السبب العلمي وراء صورة “مومو” المخيفة

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا كنت متابعاً لما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما تتناوله الصحف هذا الأسبوع، فهناك إذاً فرصة لا بأس بها أن شخصية “مومو” ذات العينين المنتفختين، الأنف المقلوب، والفم المتسع بشكل مخيف مألوفة بالفعل لديك. هذا الوجه المثير للقشعريرة ظهر بعددٍ لا يحصى من التقارير الإخبارية المثيرة، والمشاركات التي لا تنقطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن “تحدٍ” تسلَّل إلى مواقع الانترنت مثل يوتيوب وواتس اب. يعتبر هذا التحدي بشكل كبير مجرد خدعة، لكن لا يمكن إنكار أن الصورة نفسَها مخيفةُ، وذلك لأنها تنتمي إلى ظاهرةٍ مثيرةٍ للجدل والفضول في جهازنا العصبي والتي تُعرف باسم وادي الغريب (uncanny valley).

يقول فرانك ماكاندرو، أستاذ علم النفس في كلية نوكس الذي يدرس ظاهرة التوجس والرعب من الأشياء الغريبة أو غير الطبيعية: “كلما كانت الأشياء أكثر شبهاً بالبشر، نعتقد أنها تبدو أكثر لطفاً بالنسبة لنا، حتى يحدث أن تكون مطابقةً للبشر تقريباً فينقلب شعورك إلى الاشمئزاز”. “ولذلك الدمى التي تبدو حقيقية والدمى الناطقة التي يستخدمها مقدمو عروض التحدث من البطن، نراها في العديد من أفلام الرعب، والشيء نفسه يحدث في أفلام الزومبي أيضا”.

ترجع عبارة “وادي الغريب” إلى فرضيةٍ وضعها الباحث الياباني ماساهيرو موري في العام 1970 من خلال العمل مع الروبوتات في معهد طوكيو للتكنولوجيا. الروبوتات التي تحمل بعض الملامح البشرية غير الواضحة تعتبر محايدةً بالنسبة لعقولنا. وكلما زاد شبههم بنا نبدأ برؤيتهم أكثر لطفاً مثل الروبوت في فيلم (WALL-E). لكننا نبدأ بالشعور بعدم الارتياح عندما تصبح الروبوتات شديدة الشبه بنا شكلاً وحركة. لكن نظرياً سيبدأ هذا الشعور بعدم الراحة بالاختفاء مرة أخرى، إذا بدت الروبوتات وتصرفت مثل البشر تماماً، على غرار مسلسل (Westworld).

يمثل (وادي الغريب) هبوطاً حاداً في المنحنى نحو منطقة الشعور بالخوف

ورغم أن “مومو” ليس روبوتاً فإن جهازنا العصبي يتعامل معه كما يتعامل مع الروبوتات واقعية الشبه بالبشر. يقول ماكندرو: “عندما تقوم برؤية شيء مثل مومو، فإنه يحفز قدرتك على الانتباه، فأنت تقوم بالتركيز على شيء ما، وتحاول معالجته حتى تتمكن من فهمه”. تلك الحيرة هي أساس الشعور الذي يترجمه الانسان إلى إحساسٍ بالرعب. نستطيع التعرف على النمط العام للوجه البشري، لكن أبعاد الوجه غير مألوفة وأدمغتنا تراها مستحيلة التحقق في الظروف الطبيعية. “إن البشر يحبون الوجوه” كما تقول مارجي كير عالمة الاجتماع ومؤلفة كتاب (الصرخة: مغامرات تقشعر لها الأبدان في عِلم الخوف) (Scream: Chilling Adventures in the Science of Fear)، “نحن مُصَممون للتعرف على الوجوه وتحليل تعبيراتها للقيام باتخاذ قرارٍ سريع، إذا كنا تستطيع الثقة بأصحاب تلك الوجوه أم لا، شيء مثل هذا يُحفّز نوعاً من نمط التعرف على الأخطاء في عقلنا”. النظام الذي نستخدمه عادة لتصنيف وتحليل الوجوه، لا يعمل كما اعتدنا عليه، مما يخلق تنافراً غير مرغوب فيه.

