هل يؤدي التبرُّع بالأعضاء إلى نقل الأمراض بشكل كبير؟

دائماً هناك خطر ضئيل بأن ينقل العضو المزروع أحد الأمراض من المتبرع إلى المتلقي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أفادت مؤخراً العديد من وكالات الأنباء أن أربعة نساء في أوروبا أُصِبن بسرطان الثدي بعد أن تلقَّت كل منهن عضواً متبرَّعاً به من نفس المتبرِّعة في عام 2007، وقد مات ثلاثة منهنَّ حتى الآن بسبب المرض.

وتقرير الحالة الذي قام بتفصيل هذه النتائج -التي نُشرت أولاً في المجلة الأميركية لزرع الأعضاء (American Journal of Transplantation) في وقت سابق من هذا العام- يوضِّح كيف أن امرأة (تبلغ من العمر 53 عاماً وتُوفيت بسبب سكتة دماغية) قد تبرَّعت بقلبها وكليتيها وكبدها ورئتيها لأربع نساء مختلفات، وفي حين أن المتبرعة لم تكن تعاني من إصابة موثَّقة بالسرطان عند وفاتها، إلا أن اختبارات الحمض النووي تؤكد أن السرطانات عند النساء المتلقِّيات قد أتت من جسم المتبرعة.

ويحدِّث الدكتور فريدريك بيملمان (مؤلف التقرير) شبكة “سي إن إن” قائلاً إن انتقال السرطان من المتبرع إلى المتلقي هو أمر “نادر للغاية”، إذ يُصاب شخص واحد فقط من بين 5000 شخص تلقَّوا عضواً مزروعاً بالسرطان من هذا العضو.

ولكن نيكول علي (الأخصائية في طب زراعة الكلى في معهد لانغون لزرع الأعضاء بجامعة نيويورك) تقول إن هناك دائماً خطراً لا يمكن معرفته. وذلك لأنها تعتبر العدوى والسرطان مصدر قلق دائم، ولحماية المرضى ومحاولة زرع أكبر عدد ممكن من الأعضاء المتبرَّع بها، يقيِّم الأخصائيون المخاطر والفوائد المحتملة لكل قلب ورئة وكبد وأمعاء وبنكرياس وكلية.

كما أن هناك نقصاً مزمناً في الأعضاء المتبرَّع بها في الولايات المتحدة، ووفقاً للشبكة المتحدة لمشاركة الأعضاء فقد توفي أكثر من 7,000 شخص في عام 2016 أثناء انتظارهم لزرع الأعضاء، وهذا العام هناك أكثر من 114,500 شخص في قائمة انتظار زرع الأعضاء، وتلقى منهم 24,000 شخص فقط عضواً جديداً من 11,600 متبرع هذا العام حتى الآن.

وبمجرد تلقي العضو المزروع، فإن هؤلاء المرضى يتناولون أدوية مثبطة للمناعة (أي أدوية تُضعف استجابة جهاز المناعة)، وذلك لمنع أجسامهم من رفض الأعضاء الجديدة، ولسوء الحظ فإن ذلك يجعل متلقي الأعضاء المزروعة أكثر عرضة للانتقال السريع للسرطانات والفيروسات، بما فيها تلك التي قد تكمن في أنسجتهم الجديدة التي أنقذت حياتهم. ولتقليل المخاطر، يخضع كل متبرع لعملية فحص دقيقة، ويعد فحص المتبرعين الأحياء أسهل من المتوفِّين.

ويذكر أن من الممكن للأصحاء الأحياء أن يتبرعوا بكلية واحدة أو جزء من الكبد أو برئة في حالات نادرة، ولكن قبل خضوع هؤلاء الأشخاص للعملية الجراحية، فإنهم يخضعون لاختبارات دقيقة، حيث يحاول الأطباء معرفة كل شيء عن أجسامهم وتاريخهم الطبي، وتحدِّد شبكة شراء وزرع الأعضاء المبادئ التوجيهية لجميع التبرعات بالأعضاء والمتلقين في الولايات المتحدة، حيث تقول نيكول: “نحاول فحص المتبرعين الأحياء بقدر ما هو ممكن على الإنسان”.

كما يقوم الأطباء بفحص النساء للكشف عن سرطان الثدي وعنق الرحم، والرجال الذين تزيد أعمارهم عن 40 إلى 50 عاماً للكشف عن سرطان البروستات، ويجب أن يخضع أي شخص يزيد عمره عن 45 عاماً (ازدادت المبادئ التوجيهية مؤخراً 5 سنوات) لتنظير القولون، كما يبحث الأطباء عن سرطان الجلد وعن تحاليل الدم غير الطبيعية التي قد تشير إلى شيء أكثر ندرة (مثل سرطان الدم أو الأورام اللمفاوية)، بالإضافة إلى تقييم صحة الكلية أو الكبد بحدِّ ذاتهم. كما تقول نيكول إنه إذا كان لشخصٍ ما تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الرئة، فإنهم يبحثون عن ذلك أيضاً.

