معظم “العلاجات” الطبية التي تسمع عنها في الأخبار ليست جاهزة للاستخدام عند البشر

من الصعب جداً تطوير دواء ناجح لعلاج المرض، وخاصةً للسرطان. ولا تتمكن معظم الأدوية المحتملة من النجاح في الوصول إلى البشر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ربما تكون قد قرأت مؤخراً كيف أننا سنتمكن من علاج السرطان خلال هذا العام. هذا الأمر خاطئ، ولكنه ليس خطؤك في القراءة.

إذ نشرت مؤخراً صحيفة جيروزاليم بوست مقالاً سلّط الضوء على الشركة الناشئة أكسيليريتد إيفولوشن بيوتكنولوجيز Accelerated Evolution Biotechnologies Ltd (AEBi) وعلى أبحاث السرطان التي تُجريها الشركة. وتبع ذلك موجة من المقالات الدولية التي أفادت بأن فريقاً من العلماء سيتوصلون إلى علاج للسرطان خلال هذا العام، الأمر الذي يختلف تماماً عما فعله الباحثون في الحقيقة.

يُعتبر البحث والتطوير الدوائي مرهقاً جداً، إذ يتطلب الأمر سنوات من الاختبار قبل أن يتمكن الدواء من الوصول إلى المراحل الأولى من التجارب على البشر. إن فهم آلية كل هذه الأبحاث والاختبارات هو أمر بالغ الأهمية لإدراك حجم أي دراسة طبية أو تأثيرها المحتمل.

النشر للجمهور

قبل نشر الدراسات في المجلات الطبية، يمكن للعلماء الآخرين أن يحكموا على صحة تصميم الدراسة ونتائجها وتفسيرها. وتسمى هذه العملية بمراجعة الأقران وهي أمر أساسي في جميع المجالات العلمية، كما أنها نظام من الضوابط والتوازنات التي تضمن صحة الأبحاث.

في حالة شركة AEBi، لم يتم نشر طرق ونتائج أبحاث السرطان حتى الآن، وبالتالي لم تخضع لمراجعة الأقران بعد. وهذا يعني بأن المعلومات التي تم التوصل إليها تفتقر إلى رأي العلماء غير المشاركين في هذا الموضوع. ولكن هناك عوامل أخرى يجب على شركات التكنولوجيا الحيوية -على وجه الخصوص- أن تأخذها بعين الاعتبار عند تحديد فيما إذا كان النشر سيتم في إحدى المجلات الأكاديمية والوقت الأنسب لذلك.

ويقول جيمي موديانو -الباحث في الطب البيطري والأورام والطب المقارن في جامعة مينيسوتا: “على الشركات أن تحمي أنفسها لتجعل أبحاثها ناجحة في العالم الواقعي بدلاً من أن تكون دراسة منشورة في العالم الأكاديمي”.

ويعدّ التوقيت أمراً بالغ الأهمية. فبمجرد نشر الأبحاث، فإنها تصبح معلومات عامة، وهذا يعني عدم وجود عنصر السرية لتلجأ إليه شركة الأدوية لزيادة فرص النجاح. كما أنه من الأصعب أيضاً تسجيل براءات الاختراع المتعلقة بالمعلومات العامة.

من الفئران إلى الأدوية 

يمكن أن يستغرق تطوير الأدوية في الولايات المتحدة عشرات السنين من وقت اكتشاف مكونات الدواء لأول مرة إلى حين استخدامه عند البشر خارج التجارب السريرية.

الخطوة الأولى تسمى اكتشاف الأدوية وتطويرها، وتحدث عندما يكتشف العلماء الجزيئات الواعدة في مكافحة تأثيرات المرض أو إبطالها، وعادةً ما تستغرق هذه العملية وحدها أكثر أربع سنوات. يختبر الباحثون آلاف الأدوية المرشحة ثم يحصرون الأمر بعدد قليل من الأدوية التي تُظهر الإمكانات للعلاج ويحددون كيف سيتم تطبيق الأدوية المرشحة الواعدة، سواءً على شكل حبوب، أو ربما عن طريق الوريد.

