لهذه الأسباب يجب الانتباه لفيروس «نيباه»

خفاش, أمراض, فيروسات, مقالات علمية
خفاش الفاكهة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اُكتشف فيروس «نيباه» منذ 20 عاماً، ويمكن أن يتسبب في كارثة وبائية قد تصل إلى مستوى العالمية. إلا أننا ما نزال في المراحل الأولى في مكافحته.

يقول «لينفا وانج»، خبير الفيروسات المنتقلة بواسطة الخفافيش في معهد الصحة العالمية بجامعة «دوك»، والرئيس المشارك لمؤتمر فيروس نيباه الأول المشارك لرويترز هذا الأسبوع: «لا يوجد حالياً أيّ دواءٍ أو لقاحٍ محددين لعدوى فيروس نيباه». يجتمع لينفا وخبراء آخرون حالياً في سنغافورة لحضور مؤتمر فيروس «نيباه» الذي يُعقد لأول مرةٍ، ويستمر هذا المؤتمر لمدة يومين، حيث يناقش خلاله الخبراء كلّ ما يتعلق بالفيروس، بدءاً من أوّل تفشي له وحتّى طرق السيطرة عليه، حيث يأملون بإثارة قضية هذا المرض وزيادة الاهتمام العالمي به.

سُجلت أول إصابة بهذا الفيروس في ماليزيا عام 1999، حيث أُصيب به 265 شخصاً حيث توفّي منهم 105 أشخاص. وقد شهدنا منذ ذلك الحين عدّة حالاتٍ من تفشي المرض في بلدانٍ أخرى في جنوب آسيا مثل سنغافورة وبنغلاديش والهند. وتشير منظمة الصحّة العالمية إلى أنّ تفشي فيروس «نيباه» بات حالةً تحدث سنوياً تقريباً في بنغلاديش منذ عام 2001.

تعود تسمية فيروس نيباه إلى قرية «سونغاي نيباه – Sungai kdfhi» الماليزية، حيث سُجلت أولى الإصابات بين مربّي الخنازير. وقد تمت السيطرة على أولى حالات تفشي الفيروس في ماليزيا وسنغافورة؛ بعد أن قتلت السلطات هناك أكثر من مليون حيوان خنزير في أكبر مجزرةٍ للحيوانات على الإطلاق تحدث في البلاد، والتي اُعتبرت أيضاً خسارةً اقتصادية كبيرة كما يشير مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC.

لكن تبيّن فيما بعد أنّ الخنازير لم تكن سوى حاضنٍ للفيروس الذي تحمله خفافيش الفاكهة منذ زمنٍ طويل. تقول عالمة الأوبئة «ميكاه هان» من جامعة ألاسكا-أنكوريج، التي نُشر بحثها المتعلق بفيروس نيباه عام 2014: «لا يؤثر الفيروس على خفافيش الفاكهة، لكّن الفيروس يمكن أن ينتقل عبر لعابها أو بولها أو برازها، وتحدث العدوى عندما يحصل تماسٌ مادّي بين مخلّفات خفافيش الفاكهة والإنسان (أو الخنازير)».

يمكن أن تتشابه أعراض عدوى فيروس «نيباه» في مراحلها الأولى عند البشر مع أعراض الأنفلونزا؛ عادةً قيء ودوّار والتهاب الحلق، بالإضافة للسعال عند البعض. لكن، ومع تطور المرض، يمكن أن يتسبب الفيروس بالتهابٍ دماغيٍ مميت. تُقدّر منظمة الصحة العالمية أنّ هناك ما نسبة بين 40 إلى 75% من الإصابات بالفيروس تؤدي إلى الوفاة. يعود ذلك التباين إلى سرعة اكتشاف الأطباء للمرض، وإلى مستوى الرعاية الطبية التي يحصل عليها المريض. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية أيضاً، يحتاج المصابون بالفيروس إلى العناية المشددة للتعامل مع المرض، ومراقبته عن كثب من قبل أخصائيين طبيين. لكّن ظروف الرعاية الصحية الفائقة قليلة وإن وجدت ستكون بعيدةً عن مناطق انتشار الفيروس. تقول المنظمة أن إحدى طرق انتشار الفيروس هي الإصابة به عند اعتناء المقربين من المريض به.

