هل تؤثر جيناتِك على مدى فعالية وسائل منع الحمل؟

3 دقائق
في دراسة هي الأولى من نوعها، اكتشف الباحثون أن بعض الاختلافات الوراثية، قد تؤثر على مدى فعالية حبوب منع الحمل. مصدر الصورة: Deposit Photos

مثل كل أطباء أمراض النساء والولادة، كان "آرون لازورڤيتز" أستاذ مساعد أمراض النساء والولادة بكلية الطب بجامعة كولورادو يُصادف أحياناً مريضات قلن بأنهن استخدمن وسائل منع الحمل بصورة مثالية، ومع ذلك حدث الحمل. يقول "لازورڤيتز": "دائماً ما كنت أفترض أنهن قد ارتكبن خطأً ما، بنسيان قرص أو ما شابه ذلك، ثم أعود وأتساءل، ماذا لو كان افتراضي هذا خاطئاً؟".

تَبين من أبحاث سابقة أن للجينات تأثيرٌ يؤدي لظهور استجابات متباينة للأدوية، ونرى ذلك في حالات مثل أدوية أمراض القلب، لكن لماذا لا تُطرح أسئلة مماثلة حول أدوية منع الحمل؟ يقول "لازورڤيتز": "لقد كنا نستخدم نفس الأدوية لعقود من الزمن، دون تفكير في أنها قد تؤثر على كل امرأة بشكل مختلف".

في أول محاولة للإجابة على هذا السؤال، أجري "لازورڤيتز" وفريقه دراسة كشفت أن النساء اللائي لديهن تغيرات جينية معينة- وهي تنوعات طبيعية في الجينوم البشري- تتم لديهن عملية الأيض (Metabolism) لأحد الهرمونات المستخدمة لمنع الحمل بسرعة أكبر، مما يقلل من تركيزه في الجسم، وتم نشر النتائج هذه الدراسة في مجلة أمراض النساء والولادة.

قام الباحثون بقياس مستويات "إيتونوجيستريل - Etonogestrel"- وهو هرمون اصطناعي، يحاكي هرمون البروجسترون، ويُستخدم لمنع الحمل- على 350 امرأة يستخدمن وسائل منع الحمل المزروعة تحت الجلد، حيث أن هذه الطريقة تتمتع بأعلى فعالية، ولا تتطلب من مستخدماتها ضرورة تذكر أخذ حبوب منع الحمل كل يوم. كما قام الباحثون ببتحديد تسلسل الحمض النووي لـ 14 جين لها دور في تنظيم الهرمونات، ووجدوا أن المشاركات اللائي لديهن تغير في جين "CYP3A7"، ظهر لديهن تركيز هرمون منع الحمل في الدم بنسبة أقل من 23%، مقارنة بالمشاركات ذوات الشكل المعتاد للجين.

يقول "لازورڤيتز": "إن وسائل منع الحمل المزروعة تحت الجلد، تتيح جرعة عالية من الهرمون، وحتى مع النقص المتوقع في مستواه عند النساء اللائي يظهر لديهن الجين المتغير، فما يزال لدى هؤلاء النساء كمية كافية من الهرمون تسري في الدم لمنع الحمل".

من الناحية النظرية، يعني ذلك أن هذا الجين قد يؤثر بصورة أكبر إذا استخدمت المرأة وسائل منع الحمل التي تحتوي على جرعة أقل من هرمون منع الحمل، ويضيف "لازورڤيتز": "من المحتمل أن يؤدي نسيان أخذ حبة منع الحمل إلى مشكلة كبيرة لبعض النساء، فالجينات لها دور كبير، وقد تُفوت بعض النساء موعد حبة منع الحمل، ولا تحدث مشكلة، والبعض الآخر إذا فاتته، سيحدث الحمل ".

ويؤكد "لازورڤيتز" على أن هذه الدراسة هي دراسة أولية، وأن النساء اللائي يستخدمن وسائل تحديد النسل الهرمونية لا ينبغي لهن الشعور بالقلق بشأن فعالية هذه الوسائل في منع الحمل، حيث يوضح: "لا يمكننا تقديم أي استنتاجات نهائية، بل يجب أولاً التحقق من صحة ما توصلنا إليه". كما أضاف، لقد سلط الفريق البحثي الضوء على مسألة مثيرة للاهتمام، لكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا إنجازه. تحديداً، يجب أن يتم فحص مستويات الهرمونات لدى النساء اللائي يستخدمن حبوب منع الحمل بدلاً من الوسائل المزروعة تحت الجلد. وستكون نقطة بداية جيدة لو ألقينا نظرة شاملة على الجينوم بأكمله، وليس فقط 14 جيناً التي تم اختيارها في الدراسة.

الأهم من ذلك، أن الدراسة قد فتحت آفاقا جديدة باعتبارها المحاولة الأولى لحل مشكلة الفروق الفردية في الاستجابة لوسائل منع الحمل. يقول "لازورڤيتز: "في السابق كنا نركز على تقديم طرق أفضل لا تعتمد على تناول المرأة حبة كل يوم، على غرار الوسائل المزروعة تحت الجلد"، لكن هناك الكثير مما يمكن تعلمه من خلال إلقاء نظرة عن كثب على تأثير الجينات على الاستجابة الفردية لوسائل منع الحمل، فقد لا ينحصر هذا التأثير على الفاعلية فقط. ويوضح "لازورڤيتز": "من الشائع ظهور أعراض جانبية مصاحبة لاستخدام وسائل منع الحمل، لكن لا تظهر هذه الأعراض الجانبية على كل النساء، وقد تُظهر كل امرأة أعراضاً جانبية مختلفة عن الأخريات. أعتقد أن هناك حاجة لبحث أكثر تعمقاً للإجابة عن هذه التساؤلات".

في الوقت الحالي، العثور على أفضل وسيلة لمنع الحمل لكل امرأة هي عملية تعتمد على التجربة والخطأ بغرض استبعاد الوسائل غير المناسبة، إذا تسببت وسيلة ما في آثار جانبية سيئة على المريضة، فإن الأطباء يحاولون تجربة وسيلة جديدة، حتى يحصلوا على تأثير أفضل. يقول "لازورڤيتز": "من المحتمل أن نتمكن منذ البداية من تقديم وسائل منع حمل مصممة بشكل شخصي. ومع تنامي معلوماتنا، آمل أن يصبح لدينا فحوصات نتمكن بها من اكتشاف ما إذا كانت امرأة ما أكثر عرضة للفشل في منع الحمل إذا حصلت على جرعات أقل، مثل تلك الموجودة في حبوب منع الحمل". ويضيف: "أريد أن يبدأ الناس في أخذ هذ الأمر بعين الاعتبار".

ما زالت نتائج هذه الدراسة أولية، إلا أنها تفتح الباب أمام استكشاف الأسباب التي قد تمنع وسائل منع الحمل من تأدية عملها، وبالتالي تطوير وسائل أكثر تخصصية وملاءمة لكل امرأة على حدا.