هل بإمكانك التحرّر من سيطرة هاتفك الذكي عليك؟

حاول أن تشعر بالملل كنوع من التغيير
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك نوع من الغضب الذي يشعرني بالرضا عن النفس كلما رأيت أحداً يصارع من أجل البحث عن أمر ما، لأنه ببساطة لا يستطيع البحث عنه من خلال الهاتف.

مؤخراً، وجدت نفسي عالقة وراء امرأة تحاول بمهارة التسلل بجسمها عبر ممر إحدى الحافلات وهي تحدق بشاشة هاتفها المحمول. أثناء محاولتها أوشكت على التعثر في رصيف عريض، وعلى الرغم من طبيعته المضادة للانزلاق، ولونه الأصفر الفاقع الذي صمم حتى يكون واضحاً للجميع، يبدو أن لونه لا يضاهي قوة إضاءة شاشة الهاتف، ظللت أشاهدها وأنا أحاول إخفاء ضحكتي.

لا أعتقد أن مانوش زومورودي، مؤلفة الكتاب الصادر حديثاً “ضجِرٌ وذكي: إعادة اكتشاف الفن الضائع لملء أوقات الفراغ”، كانت تقصد أن يهزني نصها بهذا الشكل، لقد كان ذلك إحدى الفوائد الثانوية للكتاب.

ولا تحاول زومورودي في الكتاب الذي كان ثمرة لبرنامجها الإذاعي “علمتني الحياة” على محطة “دبليو إن واي سي”، تحويل القراء إلى ناقمين على التطور لا يملكون سوى هواتف عادية. ولكن تحدي الأيام السبعة الذي يتضمنه الكتاب (تحدّ لكل يوم من أيام الأسبوع) صُمم لمساعدة القراء على استعادة أوقاتهم من أدوات اللهو الرقمية، دون التخلي عن استخدام الهاتف الذكي، ومنحهم الفراغ العقلي للإحساس بالملل، نعم بالملل.

تقول زومورودي: “عندما نترك المجال لأنفسنا ونترك الحرية لعقولنا، فإننا نقوم بطريقتنا الأكثر أصالة في التفكير وحل المشاكل. فبدون لهو، سيذهب دماغك إلى أماكن مثيرة للاهتمام وغير متوقعة، ويحتاج الإبداع – بغض النظر عن كيفية تحديده وتطبيقه- إلى دفعة، والملل الذي يسمح بتشكل ارتباطات جديدة هو وسيلة التأمل الأكثر فاعلية.  لذلك، إذا كانت أفضل فكرة لديك لبدء عمل جديد هي الاستعاضة عن محل البقالة بآلة للبيع التلقائي، فأنت لا تشعر بما يكفي من الملل.

ويظهر الكتاب، الذي صدر في سبتمبر 2017، في وقت مثير للاهتمام من حيث المناقشة العامة حول دور التكنولوجيا في حياتنا. يشير عدد متزايد من الأبحاث إلى أن الوصول المستمر إلى المعلومات يغير أدمغتنا، وليس بالضرورة بالطرق التي نريدها.

في الماضي، انصب اهتمام الكثيرين على الطريقة التي يمكن بها للتكنولوجيا أن تضر أو تساعد الأطفال. ولكن وعلى نحو متزايد، يلاحظ الذين تجاوزوا منا سن البلوغ كيف أن الإنترنت قد غيرت سلوكياتنا. ويجد عشاق الكتاب أنهم أصبحوا يكافحون من أجل إكمال قراءة رواية ما،  ويجد الآباء أن نصف اهتمامهم فقط هو لأطفالهم. ولقد اخترت كتاب زومورودي لأنني كنت تعودت العادة السيئة بألا أفعل شيئاً مرة واحدة، ولكن قائمة واجباتي اليومية لم يكن يبدو أنها تتناقص. وكنت أجد نفسي أتابع مقاطع الفيديو على يوتيوب بسرعة مضاعفة، فقد كانت الوتيرة العادية بطيئة جداً.

حتى بعض الناس الذين يطورون التكنولوجيا التي تم تقييدنا بها لاحظوا انفصالاً بين ما يفترض أن تقوم به هذه الأدوات، بحيث تسهل لنا القيام بالأشياء التي نرغب بها، وبين الواقع. وقد أخبر الخبير الإستراتيجي السابق في جوجل، جيمس ويليامز أحد المراسلين مؤخراً أنه ترك الشركة جزئياً لأنه أدرك أن التكنولوجيا كانت تمنعه من التركيز على الأشياء التي كان يريد التركيز عليها. يقول ويليامز لجريدة الجارديان: “لقد كان ذلك النوع من الإدراك الفردي الوجودي: ما الذي يحدث؟ أليس من المفترض أن تفعل التكنولوجيا عكس ذلك تماماً؟”

وقد أطلق ويليامز مؤسسة تدعى “تايم ويل سبنت” Time Well Spent، والتي تقول بأن هذه الأدوات تخطف عقولنا. ويشرح الموقع الإلكتروني للمؤسسة بالتفصيل كيفية تكوين بعض السلوكيات، مثل التشغيل التلقائي في يوتيوب، وشرائط سناب شات، لتجاوز رغباتنا العميقة والاستفادة من تفكيرنا البدائي للاستمرار في المشاهدة، وسحب القوائم، والنقر.

