمية الدم المفقود، وتقي من التعرض لمزيد من الإصابات في حالة تعرض الشخص لنزيف دموي جراء الوقوع أرضاً.

وأحد أخطر الأمور التي تصاحب الإغماء هو الوقوع أرضاً؛ إذ يمكن أن يُصاب الأفراد في رؤوسهم أو أماكن أخرى من الجسم أثناء سقوطهم، ما قد يخلف إصابات بالغة. وفكرة أن الإغماء قد يكون مرتبطاً بفقدان الدم، بدلاً من أن يكون استجابة مباشرة للحُقن أو أي إجراء طبي آخر؛ هو موضوع دراسات عديدة. في إحدى هذه الدراسات أدت مشاهدة مقاطع لعملية سحب الدماء إلى زيادة نشاط الجهاز العصبي اللاودي بدرجة أكبر، مقارنة بمشاهدة مقاطع فيديو مشابهة لعملية حقن وريدي، ما يشير إلى أن الدم عنصر مميز له علاقة مباشرة بالإغماء.

أظهرت الدراسة نفسها أن اعتقاد الشخص بأنه قادر على إيقاف العملية في أي وقت؛ يُمكِّنه من التقليل من أعراض النوبات الوعائية المبهمية. يشير هذا إلى أن الشعور بالخوف أو الافتقار إلى القدرة على ضبط النفس، قد يسهمان في زيادة استجابة الناس عند رؤية الدماء.

كيف تُقلل احتمال التعرض للإغماء؟

تظل أسباب الإغماء مُبهمة، وكذلك ما الذي يجعل شخصاً ما أكثر عرضة له، رغم أن ثمة إجماعاً بين العلماء على أن النساء يغمى عليهن أكثر من الرجال. مع ذلك هناك بعض الإستراتيجيات التي يمكن أن تقلل من احتمال إصابتك بالإغماء:

1. إذا شعرت بالدوار، استلق على الأرض، ثم اثن ركبتيك، أو ارفع ساقيك لتُسهّل تدفق الدم إلى الدماغ.

2. اثن عضلات ذراعيك وساقيك، وافردها للمساعدة في نقل الدم إلى القلب والدماغ.

3. اشرب الماء باستمرار للحفاظ على حجم الدم الكلي في الجسم.

تذكر أن نوبة عرضية من الإغماء ليست مصدر قلق ما دُمتَ لم تتعرض للإصابة خلالها، وإذا تكرر الإغماء، قم بإجراء فحص طبي.