علماء يحاولون استكشاف عقول الإرهابيين

يختلف لدى الإرهابيين الشعور بالأخلاق بشكل أكثر من معظم الناس، حتى بالمقارنة مع غيرهم من القتلة.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أعقاب الهجمات الإرهابية الأخيرة التي حدثت في مانشستر، والتي قتل فيها 22 شخصاً – معظمهم من الآباء والأمهات والمراهقين والأطفال دون عمر ثمانية أعوام – من قبل انتحاري، فإن السؤال الذي تبادر إلى أذهان الكثيرين هو كيف يمكن لهذا الانتحاري أن يفعل ذلك؟ ويجد الكثير من الناس أنفسهم يسألون هذا السؤال في كثير من الأحيان، وليس فقط بعد الهجمات التي يتم تغطيتها على نطاق واسع في الولايات المتحدة، وإنما أيضاً في بلدان أخرى مثل كينيا ونيجيريا حيث تحظى الهجمات الإرهابية التي تنفذها جماعات مسلحة مثل بوكو حرام وحركة الشباب باهتمام عالمي أقل، إلا أنها ليست أقل فتكاً أو فظاعةً.

وعلى الرغم من السلوكيات التي يصفها الكثيرون بأنها غير أخلاقية، إلا أن الإرهابيين غالباً ما ينفذون نشاطاتهم بدافع أخلاقي، حيث يستشهدون بمفاهيم مثل “التطهير الاجتماعي” و “التطهير الأخلاقي”، ويهاجمون الناس والرموز الذين يعتقدون بأنهم يمثّلون هذه العيوب الأخلاقية. ولكن كيف يمكن لأشخاص يزعمون بأن الأخلاق هي التي تدفعهم أن ينخرطوا في سلوكيات تبدو – من الخارج – غير أخلاقية أبداً؟

وقام أغوستين إيبانيز – الباحث في العلوم المعرفية في مؤسسة إينيكو الأرجنتينية في جامعة فافالورو -وأدولفو غارسيا – الباحث في المجلس الوطني للأبحاث العلمية والتقنية (CONICET) – بخطوة مثيرة لفهم آلية الاختلاف بين عقول الإرهابيين وعقول الناس الذين لا يرتكبون أعمالاً إرهابية.

وفي الدراسة التي نشرت بتاريخ 26 مايو 2017 في مجلة Nature Human Behavior، قام إيبانيز وغارسيا (إلى جانب الدعم البحثي من جامعة أوتونوموا ديل كاريبي، وجامعة لوس أندس، وجامعة ICESI في كولومبيا، وجامعة أدولفو ايبانيز في تشيلي، وكلية بوسطن) بدراسة المحاكمات الأخلاقية لـ 66 إرهابياً.

وفي حين أن الهجمات الإرهابية تعتبر مفهوماً جديداً نسبياً للأميركيين خارج منطقة جيم كرو في الجنوب، فقد ظلت كولومبيا أكثر من عشرين عاماً تحت التهديد المستمر للهجمات الإرهابية من الجماعات شبه العسكرية والتي تشير بعض التقديرات إلى أنها قتلت ما يصل إلى 70 ألف شخص (حدث اتفاق سلام أخيراً هذا العام، ولم يتبق سوى مجموعة واحدة). وقام غارسيا وإيبانيز وزملاؤهما بإخضاع 66 إرهابياً محتجزاً لمجموعة من اختبارات الأداء المعرفي، والتقييمات التي تهدف إلى اختبار العدوانية، وتقييم الإدراك العاطفي، ومهمة الأحكام الأخلاقية.

وكان المشاركون الإرهابيون البالغ عددهم 66 شخصاً أعضاءً في جماعة شبه عسكرية مسلحة غير شرعية تم تصنيفها على أنها منظمة إرهابية من قبل بلدان كثيرة. وكان كل واحد منهم قد أدين بارتكاب جريمة قتل 33 ضحية بشكل وسطي. كما شارك بعضهم في مجازر قُتل فيها ما يصل إلى 600 شخص. وتمت مقارنتهم مع 66 شخصاً مماثلاً من النواحي الاجتماعية والديموغرافية (أي أشخاص من نفس التعليم والخلفية، ولكنهم لم يكونوا مجرمين).

