يوجد العديد من الاختلافات بين العلاجات الطبيعية والمعالجة المثلية وواحدة منها لا تفي بالغرض

حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يملك لحاء الصفصاف تاريخاً طويلاً في مجال العلاج. فقد استخدمه السومريون منذ أربعة آلاف عام لعلاج الآلام بجميع أنواعها. وكذلك فعل المصريون والصينيون والإغريق من بعدهم. ولكن، وحتى القرن العشرين، لم يفكر أحد  في عزل المكون الفعال فيه وبدء تصنيعه في الحبوب التي نعرفها اليوم باسم الأسبرين. حتى أننا لم نفهم حقاً الآلية التي يعمل بها الأسبرين كمضاد للالتهابات حتى عام 1971، ومع ذلك ظل البشر يعالجون أنفسهم به لآلاف السنين.

يبدو الأمر بشكل من الأشكال بمثابة انتصار للطب الطبيعي. تحتوي شجرة الصفصاف على واحد من أفضل أدوية تخفيف الآلام، وكل ما كان على أولئك الأطباء الغربيين أن يفعلوه هو أن ينتبهوا إلى ما كان المعالجون الطبيعيون يوصون به على مدى عصور طويلة. إن هذا الأمر يجسد قولاً مأثوراً قديماً: إن الطب البديل إذا نجح نسميه طباً حقيقياً.

الكثير من أدويتنا ي ذات منشأ نباتي. ومازلنا نتطلع إليها اليوم لصنع أدوية جديدة محتملة. وهذا يعني أن العلاجات الطبيعية في بعض الأحيان تكون ناجعة. ويمكن لنبات قفاز الثعلب بالفعل أن يعالج قصور القلب لأنه يحتوي على مادة القمعية. كما أن لحاء الكينا والشيح يعالجان ويقيان من الملاريا لأن كليهما يحتوي على الكينين. كما يمكن أن يقي البرتقال من مرض الاسقربوط لأنه غني بفيتامين سي.

نشأت العديد من هذه العلاجات الطبيعية في زمن لم نكن نستطيع فيه إجراء التجارب السريرية أو البحث في المكونات الفعالة. وبمجرد أن بدأنا في القيام بذلك، كانت تلك الأدوية الطبيعية التي أثبتت نجاحها تخضع للإشراف تحت مظلة جديدة: وهي الطب.

ولهذا السبب فإن جميع العلاجات الطبيعية تقريباً هي اليوم علاجات حميدة. وغالباً يتم تطوير النباتات التي تعالج الأمراض بالفعل لتصبح أدوية على شكل حبوب وأقراص وهلام. ومن المؤكد أن هناك بعض العلاجات التي تثبت نجاحها، خاصة فيما يتعلق بالأمراض البسيطة مثل آلام المفاصل والعضلات، حيث أن شركات الأدوية لا تهتم بالضرورة بإنفاق ملايين الدولارات لمجرد تطوير دواء آخر مثل الأسبرين.

ولكن لنكن واضحين بشأن أمر مهم، وهو أن العلاجات الطبيعية والمعالجة المثلية ليست شيئاً واحداً. فالمعالجة الطبيعية، رغم أنها غير مثبتة علمياً، تعتمد في الغالب على استخدام النباتات لعلاج الأمراض. وتنجح بعض هذه العلاجات. ومن حيث المبدأ لا يمكننا رفض العلاج لمجرد أنه يأتي من الطبيعة.

ومع ذلك، يمكننا بالتأكيد رفض جميع العلاجات المثلية. وسنعمل على ذلك.

أزهار قفاز الثعلب، وهو النبات الذي تستخلص منه مادة القمعية السامة، وهي مميت بجرعاتها الكبيرة
حقوق الصورة: دبوزيت فوتوز

وبخلاف العلاجات الطبيعية التي قدمت لنا الأسبرين والكينين، فقد تم اختراع المعالجة المثلية قبل حوالي مائتي عام فقط. وهي تستند إلى مبدأ “المِثل يشفي المِثل”. ولذلك يتم تخفيف العلاجات المثلية بدرجة كبيرة حتى لا يبقى المكون الفعال موجوداً. حيث يزعم المؤمنون بهذه المعالجة أن الماء “يتذكر” المادة، وبالتالي يمكنه علاج الأمراض. إذا كنت تعاني من الصداع، فإن تفكيرك يتجه نحو أن كميات صغيرة من مادة من شأنها أن تسبب عادة صداعاً لشخص معافى قد تصلح لعلاجك. أو مثلما حدث عندما قام أحد المعالجين الطبيعيين الكنديين مؤخراً بوضع الخطوط العريضة لعلاج الخوف من الكلاب بلعاب الكلب المسعور، وأن كل ما عليك هو أن تقوم بتخفيفه.

