ما حقيقة الارتباط بين تناول الأطعمة العضوية والإصابة بالسرطان؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك الكثير مما لا نعرفه عن الأطعمة العضوية، ولكن الشيء الذي نعرفه هو أن الشخص الذي يمكنه تحمُّل تكلفة شراء هذه الأطعمة ويقرِّر أن يقوم بذلك هو شخص يتمتع بصحة أفضل بشكل عام.

وبالطبع فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الأطعمة العضوية تجعلك أكثر صحة، وهذه هي المسألة الرئيسية التي ركَّزت عليها دراسة حديثة -نُشرت في مجلة جاما (JAMA) وتصدَّرت عناوين الأخبار- حول إثبات أن تناول الطعام العضوي يقلِّل من خطر الإصابة بالسرطان. وكما هو الحال مع الكثير من الدراسات التي تدَّعي أن أي خيار محدَّد لنمط الحياة من شأنه أن يقيَ من السرطان، فإن هناك الكثير من الأمور حول هذه الدراسة.

ما الذي أظهرته الدراسة فعلاً؟

إنها دراسة تقليدية للارتباط؛ إذ طلب باحثون فرنسيون من 68946 شخصاً بالغاً (جميعهم من الفرنسيين أيضاً) أن يقوموا بذكر مدى تكرار تناولهم للأطعمة العضوية. كما طلبوا من الجميع الإبلاغ عما إذا كانوا مصابين بالسرطان، ثم سألوهم مرة أخرى بعد خمس سنوات من المتابعة عما إذا كان هناك أي تشخيص لإصابتهم بالسرطان. وقد جمع الباحثون -بالإضافة إلى تلك البيانات- معلومات أخرى مثل ما إذا كان المشارك مدخِّناً، وكمية المال التي يكسبها، ومدى شربه للكحول، وممارسته للتمارين. واعتماداً على ذلك، وجدوا علاقة بين انخفاض خطر الإصابة بالسرطان بشكل عام وتناول كمية أكبر من الطعام العضوي.

ولكنَّ هناك أمراً حصل على اهتمام أقل بقليل في وسائل الإعلام، وهو ما حدث عندما قام الباحثون بتفصيل خطر الإصابة بالسرطان إلى أنواع معينة من السرطانات؛ فلم يؤثر تناول الطعام العضوي على مخاطر إصابة المشاركين بسرطان الثدي قبل انقطاع الطمث أو سرطان البروستات أو سرطان القولون والمستقيم أو سرطان الجلد، بل كان يرتبط فقط بانخفاض خطر الإصابة بسرطان الثدي بعد انقطاع الطمث والأورام اللمفاوية والأورام اللمفاوية اللاهودجكينية (مجموعة فرعية من الأورام اللمفاوية).

ما نقاط ضعف الدراسة؟

إن العوامل التي يحتمل أن تكون مؤثرة (مثل ارتفاع الدخل أو مستوى النشاط البدني) تعتبر مهمةً بشكل خاص عند دراسة الفوائد الصحية للأطعمة العضوية؛ وذلك لأن تناول هذه الأطعمة يرتبط بالكثير من الأشياء التي تساعدك أيضاً على عيش حياة أطول وأكثر صحة. بعبارة أخرى: يميل الأشخاص الذين يتناولون الطعام العضوي بانتظام إلى امتلاك عوامل وعادات أخرى لنمط الحياة، وهي التي يمكنها بسهولة أن تخفض من خطر الإصابة بالسرطان كذلك.

وحتى في هذه الدراسة الوحيدة كان الاستهلاك المرتفع للأطعمة العضوية مرتبطاً بعد عوامل مثل الدخل المرتفع، والوضع الوظيفي الأفضل (أي وجود وظيفة “أفضل”، مثل كون الشخص مديراً أو يعمل بوظيفة ذهنية مكتبية)، وازدياد النشاط البدني، وتناول كمية أكبر من الفواكه والخضار وكميات أقل من اللحوم والأطعمة المصنَّعة. كل هذه الأشياء تجعلك أكثر عرضة للبقاء بصحة جيدة بالمقارنة مع أولئك الذين لا يستطيعون تحمُّل تكلفة مثل هذه العناية الجيدة بأنفسهم.

وبالإضافة إلى تلك العوامل المحتملة، فمن السهل جداً على الأشخاص أن يخطئوا في الإبلاغ فعلاً عن كمية الطعام الذي يتناولونه فعلاً وعن نوعه. ويشير مقال افتتاحي في مجلة جاما إلى أن “تناول الطعام العضوي هو أمر صعب التقييم، كما أن الإبلاغ الذاتي عنه معرَّض بشكل كبير للتأثُّر بالسلوكيات الصحية الإيجابية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية”.

ويمكن للباحثين أن يحاولوا السيطرة على هذه الأمور، مما يعني إجراء تحليل إحصائي لمحاولة معرفة تأثير الطعام العضوي عند تساوي جميع العوامل الأخرى، ولكن المشكلة مع هذه العوامل هي أن السيطرة عليها جميعاً صعبة جداً.

فالسيطرة على عامل الدخل المرتفع مثلاً لا تغطي بالضرورة جميع الفوائد التي يوفرها الدخل المرتفع؛ فمثلاً يمكن للأشخاص الذين لديهم المزيد من المال أن يراجعوا الطبيب بشكل أكثر، مما يجعلهم أكثر عرضة للكشف عن بعض أنواع السرطان في وقت مبكر بما يكفي لعلاجها، ويمنحهم فرصة أخذ الدواء لعلاج المشاكل الصحية المزمنة، كما أنه يمكِّنهم من دفع تكلفة العلاج عالي الجودة. وقد يعني ذلك أنهم لا يعانون كثيراً من الإجهاد بسبب المال، ونحن نعلم أن الإجهاد المزمن له تأثير سيئ بشكل عام على الصحة. كما أنهم يميلون إلى العيش في مناطق ذات مستويات أقل من الملوِّثات البيئية، ويميلون إلى الحصول على كمية أكبر من النوم.