في عام 2011 قامت دراسة نشرت في (Frontiers in Human Neuroscience) باستخدام جهاز  التصوير بالرنين المغناطيسي لقياس وظائف الدماغ (FMRI) لتحليل صورة دماغ الأفراد المشاركين في الاختبار أثناء محاولتهم تفسير وجوه بشرية ووجوه مرسومة رقمياً تقع على كلا جانبي ما يعرف بوادي الغريب. أظهرت النتائج زيادة وقت معالجة الصور في الدماغ إذا كانت لوجوه تقع قرب حدود الحقيقية أو المتشبهة بالحقيقية، كذلك زيادة نشاط مناطق مختلفة في الدماغ اعتماداّ على ما كان يلاحظه الشخص الذي يتم اختباره.

في عام 2016 قام باحثون من جامعة ستانفورد بمحاولة اكتشاف أين يقع (وادي الغريب) تحديداً بالنسبة للوجوه الروبوتية عن طريق عرض مجموعة متنوعة من الروبوتات على أفراد خاضعين للاختبار، ثم قام الأفراد بتقييم الوجوه بناء على مدى كونها محبوبةً ومدى جدارتها بالثقة. أدت النتائج إلى تعزيز فكرة (وادي الغريب) إلى حدٍ كبير. تقول الدراسة: “حتى درجة معينة، تصنف الروبوتات الميكانيكية بأنها محبوبةُ أكثر كلما زاد تشابهها مع البشر وابتعادها عن التعبيرات القريبة للحياد التي تظهر على غالبيتها. لكن بمجرد أن أصبحت الوجوه بشريةً أكثر منها ميكانيكية بدأ الشعور بعدم تقبلها يبدو واضحاً”.

وجه “مومو” يقع في تلك الفئة الأكثر شبهاً بالإنسان، لكن فقط في سياق الصورة سيئة السمعة التي تنتشر حاليا، “مومو” هي في الحقيقة منحوتة تسمى الطائر الأم (Mother Bird) والتى صنعها الفنان كيسوكو ايساوا في ورشة للمؤثرات الخاصة تسمى (Link Factory). عندما تقوم بتصغير الصورة؛ لترى كامل التمثال. ستجد أن لديه جسم وساقيّ طائرٍ مع وجه بشري.

تقول كير: “بمجرد أن ترى التمثال بالكامل ستجده أشبه بوحشٍ، وهذا في الحقيقة من الممكن أن يقلل تأثير إحساسك بالخوف”، إذا قام شخصٌ ما بالتركيز على صورة أو فكرة “مومو”، فإن النظر الى كامل المنحوتة من الممكن أن يساعد على إعطائه سياقاً وجعله حقيقياً. حتى مجرد محاولة تعلم المزيد عن الفنان المنفذ للتمثال من الممكن أن يساعد على إبعاد الغموض واستبدال الصورة الأكثر إثارةً للرعب داخل العقل.

في حين يمكن أن يساعد وضع الوجود الفعلي لتمثال “مومو” في سياقه الصحيح على تهدئة المشاعر السيئة تجاهه، فإن تفاعلك مع رؤية الصورة لأول مرة بإمكانه ان يترك تأثيراً عميقاً، قد يتناقص لاحقاً مع كل مرة، ترى فيها الصورة. يقول ماكندرو: “سيكون الأمر مخيفاً للغاية في المرة الأولى التي تشاهدها، وتفكرِّ فيها، لكن بمجرد أن تقرِّر كيف تراها في عقلك، وتقوم بتصنيفها بشكل صحيح، عندها ستتذكر اعتقادك عنها أنها بدت مخيفة، بدلاً من التفاعل مع الصورة بشعور خوفٍ حقيقي”.

لذا، في حين أن الذعر الإعلامي حول “مومو” قد يكون مُبالغاً فيه، فمن الطبيعي تماماً أن تجد الصورةَ نفسهَا مخيفةً قليلاً، على الأقل حتى يتعرف عقلك على ما ينظر إليه بالفعل.