وتدّعي شركة AEBi (التي احتلت عناوين الأخبار مؤخراً بسبب أبحاثها حول السرطان) بأنها عزلت الببتيدات (أي سلاسل من الأحماض الأمينية) خلال هذه المرحلة. وكانت تبحث عن الببتيدات التي من شأنها أن تستهدف الخلايا السرطانية وتدمّرها دون الإضرار بالخلايا السليمة.

وبمجرد أن يطور العلماء أحد الأدوية المحتملة، يقومون بإجراء اختباراتهم الأولية عليه في بيئة ذات تأثير ضئيل، أي ليس على الحيوانات أو البشر. تُجرى الدراسات المخبرية في أنبوب اختبار أو في طبق بتري وعادةً ما تتضمن اختبار آلية الدواء على بعض الجزيئات أو الخلايا أو البكتيريا. إنها أدنى مستويات الدراسة العلمية، ولكنها تمثّل دراسات خط الأساس التي تختبر قدرة الدواء على تحقيق النتيجة المرغوبة، مثل مهاجمة الخلايا السرطانية.

ووفقاً لممثلي شركة AEBi، فقد شملت أبحاث السرطان دراسات ما قبل سريرية والتي اختبرت الدواء على الخلايا البشرية في أنابيب الاختبار. عادةً ما تجرى الدراسات المخبرية في الوقت الحالي قبل إجراء الدراسات على الحيوانات، والتي تأتي بعد ذلك.

أما الدراسات الحيوانية، فهي الخطوة التالية وتكون عادةً مقياساً جيداً لسلامة الدواء وسمّيته، فهي تساعد الباحثين على فهم كيفية تفاعل الدواء الجديد مع الأدوية الأخرى التي قد يتناولها الشخص، أو كيفية تأثيره على الأعضاء الأخرى. ويتم استخدام نتائج الاختبارات الحيوانية لتحديد فيما إذا كان ينبغي اختبار الدواء على البشر، أي مرحلة التجارب السريرية.

ويدّعي ممثلو شركة AEBi بأن علاجهم السرطاني القائم على الببتيدات قام بالقضاء على الخلايا السرطانية عند الفئران المصابة ولم يؤثر على الخلايا عند الفئران السليمة. ولكن ذلك إلى المرحلة التي وصلت إليها الشركة.

تكون قدرة الدراسات الحيوانية محدودة في عكس كيفية الاستجابة للدواء عند البشر. وتكون الدراسات التي تُجرى على الكائنات الحية وفي المختبر ذات شواهد، على عكس مجموعة من الأشخاص الذين يختلفون في الأعمار والأعراق ويعيشون في أماكن مختلفة. وعادةً ما تتعرض الحيوانات المستخدمة في الدراسات لجرعات أعلى من الدواء لفترة أقصر من الوقت بالمقارنة مع الدواء عندما يُستخدم عند البشر.

كما أن الفسيولوجيا البشرية معقدة جداً وقد تكون الحيوانات نسخة سيئة عنها. وقد وجدت إحدى الدراسات التحليلية بأن ثلث الأدوية التي تم اختبارها على الحيوانات وصلت إلى المرحلة الأولى من التجارب السريرية، حيث تم استخدامها لأول مرة على البشر، كما وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على 8٪ فقط من الأدوية التي وصلت إلى المرحلة 1.

ووفقاً لموديانو، فإن هناك الكثير من الأسباب التي تجعل العديد من الأدوية التي تم اختبارها على الحيوانات لا تنتقل إلى التجارب البشرية. فنظراً لمحدوديات التمويل، من الشائع أن يحصل الباحثون على فرصة واحدة فقط لإجراء الدراسة الحيوانية بشكل صحيح، مما يعني بأنه من المهم جداً إعطاء الجرعة الصحيحة وكيفية تطبيق الدواء. كما يقوم الباحثون عادةً بإجراء اختبارات على عدة أدوية محتملة بنفس الوقت ويتبعون الأدوية التي تُظهر نتائج فورية بدلاً من التركيز على تعديل الأدوية التي لم تُظهر نتائج.

