ماذا كشفت هذه الدراسة الجديدة عن الارتجاج ومرض باركنسون؟

في حين أن الارتباط مع مرض باركنسون لا يزال غامضاً، إلا أنه أصبح من الواضح تماماً بأنه من المهم حماية رأسك حتى من الإصابات الطفيفة.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تنتشر إحدى الدراسات الجديدة التي صدرت في دورية Neurology وتشير إلى أن الإصابة الدماغية الرضية يمكنها أن تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بمرض باركنسون حتى ولو كانت خفيفة.

ووجدت الدراسة الجديدة التي قادها مجموعة من الباحثين من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو بأن تزايد الخطر توقف على مدى شدّة إصابة الدماغ، ولكن حتى إصابات الدماغ الخفيفة أدت إلى زيادة احتمال الإصابة بمرض باركنسون بنسبة تصل إلى 56 بالمئة. ويعبّر فريق جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو عن ذلك بأنه أكبر دليل حتى الآن على ارتباط مرض باركنسون بإصابات الدماغ الرضية الخفيفة – والتي غالباً ما تكون على شكل ارتجاجات – وبأنه يتبع خطى ما وجده الفريق في أبحاث سابقة.

ويعدّ هذا التقييم مدهشاً عندما تأخذ في الاعتبار بأن 42 مليون شخص حول العالم كل عام يعانون من ارتجاج الدماغ.

ويُذكر بأن الأطباء قضوا العديد من القرون في دراسة مرض باركنسون، وهو اضطراب تنكسي عصبي يعطّل الجهاز العصبي ويؤثر على السيطرة الحركية. ومع ذلك، لا تزال أسبابه الكامنة غير معروفة إلى حد كبير، على الرغم من أن معظم الأبحاث تشير إلى شبكة معقدة من العوامل الوراثية (15 بالمئة من الأفراد الذين تم تشخيصهم لديهم أحد أفراد العائلة ممن يعاني من مرض باركنسون أيضاً) بالإضافة إلى العوامل البيئية. ونحن نعرف بالفعل بأن باركنسون هو أكثر شيوعاً عند الرجال ويزداد احتمال حدوثه مع تقدم العمر، حيث يصيب المرض 1 بالمئة من السكان الذين تجاوزت أعمارهم 60 عاماً، و5٪ من السكان الذين تجاوزت أعمارهم 85 عاماً.

وكان فريق جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو قد توصل إلى هذه الاستنتاجات بعد دراسة السجلات الصحية التي استمرت 12 عاماً لـ 3258730 من المحاربين القدامى العسكريين الأميركيين الذين تراوحت أعمارهم بين 31 و65 عاماً في بداية الدراسة، والذين تم تخزين معلوماتهم الصحية في قواعد بيانات إدارة الصحة للمحاربين القدامى في الولايات المتحدة. وعرّف الباحثون الإصابة الدماغية الرضية الخفيفة على أنها فقدان الوعي الذي يستمر من صفر إلى 30 دقيقة، أو لحظة من تغيّر الوعي في غضون 24 ساعة بعد الإصابة، أو فقدان الذاكرة المؤقت الذي يستمر من صفر إلى 24 ساعة بعد الإصابة. وتم تعريف الإصابة الدماغية الرضية المتوسطة إلى الشديدة على أنها وفقدان الوعي لأكثر من 30 دقيقة، أو تغيّر الوعي لأكثر من 24 ساعة، أو فقدان الذاكرة لأكثر من 24 ساعة.

في بداية الدراسة، لم يُظهر أي من المحاربين القدامى علامات باركنسون أو الخرف، على الرغم من أن نصفهم تقريباً كانوا قد أصيبوا بالفعل بإصابة في الدماغ من نوع ما. ومن أصل الأشخاص الـ 1462 الذين تم تشخيص إصابتهم بمرض باركنسون قبل نهاية فترة الدراسة التي امتدت 12 عاماً، كان 949 شخصاً قد تعرضوا في السابق لإصابة دماغية رضية. وبعد الأخذ بالاعتبار كل من العمر والحالات الصحية السابقة وعوامل أخرى، استنتج الباحثون بأن الإصابة الدماغية الرضية الخفيفة زادت خطر الإصابة بمرض باركنسون بنسبة 56 بالمئة، في حين أن الاصابة المتوسطة إلى الشديدة زادت الخطر بنسبة 83 بالمئة. وقد أدى أي نوع من الإصابة الدماغية الرضية إلى زيادة خطر الإصابة بمرض باركنسون بنسبة 71 بالمئة.

علاوة على ذلك، بالنسبة لأولئك الذين كان لديهم سوابق من أي إصابة في الدماغ، فقد تم تشخيص مرض باركنسون – في المتوسط – قبل عامين من أولئك الذين ليس لديهم سوابق.