الماء ليس له ذاكرة. وحتى إذا كانت بعض العلاجات المستخدمة كمكونات فعالة في أدوية المعالجة المثلية قد شفت من الصداع وآلام المفاصل، فإن تخفيفها لآلاف المرات من شأنه أن يعوق قدرتها على مساعدتك. وتلاحظ معاهد الصحة الوطنية الأميركية أن “هناك القليل من الأدلة التي تدعم المعالجة المثلية كمعالجة فعالة لأي حالة محددة” وأن “العديد من المفاهيم الأساسية للمعالجة المثلية لا تتفق مع المفاهيم الأساسية للكيمياء والفيزياء”. كما يخلص المجلس الاستشاري العلمي للأكاديميات الأوروبية إلى نتيجة مشابهة: “لا توجد أمراض معروفة ثبت بالأدلة القوية والقابلة للتكرار على أن المعالجة المثلية فعالة كعلاج بديل لها” وأن “مزاعم المعالجة المثلية غير قابلة للتصديق وتتعارض مع المفاهيم العلمية الراسخة”.

ومن الممكن أيضاً أن تسبب لك بعض العلاجات المثلية الأذى، ليس لأن الماء له ذاكرة، ولكن لأنه ليس هناك ما ينظم عمل المكملات العشبية. فبخلاف أدوية مثل الأسبرين، لا تخضع حبوب الأدوية المثلية لاختبارات للتأكد من أنها تحتوي فعلياً على المادة التي يدّعى أنها موجودة بالكميات المدونة على لصاقة الدواء. وهذا يعني أن العلاجات المثلية التي تصل أحياناً إلى الأسواق تحتوي على السموم، وفي كثير من الأحيان لا يدرك أحد ذلك حتى تتسبب في مشاكل كافية لتقديم شكاوى من إدارة الأغذية الأدوية. وفي العام الماضي ، تسبب معجون للأسنان يعمل بالمعالجة المثلية ويستخدم نبات ست الحسن لتخدير لثة الأطفال، في وفاة عشرة أطفال، وإصابة 400 طفل آخر، لأنه كان يحتوي على مكونات فعالة أكثر بكثير من الكمية التي صرح عنها مصنعوه. ويعتبر نبات ست الحسن، أو الباذنجان القاتل، شديد السمية ويمكن أن يسبب التقيؤ، ونوبات الصرع، وتشوش الرؤية، والوهن العضلي، وعدد من الأعراض الأخرى. (وقد رفضت الشركة المصنّعة استرجاع المعجون، ولكن توقف عملها منذ ذلك الحين في الولايات المتحدة)

ولا يمثل كل مُصنعي العلاجات المثلية اليوم القدر نفسه من الخطر، لكن المهم في الأمر أن هذه العلاجات كلها لا تعمل. لذا لا تحاول الاستفادة منها.

لا يتم تنظيم عمل العلاجات الطبيعية بواسطة إدارة الأغذية والأدوية أيضاً، ولكنها تميل إلى أن تكون أكثر أماناً من المعالجة المثلية، فهي لا تخفّف المكون الفعال، ولذلك فهي لا تستخدم السموم كعلاج للصداع. وهذا لا يعني أن الثوم أو عشبة جنكو بيلوبا أو نبتة العرن أو البلميط أو الشوندرويتين أو القنفذية التي تتناولها سيكون لها التأثير الذي يفترض أن تقوم به. فهي عادة لا تفعل ذلك. ولكن لا يزال مستبعداً أن تسبب لك الأذى (على الرغم من أنه لا يزال عليك أن تطلب من الطبيب أن يقيّم لك أي شيء تفكر في تناوله، لأن بعض العلاجات العشبية يمكن أن تتفاعل بشكل سيئ مع الأدوية الموصوفة).