كما يقول موديانو بأنه على الرغم من أن اختبارات السمّية الحيوانية تطلبها إدارة الغذاء والدواء بينما لا تطلب الاختبارات التي تثبت فعالية الدواء، إلا أن هذا لا يعني بأن الدراسات على الحيوانات (مثل الفئران) يجب أن يتم تجاهلها.

يقول موديانو: “إذا لم يكن الدواء ناجحاً في الدراسات الحيوانية، فعليك العودة إلى مرحلة التخطيط. ولكن إذا كان الدواء فعالاً بالطريقة التي توقعتها، فإن فكرتك ناجحة وستستمر. إنها تعطيك سبباً للمضي قدماً وللاعتقاد بأنه يمكنه أن يكون فعالاً عند البشر”.

ووفقاً لصحيفة جيروزاليم بوست، فإن العلماء في شركة AEBi “على وشك البدء بالتجارب السريرية”.

ويعدّ البحث السريري هو المرحلة النهائية قبل مراجعة إدارة الغذاء والدواء. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اختبار الدواء على البشر. وربما تكون قد سمعت عن تجارب سريرية تتم على أربع مراحل وتشرف عليها إدارة الغذاء والدواء. ومن الجدير بالذكر بأن المرحلة 1 تكون صغيرة، وتنطوي على ما لا يزيد عن 20 إلى 100 شخص خاضع للاختبار. وهي تقيس السلامة والجرعة (كما هو الحال في التجارب الحيوانية) ولكن بدقة أكبر. وتستمر هذه المرحلة لبضعة أشهر فقط. وتنتقل حوالي 70% من الأدوية التي تدخل المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية من الاختبار، والتي تشمل ما يصل إلى عدة مئات من المشاركين، ويمكن أن تستمر لمدة تصل إلى عامين، وتقيس الآثار الجانبية وفعالية الدواء، أي فيما إذا كانت يعالج الحالات أو الأمراض الذي تم تصميمه لعلاجها. وأخيراً، تصبح الأمور جدية بالفعل في المرحلة الثالثة. إذ تستغرق هذه التجارب ما يصل إلى أربع سنوات وتشمل ما يصل إلى 3000 مشارك طوعي يأملون في أن يكون الدواء الجديد قادراً على علاج الأمراض أو الحالات التي يعانون منها. وتشمل التجارب مزيداً من مراقبة الفعالية والبحث عن التأثيرات الضارة.

وتنتقل حوالي 25% من الأدوية التي تصل إلى المرحلة 3 إلى المرحلة 4، وفقاً لإدارة الغذاء والدواء. إذ يقوم الآلاف من المرضى المتطوعين باختبار سلامة الدواء وفعاليته مرة أخرى. وبعد الانتهاء من المرحلة 4، يمكن تقديم الدواء للموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء.

جزء من الحل

بدون المعلومات التي يتم جمعها خلال كل مرحلة حاسمة من الأبحاث، لم يكن ليتواجد لدينا مضادات حيوية أو لقاحات أو حتى العديد من أدوية الزكام. فكل خطوة في مجال الأبحاث الدوائية تعتبر حاسمة وتعطينا المزيد من المعلومات عن آلية عمل الدواء عند البشر.

ولكن قبل أن يتم اختبار الدواء فعلياً على البشر، فإنه من غير الصحيح التساهل مع الادعاءات المؤكدة للعلاج. وفي مقال نُشر مؤخراً، حذّر جي ليونارد ليكتنفلد -نائب المدير الطبي للمكتب الوطني للجمعية الأميركية للسرطان- من ذلك بقوله: “نأمل بأن يكون هذا النهج مثمراً وناجحاً أيضاً. وفي الوقت نفسه، يجب علينا دائماً تقديم ملاحظة تحذيرية بأن عملية انتقال هذا العلاج من الفأر إلى الإنسان ليست دائماً بسيطة وغير معقدة.”

وقال الرئيس التنفيذي لشركة AEBi إيلان مراد بعد يومين من نشر أول مقال عن أبحاث الشركة بأن فريقهم من العلماء لا يزال لديه “طريق طويل”، ولكن في النهاية يتوقعون بأن “يتوصّلوا إلى علاج لجميع أنواع مرضى السرطان مع القليل من الآثار الجانبية”. دعونا نأمل ذلك.