ووجد الباحثون بأنه من حيث الوظائف التنفيذية والتفكير – أي قدرتنا على تنظيم سلوكياتنا بشكل ذاتي من بين أمور أخرى – لم يكن الإرهابيون مختلفين عن باقي الأشخاص. كما أنهم لم يكونوا أكثر عدوانية. فهم ليسوا أكثر عرضة لفقدان السيطرة على النفس رداً على التهديد. ولكنهم كانوا أكثر عدوانية بشكل استباقي: حيث كانوا أكثر عرضة للتصرف بعدوانية بطريقة تشير إلى أنهم كانوا يتوقعون الحصول على مكافأة مقابل عدوانهم.

إن الأمر أشبه بطفل يدفع طفلاً آخر للحصول على حلوى أو لعبة. وفي حين أن معظم الأشخاص لا يفعلون ذلك بعد سن الطفولة، إلا أن الإرهابيين قد يفعلون ذلك، خاصة وأن الأشخاص قيد الدراسة لم يكونوا جيدين في تحليل مشاعر الآخرين (أبرزها الغضب والحزن والاشمئزاز). ولم يكن الأمر بأنهم لا يهتمون بمشاعر الآخرين بهذه الطريقة، بل إنهم لا يميزونها حقاً.

الإرهابيون لديهم صعوبة في التعرف على المشاعر.
حقوق الصورة: Pexels

وكانت أبرز النتائج تلك الناجمة عن مهمة الأحكام الأخلاقية. حيث تم عرض 24 سيناريو مكتوب على المشاركين، وفيها كان يتفاعل شخصان مع بعضهما، مما يؤدي إلى عدم حدوث أذية، أو حدوث أذية بالصدفة، أو القيام بأذية دون نجاحها، أو تنفيذ أذية ناجحة. وكان على المشاركين تقييم مدى قبولهم للسلوكيات في كل سيناريو.

ويقول إيبانيز في حديثه إلى بوبيولار ساينس: “أظهرت دراسات متعددة في جميع أنحاء العالم بشكل منهجي بأنه عند الحكم على أخلاقية فعل ما، فإن الأفراد المتحضرين يولون أهمية أكبر للنوايا بالمقارنة مع النتائج. فإذا كان الفعل يهدف إلى إحداث ضرر، فلا يهم فيما إذا كان ناجحاً أم لا، فمعظم الناس يعتبرونه أقل قبولاً من الناحية الأخلاقية بالمقارنة مع الأفعال الأخرى التي لم يكن المقصود بها إلحاق الضرر، أو حتى الأفعال التي يحدث فيها الضرر بالصدفة”.

وتعتبر النية مهمة بالنسبة لمعظم الناس. فإذا كنت أقصد أن أرديك أرضاً وفشلت في ذلك، فهذا أسوأ بكثير مما لو أرديتك أرضاً دون قصد. وإذا كان ذلك يبدو من البديهيات، فإن الأخلاق قد انقلبت بالنسبة للإرهابيين المشمولين بالدراسة. حيث صنفوا الأضرار غير المقصودة بأنها أسوأ من الأضرار المتعمدة الفاشلة، لأنه لم يصب أحد بأذى في الحالة الأولى، بينما أصيب بالأذى في الحالة الثانية. ويقول مؤلفو الدراسة: “من المستغرب بأن هذا الأحكام الأخلاقية تشبه تلك التي تلاحظ في مراحل التطور المبكرة”.

وربما يعني هذا الميل بالتركيز بشكل أكبر على النتائج بدلاً من النوايا الكامنة بأن الإرهابيين قد ركزوا بشكل أكثر على النتائج من الشخص العادي، وأن السلوك الإرهابي “موجّه بالهدف”. ويقول مؤلفو الدراسة: “تتميز العينة التي قمنا بدراستها بالميل العام إلى التركيز بشكل أكبر على نتائج الأفعال من النوايا الكامنة وراء هذه الأفعال”. فالإرهاب هو أسوأ نظام للإنتاجية في العالم، لأنه عندما يقترن مع نظرية الاختيار العقلاني – والتي تنص على أننا نميل إلى التصرف بطريقة تضمن الحصول على المردود الأعظمي بأقل قدر من التضحية الشخصية – فإن قتل الكثير من الناس للوصول إلى الهدف، يبدو منطقياً بغياب الناحية الأخلاقية.

ولكن كيف نعرف بأن هذا الأمر مرتبط بالإرهاب وليس بالإجرام؟ فكّر الباحثون في ذلك أيضاً. حيث قاموا بعرض نشاط المحاكمة الأخلاقية على القتلة المسجونين والذين ليس لديهم خلفية إرهابية، وكانوا مطابقين للأشخاص الإرهابيين من ناحية العمر، وعدد سنوات السجن، والتعليم، والخلفية. وتصرف القاتلون بشكل أشبه بمعظم الناس.