وقد وجد أدريان وارد، الباحث في جامعة أستين، أن شبكة الإنترنت في كثير من أشكالها هي كالوجبات السريعة. فكما تلعب الوجبات الخفيفة على حاجتنا الحيوية العميقة للسكر والدهون، والتي تجعلنا نفرط في تناول هذه الأطعمة غير الصحية، فإن الإنترنت تعبث بوظائفنا المعرفية لزيادة اعتمادنا عليها.

ويؤدي مجرد كون الهاتف الذكي قريباً منا إلى المزيد من التلهي، بينما يجعلنا البحث العميق في جوجل نعتمد بشكل متزايد على ربط الأشياء بتطبيقات الإنترنت، وهو ما يعني بدوره أن علينا أن نقوم بالمزيد من البحث في جوجل عن الأشياء التي اعتدنا تعلمها أو استذكارها. وبالمثل، فنحن ربما نقوم بتصوير الأشياء أكثر من أي وقت مضى، ولكننا نتذكرها بصورة أقل.

وبطبيعة الحال، فإن معرفة كل هذا لن يكون مفيداً جداً إلا إذا كنا نستطيع أن نفعل شيئاً حيال ذلك، وهو ما يراه كتاب زومورودي أمراً في متناول اليد. فهي تحدد برنامجاً مدته سبعة أيام، ولكنه نشاط يومي. تقول زومورودي: “أبقِ هاتفك بعيداً عن يدك وأنت تتحرك” على سبيل المثال. وفي حين أن الفكرة قد تبدو سطحية بعض الشيء، كان الكتاب مفيداً أكثر في المساعدة على تحديد كمية الوقت الذي نقضيه في استخدام الهاتف الذكي (ووسائل التواصل الاجتماعي) بشكل عام (في أسوأ أيامي قضيت 155 دقيقة، والتي أتمنى لو لم أضعها، وكان المعدل اليومي 75 دقيقة)، كما أن الكتاب ساعدني في تحديد أي من تلك الاستخدامات كان الأقل فائدة.

وفيما يلي بعض النصائح التي تساعدك على خفض الوقت الذي تقضيه مع هاتفك الذكي:

  • قم بتتبع استخدامك. من أكثر الأشياء التي فاجأتني معرفتي لحجم استخدامي لهاتفي الذكي. وهناك تطبيقات مثل أوفتايم (آي أو إس وأندرويد)، وبريك فري (آي أو إس وأندرويد)، وريسكيو تايم، تقوم بتتبع استخدامك.
  • حدد أهدافك، ما الذي تريد أن تفعله بالضبط لتملأ به وقتك؟
  • تخلص من الإشعارات، فالإشعارات وجدت لتجبرنا على النظر في هواتفنا، لذلك تخلص منها، خاصة تلك المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي.
  • قم بإزالة التطبيقات التي تسرق الوقت. اللعبة الوحيدة التي قمت باللعب بها على جوالي كانت لعبة 2048، وبمجرد أن فزت فيها لأول مرة، قمت بإلغائها مباشرة، ولم أقم بتنصيب أي ألعاب أخرى منذ ذلك الوقت. أعترف أنني ضعيفة وعاجزة أمام الألعاب.
  • اختر أخف الضررين: لا يجب أن تكون موجوداً على جميع منصات التواصل الاجتماعي. حدد أيها يخدم احتياجاتك والتزم به.

أود أن أقول إنني وبعد اتباع خطوات برنامج زومورودي، استطعت التحكم باستخدامي للهاتف الذكي والإنترنت بشكل كامل. ولكن لا، فما زلت أقضي الكثير من الوقت على هاتفي الذكي، وعدد المرات التي أعيد فتحه فيها تدعو للخجل، لكن الاستخدام الأقل لهاتفي يعني أنني أصبحت أكثر انتباهاً.

خذ مثلاً أزمة المشردين في مدينة نيويورك والتي تحدث في الشوارع المحيطة بمكاتبنا. عندما أرى امرأة شابة حاملاً بلا مأوى، تحمل لافتة تقول: “مجهدة ومكافحة”، لا أستطيع مساعدتها، ولكنني أتساءل إن كان السبب هو أن قضاءنا وقتاً طويلاً نحدق في شاشات هواتفنا أسهل من البحث والنظر في المشاكل التي نشعر بأننا عاجزون عن حلها.

وفي اليوم نفسه، شاهدت منظراً رائعاً للغروب وأنا في المترو عائدة إلى المنزل، لو كنت موجودة على تويتر، ما كنت لأرى أياً من المشهدين. ولذلك، سواء كنت ستتبع برنامجاً للحد من استخدامك للهاتف الذكي أو لا، خذ بعين الاعتبار أن تعيد النظر في الأمر مرة أخرى.