ما الذي يجعلنا غير قادرين على دغدغة أنفسنا؟

الأمر مختلف تماماً عندما تفعل ذلك بنفسك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مرّر يدك أو اضغط بأصابعك معاً على ساعدك، ومن ثمَ تخيَل أن شخصاً آخر يقوم بالأمر نفسه. كلا الإحساسين مختلفان مع أن اللمسة هي ذاتها في الحالتين. ويعتبر ذلك بديهياً لأن أي شخص آخر قد يلمسك دون أن تملك معلومات مباشرة عمَا إذا كانت اللمسة ستستمر أو ستتغير. إذن لا يستطيع معظم الناس دغدغة أنفسهم لعدم توفر عنصر المفاجأة. كما وتكشف دراسة حديثة من مجموعة باحثين في جامعة لينكوبينغ السويدية عن وجود المزيد من التشويق.

تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة ريبيكا بوهمه: “أعتقد أنَ حاسة اللمس واللمس المتبادل بين الأشخاص أمرٌ مهمٌ جداً لنا كبشر لكنه لا يُدرَس بشكلٍ كبير”. حيث يعتبر اللمس الوسيلة الأولى التي يتعرف بها البشر على بعضهم البعض، كما أنه في مرحلة متقدمة قبل الولادة، يشعر الجنين خلال مراحل تطوره الأخيرة بما يحيط به داخل رحم أمه. كما وتقول بوهمه أنه حتى خلال حياتنا بعد الولادة، يُشكل التلامس الاجتماعي والتلامس المتبادل بين الأشخاص جزءاً أساسياً من الكيفية التي نستكشف بها العالم، فبدءاً بالمصافحة بالأيدي ووصولاً إلى التقاط طفل ما، فإن لمسنا للآخرين – وإحساسنا بلمسهم لنا في المقابل – يعطينا معلومات عن علاقاتنا ومحيطنا.

لكن أدمغتنا تعالج اللمسات الاجتماعية والذاتية بسرعات وكثافات مختلفة. حيث تساعد الدراسة الجديدة في تسليط الضوء على بعضٍ من أجزاء هذه العملية. فقد أجرت بوهمه وزملاؤها سلسلة من ثلاثة اختبارات على مجموعات مختلفة من المشاركين في التجربة لمعرفة ما يحدث في الجهاز العصبي والدماغ أثناء اللمس الذاتي واللمس الذي نتعرض له من الآخرين.

ففي الاختبار الأول أخضع الباحثون الأشخاص قيد الاختبار للتصوير بالرنين المغناطيسي ووجدوا أنه أثناء اللمس الذاتي كانت مناطق الدماغ النشطة لديهم أقل مساحة وكثافة مما كانت عليه أثناء تعرضهم للّمس من المشرفين على التجربة.

أما في الاختبار الثاني فقد طلبوا إلى الأشخاص قيد الاختبار أن يلمسوا أذرعهم، وقاموا في الوقت نفسه بوكزهم بسلك بلاستيكي ناعم. ثمَ سألهم الباحثون عما إذا كانوا قد أحسّوا بالسلك، وما هو المكان الذي شعروا فيه بلمستهم أكثر: في اليد التي تقوم باللمس أم في الذراع التي تتلقى اللمس.

وفي الاختبار الثالث: وضع المختبرون أقطاباً كهربائية على أصابع الإبهام لدى المشتركين لكي يتتبعوا مدى سرعة معالجة الدماغ للمعلومات التي تصدر عن اللمس الذاتي أو عن لمس الآخرين.

لم تكن النتيجة مفاجئة على الإطلاق، فقد وجد الباحثون أن الإحساس باللمس الذاتي كان أقل أهمية بالنسبة لأدمغة الأشخاص الذين خضعوا للاختبار مقارنة بإحساسهم بلمس الآخرين لهم. لكن مستوى الاختلاف بين الإشارة الصادرة عن التعرض للمس من الآخرين والإشارة الصادرة عن اللمس الذاتي كان مفاجئاً، حيث تقول بوهمه: “لم أتوقع هذا القدر الكبير من الاختلاف”.

لقد بيَنت هذه الدراسة أن أدمغة الأشخاص الذين خضعوا للاختبار قد أدركت بوضوح الاختلاف بين التعرض للّمس الذاتي والتعرض للّمس من الآخرين، وقامت بتقويم هذين الاختبارين بشكل مختلف. إذن من خلال اللمس يمكن تعريف الفرق بين “أنا” و”لست أنا”. لكن الأشخاص لا يشعرون جميعهم باللمس بنفس الطريقة، فبعض الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل انفصام الشخصية أو التوحد يشعرون باللمس الذاتي بحدة أكبر من معظم الأشخاص النموذجيين من الناحية العصبية (من خارج الطيف التوحدي).

تقول بوهمه أنها تأمل في المرحلة المقبلة من البحث بتكرار التجارب التي أجريت على الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية في هذه الدراسة. وتقول: “يشير الكثير من العلوم إلى أن اللمس قد يكون له دورٌ مساهم في الاضطرابات النفسية”.

إن تحسين فهمنا للكيفية التي يدرك بها الدماغ اللمس قد يساعد الناس في التعامل مع حالاتهم المختلفة وتحسين نوعية الحياة التي يعيشونها.