وجاء في بيانٍ لمنظمة الصحة العالمية بشأن فيروس نيباه: «بالرغم من أن فيروس نيباه لم يتفشّ إلا في حالاتٍ معروفةٍ محددة في آسيا، لكنه يمكن أن يصيب الفيروس مجموعةً واسعة من الحيوانات، ويمكن أن يتسبب للبشر بمرضٍ شديد، وقد يؤدي للوفاة». تُعد خفافيش الفاكهة حالياً المستضيف الوحيد للفيروس، لكّن العدوى يمكن أن تصيب الخنازير والحيوانات الأليفة الأخرى كالقطط والكلاب.

يُعتقد أن الفيروس اقد انتقل من الخفافيش إلى الخنازير خلال الكارثة التي حدثت في ماليزيا وسنغافورة؛ والتي بدورها نقلته للبشر من خلال تناول لحومها أو التعامل معها بشكلٍ مباشر. أما في حالات تفشي المرض في بنغلاديش -التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد- فقد سُجلّت حالاتٌ انتقل فيها الفيروس من خفافيش الفاكهة إلى «التمر» (حيث تعيش خفافيش الفاكهة بين سعف النخيل أحياناً)، والتي نقلته للإنسان بدورها. يُعد مشروب التمر غير المعالج مشروباً شائعاً في بنغلاديش، ويُستخرج من الثمار مباشرةً أو بعد تخميرها. تقول هان: «يمكن للخفافيش تلويث هذه الثمار عندما تتغذى أو تترك مخلفاتها عليها».

هذه عموماً معظم طرق انتقال الفيروس للإنسان، مع ذلك، من الممكن أن تنتقل العدوى من شخصٍ مصاب إلى آخر سليم، خصوصاً -وكما أشارت بعض الأبحاث-، أن الفيروس قد يكون موجوداً في رذاذ سُعال الأشخاص المصابين بشدّة، أو الذين يكون لديهم السعال من أعراض المرض.

وكما هي الحال مع العديد من الأمراض التي تنتقل للبشر بواسطة الحيوانات، تُعتبر الضغوط البيئية عاملاً محدداً هاماً في كيفية انتشار المرض. على سبيل المثال، في ماليزيا وسنغافورة، ازدادت حالات تفشي المرض بعد زيادة مربّي الخنازير لأعداد القطيع.

تقول هان: «لقد اكتشفنا أن المناطق التي ينتشر فيها المرض بكثرة في بنغلاديش؛ تحدث فيها عملياتُ قطعٍ للغابات فيها فعلاً. بالرغم من انتشار أشجار النخيل في جميع أنحاء البلاد وشيوع عصيره كمشروبٍ يحتسيه الناس في الأمسيات، إلا أنّ معظم المناطق التي تعاني من المرض يظهر فيها أن الناس باتوا يعيشون بالقرب من مكان عيش خفافيش الفاكهة، نتيجة انتقالها من الغابات التي قطعت لأغراض متنوعة مثل التوسع في الزراعة، أو لجمع الأخشاب، أو نتيجة التوسع العمراني». وتضيف هان: «ولهذا باتت هذه الخفافيش تنام بالقرب من بيوت الناس هناك». يعمل فريق هان على تعليم المزارعين كيفية إبعاد هذه الخفافيش عن محاصيلهم، كي لا ينتشر الفيروس.

هناك حاجة ماسة إلى هذا النوع من التدابير الوقائية، حيث لا يوجد لقاح ضد الفيروس حتى الآن. يهدف اجتماع هذا العام في سنغافورة إلى جمع الباحثين المهتمين بهذا المرض؛ لطرح حلولٍ لمعالجة انتشاره، والمساعدة في زيادة الاهتمام بهذا المرض في الغرب.

في الواقع، لم يصل المرض إلى الغرب بعد. هذا صحيح، لكنه قد يصل في النهاية إليهم، خاصةً إذا تطوّر الفيروس ليصبح انتقاله بين البشر أكثر سهولةً. إن آثار المرض المدمّرة على البشر والحيوانات على حدٍ سواء سببٌ كافٍ لمحاولة العثور على لقاح للوقاية منه، لكّن عواقب التقاعس عن العمل الآن قد تؤثّر علينا جميعاً في المستقبل.