وبالإضافة إلى كل هذا فإن وجود دخل عالٍ يعني أيضاً أن بإمكانك شراء الطعام العضوي؛ حيث إنه يكلف في الولايات المتحدة مثلاً -وفي المتوسط- نسبة تفوق 45% عن غيره، وهذا يعني أن الأشخاص الذين يتناولون معظم الأطعمة العضوية يميلون لامتلاك المزيد من المال (وربما وظائف أقل إجهاداً، بحيث توفر لهم الوقت لممارسة الرياضة).

هل تتماشى هذه الدراسة مع نتائج الأبحاث السابقة؟

“نعم” بعض الشيء، و”لا” بعض الشيء؛ إذ ليس هناك الكثير من الأبحاث حول الطعام العضوي ومخاطر الإصابة بالسرطان، ولكن دراسة المليون امرأة التي أُجرِيت في المملكة المتحدة كانت مشابهة تماماً، ولكنها توصّلت إلى استنتاجات مختلفة قليلاً؛ حيث وجدت تلك المجموعة البحثية أيضاً أن تناول الطعام العضوي يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالأورام اللمفاوية اللاهودجكينية، لكنها لم تجد أي تغيير مهم في خطر الإصابة بالسرطان بشكل عام. وفي الواقع، فقد وجدت زيادة طفيفة في خطر الإصابة بسرطان الثدي.

لماذا يمكن أن يكون هناك ارتباط بين السرطان والأطعمة غير العضوية؟

لقد ذكرنا بكل الطرق أن هذه الدراسة لا تعني أن تناول الطعام العضوي من شأنه أن يحميك من الإصابة بالسرطان، ولكن إذا كان هناك بعض الارتباط، فما الذي يسبب الزيادة في المخاطر؟

الأمر الرئيسي الذي يشكُّ فيه الباحثون هنا هو المبيدات الحشرية؛ فقد حدَّدت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) ثلاثة مبيدات حشرية شائعة على أنها “مسرطنة على الأرجح” (وهذا لا يعني بالضرورة أنها تسبِّب السرطان بالتأكيد، بل يعني أن للتعرِّض المحتمل لها بعض التأثير على خطر الإصابة بالسرطان). كما جاءت الكثير من البيانات التي استُخدِمت في اتخاذ هذا القرار من التعرُّض المهني، أي من المزارعين أو غيرهم من العمال الزراعيين الذين يتعرَّضون لمستوى أعلى بكثير من المواطن العادي، بغض النظر عن الطعام الذي يتم تناوله. وقد ارتبطت جميع هذه المبيدات الحشرية الثلاثة مع الأورام اللمفاوية اللاهودجكينية، ولذلك فمن المنطقي أنها هي النتيجة الأكثر اتساقاً في الدراسات الغذائية واسعة النطاق حول مخاطر الإصابة بالسرطان.

ونحن نعلم أن الأطعمة العضوية تحتوي بشكل عام على عدد أقل من المبيدات الحشرية الاصطناعية بالمقارنة مع الأطعمة التقليدية، ولكن مصطلح “عضوية” لا يعني بالضرورة أنها خالية من المبيدات؛ حيث توجد لدى وزارة الزراعة الأميركية قائمة طويلة للمبيدات الحشرية المسموح باستخدامها في المزارع العضوية المعتمدة. ومع ذلك فمن الجيد خفض كمية المبيدات الحشرية في أجسامنا، وتشير الدراسات التي أجريت في السنوات القليلة الماضية (مثل دراستين تم إجراؤهما في عامي 2015 و2016) إلى أن تناول المنتجات العضوية يقلِّل من تعرضك للمبيدات الحشرية.

هل يجب عليَّ تناول المزيد من المنتجات العضوية؟

سنترك أمر تلخيص ذلك إلى المقال الافتتاحي لمجلة جاما، حيث جاء فيه: “تشير الأدلة الحالية إلى أن من المرجح لفوائد تناول المنتجات المزروعة بشكل تقليدي أن تفوق المخاطر المحتملة للتعرض للمبيدات الحشرية”.

وبعبارة أخرى: عليك تناول كمية أكبر من الفواكه والخضروات، بغض النظر عما إذا كنت تستطيع تحمُّل تكلفة المنتجات العضوية. ويشير تحليل التلوِّي (الذي أُجرِيَ في عام 2017 للآثار الصحية والاختلافات الغذائية بين المنتجات العضوية والتقليدية) إلى أنه على الرغم من “وجود بعض الأدلة على الفوائد المحتملة لتناول الأطعمة العضوية من دراسات الجماعات البشرية”، إلا أنه “لا يزال هناك الكثير من الشكِّ -أو الجدل- حول ما إذا كانت هذه الاختلافات في التركيب تؤثر على صحة الإنسان أو مدى ذلك التأثير”.

وبالتالي إذا كان لديك فائض من المال، فربما يكون من الأسلم بعض الشيء أن تشتري الأطعمة العضوية بشكل عام، ولكن -وكما يشير المقال الافتتاحي- الجميع سيكونون في حال أفضل من حيث مخاطر الإصابة بالسرطان إذا مارسوا التمارين بشكل منتظم، وتناولوا كميات أقل من اللحوم الحمراء، وأكثروا من تناول الخضروات، سواءً كانت عضوية أو غير ذلك.

وبالطبع، من المهم أن نتذكَّر أن من الممكن لأي شخص أن يُصاب بالسرطان، بغض النظر عن مدى سلامة نمط حياته.