هل هناك أمثلة على علاجات طبيعية ثبتت كفاءتها؟ يبدو أن هلام أرنيكا يعمل أيضاً لعلاج هشاشة العظام مثل الإيبوبروفين (على عكس هلام الفلفل). ويساعد العسل بالفعل في حالة السعال، ولكن لبضعة أيام فقط. وقد أجريت أبحاث كافية على المتممات الحيوية -المعروفة اليوم كدواء بديل حصري- تثبت أنه يستحق أن يصبح دواء حقيقياً (على الرغم من أن العديد من المنتجات التي يمكنك شراؤها غير مجدية، لأننا لا نزال نتعرف إلى ما يمكن أن تساعد به الميكروبات جسم الإنسان، وأفضل الطرق لإيصالها).

قد يقول البعض منكم الآن: “انتظر، أليست الكثير من المستحضرات الدوائية خطرة؟ والعلاج الكيميائي يكاد يكون سماً حرفياً!”. نعم أنتم على حق. الكثير من الأدوية في السوق لها آثار جانبية خطيرة، والعديد من عوامل العلاج الكيميائي تعمل عن طريق قتل الخلايا الجيدة مع السيئة. لكن الفرق المهم بين تلك الأدوية والعلاجات الطبيعية أو المعالجة المثلية هو أن الأدوية يخضع عملها للتنظيم. ويتعين على المصنّعين الكشف عن جميع الآثار الجانبية المحتملة، ويتم اختبار أدويتهم للتأكد من أنها تساعد في علاج المرض الذي وصفت له. وعلى الشركات أن تثبت فعلياً أن الحبوب تحتوي على ما تدعيه من مواد. إن العلاج الكيميائي، رغم أنه خطير، يستحق المجازفة بشكل عام، كما أن أنواع السرطان التي نستخدم لها العلاج الكيماوي ستقتلك بطريقة أخرى (وتظهر الدراسات أن العلاجات الطبيعية ببساطة لا تنجز مهمتها في هذا المجال).

وخلاصة القول: إذا كان طبيبك يريد أن يصف لك دواء له آثار جانبية أسوأ من الحالة التي تحاول علاجها، فعليك أن تتخلص من مخاوفك، لتصل إلى حل آخر إذا كنت لا تزال تشعر بعدم الارتياح. ولكن يمكنك على الأقل أن تطمئن إلى أن أي نوع من الحبوب التي تحصل عليها من الصيدلي قد خضعت لاختبارات صارمة قبل وصولها إليك، وأن هناك أدلة على أن مكونات الدواء التي يحتمل أن تكون خطرة قد تكون جيدة بما فيه الكفاية مقارنة بالضرر المحتمل. ولا ينطبق هذا الكلام على العلاجات غير المنظمة.

ولكن إذا كنت تعتقد أن نبات الأقحوان الذهبي أو النعناع يعالج الصداع النصفي، فمن المحتمل أن ذلك صحيح. وفي النهاية، الألم هو أمر ذاتي. وإذا كان هناك ما يجعلك تشعر بتحسن، فهو علاج ناجع! ولا تخضع العديد من العلاجات الطبيعية لاختبار يسمح بجعلها دواء حقيقياً، لأنها لا تعمل بشكل أفضل من العلاج البديل عندما تعطى لمجموعة كبيرة. وهذا لا يعني أنها لا يمكن أن يكون لها أي تأثير إيجابي على أي شخص. وهناك الكثير من الناس يشعرون بالارتياح من العلاج البديل، خاصة بالنسبة للأمراض البسيطة مثل الصداع وآلام المفاصل الخفيفة. التزم بالعلاج الناجع ما دمت لا تعاني من آثار جانبية، أو كنت ترفض استخدام دواء ثبتت فعاليته ويمكنه مساعدتك بفعالية أكبر.

لا يجب عليك إصلاح شيء ما إذا لم ينكسر. ربما لا يساعد الكركم في تخفيف آلام الركبتين، ولكن إذا كنت تعتقد أنه يساعد، وأنه لا يسبب مشاكل أخرى، فما المشكلة؟ استمر في شرب هذا الحليب الذهبي قبل النوم. لكن لا تدع حبك للعلاجات النباتية يجعلك مستاءً من سماع الحجج التي تفنّد المعالجة المثلية، لأنها ليست جميعها شيئاً واحداً. والعلاج الذي يقدم نبات ست الحسن المخفف ولعاب الكلاب المخفف للأطفال ليس فكرة جيدة أبداً.