وقال غارسيا: “كنا نتوقع أحكاماً أخلاقية غير طبيعية عند الإرهابيين، ولكننا في الواقع تفاجأنا جداً بانتقائية هذا النمط. فبالمقارنة مع أكثر من 20 مقياساً آخر (مهام متعددة تتضمن العدوانية ومختلف الوظائف المعرفية والعاطفية الأخرى)، كانت المحاكمة الأخلاقية هي المتغير الذي تميز بشكل أكبر بين المجموعات”.

مرة أخرى، نحن لا نعرف لماذا يفكر الإرهابيون كذلك، ولكن يقول إيبانيز: “كملاحظة نوعية، فإن أحد العناصر التي ينطوي عليها الأمر هو أن الصراع الكولومبي يفاقمه عوامل اجتماعية ثقافية متطرفة قد تدعم التعلم الاجتماعي للإدراك الأخلاقي الشاذ، فمعظم هؤلاء الأشخاص يأتون من فئات ضعيفة جداً من المجتمع. فهؤلاء ممن يعانون من الفقر المدقع ومستويات التعليم المتدنية والسوابق المتعددة لسوء معاملة الأطفال، ومستويات عالية من الانتهاكات الجنسية، وكثيرا ما يُجبرون على المشاركة في حرب العصابات أو القوات شبه العسكرية، أو أنها قد تمثل سيناريو أفضل بالمقارنة مع الظروف المعاكسة السابقة”.

ويردد إيبانيز النتائج الأخرى التي تشير إلى أن العزلة الاجتماعية يمكن أن تساهم في التطرف الذي يقود الشخص للانضمام إلى جماعة إرهابية. وعلى الأرجح، فإن هناك شيء واحد لم يكن عاملاً لهؤلاء الأشخاص – على الرغم من لغة الأخلاق التي تتبناها الجماعات الإرهابية – ألا وهو الأيديولوجية.

ويقول غارسيا: “في هذه الفئة من السكان، لا يبدو بأن الدين أو الأيديولوجية هو العامل الأكثر أهمية. وفي الواقع، فإن الموقف الأيديولوجي بشكل عام يبدو بأن له تأثير جزئي فقط. إذ أن معظم المقاتلين السابقين في كولومبيا انضموا إلى الجماعات شبه العسكرية لأسباب اقتصادية، لأنهم يحصلون على رواتب. ولم يكن سوى لدى 13 في المائة تقريباً من المقاتلين السابقين حافز أيديولوجي للانضمام إلى الجماعات شبه العسكرية. وبالتالي، فمن غير المحتمل أن تكون الأعمال الإرهابية وغيرها من الأعمال الإجرامية (المجازر والقتل والسرقة والاختطاف والاحتيال) التي يرتكبها هؤلاء الأفراد موجّهة بحكم قناعاتهم الأيديولوجية. وتشير نظريات العلوم الاجتماعية باستمرار إلى أن الأيديولوجية والأعمال يرتبطان أحياناً، ولكن ليس دائماً. فالعديد من الارهابيين ليسوا من الأيديولوجيين أو شديدي الإيمان بمذهب متطرف”.

ويؤكد إيبانيز بأن اختبار الأخلاق ليس أداةً للكشف عن “الإرهابيين المحتملين” أو عاملاً لتحديد الإرهابيين الذين ينبغي الإفراج عنهم عند صدور الحكم. ومع ذلك، إذا تم تأكيد هذا الاستنتاج في الدراسات المستقبلية، فقد يكون مفيداً كأداة لمعرفة الأشخاص الذين قد يحتاجون إلى بعض التدخلات النفسية والمراقبة لمساعدتهم على إعادة الاندماج في المجتمع بشكل أفضل. وبما أننا ما زلنا لا نعرف سبب تفكير الإرهابيين المشمولين في الدراسة بهذه الطريقة، فإن ذلك يستدعي إجراء المزيد من الدراسات.

ويقول غارسيا في رسالته بالبريد الإلكتروني إلى بوبيولار ساينس: “لا يمكن لبحثنا أن يجيب على الأسئلة المتعلقة بسبب هذا التقييم الأخلاقي الشاذ. فالإرهاب والتطرف هما من الظواهر متعددة العوامل والتي تشكلها ديناميكية الجماعة، والاستعدادات البيولوجية، والقيود الثقافية والعوامل الاجتماعية والنفسية. وقد يكون هذا الشكل الشاذ من الإدراك الأخلاقي هو نتيجة الانخراط في الممارسات الإرهابية. ويلزم إجراء المزيد من الأبحاث للرد على هذا التساؤل”.