وأي شخص مصاب بأحد الأورام الخبيثة النشطة أو بسرطان غير معالج بشكل جيد لا يمكن له أن يتبرع بأعضائه، لكن الأطباء يتعاملون مع الأشخاص الذين لديهم تاريخ من السرطان بمبدأ: كل حالة على حدة، ومع ذلك فإن أخصائيي زراعة الأعضاء يتشاورون مع أطباء الأورام لتقييم خطر انتقال المرض.

كما تقول نيكول إن من الأرجح لشخص لديه تاريخ من الإصابة بسرطان الخلايا القاعدية مثلاً أن يتمكن من التبرع؛ وذلك لأن سرطان الخلايا القاعدية هو سرطان بسيط، ونادراً ما ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم. ومن ناحية أخرى فإن مرض الميلانوما يميل إلى الانتكاس خلال فترة خمس سنوات، لذا فإن وجود إصابة سابقة بهذا المرض غالباً ما يؤدي إلى استبعاد المتبرع المحتمل، أما إذا كانت قد مضت فترة طويلة من الهدوء على الشخص (ما يصل إلى 15 سنة) فمن الممكن للأطباء -في هذه الحالة فقط- أن يضعوا ذلك في الاعتبار.

أما مع بعض الأمراض مثل سرطان الثدي، فتقول نيكول إن الأمر يعتمد بالكامل على نوعه، وما إذا كان السرطان قد انتشر في جميع أنحاء الجسم أم لا، وكم مضى من الوقت منذ أن تم علاج السرطان دون انتكاس.

وتقول: “القيام بكل هذا الفحوصات يستغرق وقتاً، وميزة الوقت هذه غير موجودة إلا مع المتبرع الحي”، وما دام هناك خطر من المرض أو العدوى، فإن الأطباء لديهم الوقت على الأقل للقيام بواجبهم.

وتقول نيكول: “لبعض أنواع السرطان خطر انتكاس منخفض للغاية، أو الذي قد حدث منذ فترة طويلة، ومن المعقول التفكير في استخدام هذه الأعضاء، حيث يستبعد السرطان الكثير منها، وخاصةً عند المتبرعين المتوفين”.

أما إذا تم اختيار شخص متوفٍّ حتى يكون متبرعاً بأعضائه، وتم الإعلان عن موته دماغياً ولكن لم يتم إزاحته بعد عن الأجهزة الداعمة للحياة، فإن كل شيء يحدث بشكل أسرع، إذ يجب على الأطباء أن يطلبوا موافقة الأسرة بسرعة، ثم يأخذوا الأعضاء ويزرعونها عند المتلقي. وتقول نيكول إن العديد من الأعضاء لا تستطيع البقاء إلا لفترة قصيرة جداً خارج الجسم، ويجب على الأطباء أن يعتمدوا على التاريخ الطبي الموجود للشخص والمعلومات المأخوذة من أفراد الأسرة.

وأما الحالة التي حدثت في أوروبا، فلم يكن لدى المتبرعة أي تاريخ للإصابة بالسرطان أو علامات واضحة على المرض عندما ماتت، ويفترض المؤلفون أن من الممكن أن المتبرعة كان لديها نقائل مجهرية من السرطان في جميع أنحاء جسمها، أي خلايا سرطانية صغيرة جداً بحيث لم يتم اكتشافها خلال حياة المرأة.

وقد تناقش مؤلفو التقرير فيما إذا كان إجراء التصوير المقطعي للجسم من شأنه أن يكشف عن السرطان. لكن إذا كانت نظرية النقائل المجهرية صحيحة، فمن المحتمل ألا يكشف التصوير عنها، حيث تقول نيكول إن هناك العديد من السرطانات التي لا يمكن للتصوير المقطعي أن يكتشفها، ولكنه قد يكشف عن آفات غير سرطانية، قد تستبعد التبرع دون وجود داعٍ لذلك. وقد ردَّد المؤلفون هذه المخاوف في تقريرهم، وحذّروا من أن التصوير المقطعي بعد الموت يمكن أن يتسبب في تقليص “مجموعة الأعضاء المتبرَّع بها، وهي شحيحة أصلاً”.

وأخيراً فإن محاولة علاج أكبر عدد ممكن من الناس بأكبر قدر ممكن من الأمان هو أمر يجب على أطباء زرع الأعضاء أن يفكروا فيه كل يوم، فجميع هذه الاعتبارات المعقدة هي أكثر أهمية في بعض الأماكن مثل مدينة نيويورك، التي تمتلك أدنى معدلات التبرع بالأعضاء على الرغم من كونها واحدة من أكثر المدن كثافة بالسكان في الولايات المتحدة، وذلك كما تقول نيكول.