تبدو النتائج مثيرة جداً للقلق. ولكن هناك بعض التحذيرات المهمة للتصريح عنها. إذ تقول كريستين دامز أوكونور – عالمة فسيولوجيا الأعصاب ومديرة مركز أبحاث إصابات الدماغ في كلية آيكان للطب في ماونت سيناي في نيويورك: “مع مثل هذه الدراسة، فإنك ترى الكثير من وسائل الإعلام التي تهب لتكتب في عناوينها بأن هناك زيادة في مخاطر الإصابة بمرض باركنسون بنسبة 56 بالمئة”. وعلى الرغم من أن أرقام المخاطر النسبية تبدو عالية، فإن “الخطر الإجمالي للإصابة بمرض باركنسون [لا يزال] صغيراً حقاً”، وأن المخاطر غير النسبية للإصابة بمرض باركنسون ارتفعت من 0.2 بالمئة إلى 0.3 بالمئة بين الأفراد غير المصابين والمصابين.

وتقول: “لا ينبغي تفسير هذا على الإطلاق بأي طريقة على أنه من المتوقع أن تصاب أعداد كبيرة من الأشخاص الذين يعانون من الإصابات الدماغية الرضية الخفيفة بمرض باركنسون”.

وتعتقد دامز أوكونور أيضاً بأن طريقة تحقق فريق جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو من الإصابات الدماغية الرضية عند المشاركين كان “بعيداً عن المثالية. فعندما تعتمد على السجلات الصحية الطبية، فإنك – بحكم التعريف – تفوّت الكثير من إصابات الدماغ الرضية.” فقد يعاني الشخص من الإصابة الدماغية الرضية الخفيفة ولا يتلقى أو يسعى للحصول على أي نوع من الرعاية الطبية، مما يعني بأنه لا يمكن لأحد توثيق ذلك. كما يختار العديد من المحاربين القدامى البحث عن الرعاية خارج النظام الصحي للمحاربين القدامى، ولذلك حتى لو تم تشخيص الإصابة الدماغية الرضية، فلن تعرف إدارة المحاربين القدامى ذلك بالضرورة لتقوم بتسجيله. وتقول: “أعتقد بأنه من الآمن أن نقول في هذه الدراسة بأنهم يتعاملون مع نقص حقيقي في التعرض لإصابات الدماغ الرضية”.

من ناحية أخرى، تلاحظ دامز أوكونور بأن هذا النقص سيؤدي في الواقع إلى تحيز النتائج نحو عدم العثور على علاقة بين الإصابات الدماغية الرضية ومرض باركنسون، ولكنه يدلّ على أن باحثي جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو وجدوا علاقة بالرغم من هذا التقييد.

إن الحجم الهائل لعينة البحث لهذا النوع من الدراسات هو غير مسبوق ومثير للإعجاب، ولكن المحاربين القدامى بحد ذاتهم قد يمتلكون مخاطر تختلف بشكل كبير عنها عند عامة السكان. وربما يكون من الأسلم تعميم هذه النتائج على المحاربين القدامى فقط، على الرغم من أنه من المعقول جداً أن نتوقع بأن الدراسات اللاحقة ستوسع النتائج إلى عامة الناس.

وبعد ذلك، تقول دامز أوكونور: “أعتقد بأن هذه الدراسة أجريت بشكل جيد. إنها دراسة رائعة، وكان المؤلفون منصفين تماماً في اعترافهم بحدودها”.

ومن الجدير بالذكر أن أحد أكبر الألغاز الذي تثيره هذه الدراسة هو ما الذي قد يكون من شأنه أن يربط بين الإصابات الدماغية الرضية ومرض باركنسون بالضبط. “نحن لا نعرف على وجه اليقين”، كما تقول الدكتورة كريستين يافي – الأستاذة في كلية الطب في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو والمشاركة في تأليف الدراسة الجديدة. وتضيف: “لكن معظم هذه الاضطرابات العصبية التنكسية المرتبطة بالعمر – من التصلب الجانبي الضموري إلى مرض الزهايمر إلى مرض باركنسون – لها سمة مميزة مماثلة لتراكم تلك البروتينات غير الطبيعية في الدماغ. ونعتقد بأنه كلما طالت مدة الحياة، كلما ازداد تراكم هذه البروتينات”.

وتعتقد يافي وفريقها بأن “هناك شيئاً ما حول إصابات الدماغ الرضية والتي إما أنها تعمل على تسريع هذه العملية أو تجعل الدماغ أكثر عرضة لهذه البروتينات عندما تتواجد هناك”.

في مرض باركنسون، يكون هذا البروتين هو ألفا ساينوكلين، وهو مكون رئيسي من مكونات أكبر من البروتينات التي تسمى أجسام ليوي. ونشرت دامز أوكونور وزملاؤها دراسة في عام 2016 والتي وجدت بأن الأشخاص الذين لديهم سوابق من إصابات الدماغ الرضية كانوا أكثر عرضة لامتلاك أجسام ليوي في الدماغ، مما يشير إلى آلية محتملة تستدعي إجراء المزيد من الدراسات.

ليس هناك شك في الوقت الحالي بأن إصابات الدماغ – حتى الخفيفة منها – يمكنها أن تحدث تأثيرات طويلة المدى على الدماغ، وتأتي هذ الدراسة إلى جانب سلسلة من الأبحاث الجديدة التي توضح مدى معاناة لاعبي كرة القدم من جراء الارتجاجات المتكررة. وفي حين أنه لا يجب أن يظن أي شخص يعاني من إصابة في الدماغ بأنه سيصاب حتماً بمرض باركينسون في وقت لاحق من حياته، إلا أن النتائج الجديدة هي تذكير صارخ آخر بضرورة حماية رأسك.