ما هو التشابك الكمومي؟ ولماذا يريد الفيزيائيون استخدامه؟

التشابك الكمومي
يُعتبر جسيمان متشابكان عندما نعجز عن وصف أحدهما بدقة دون معرفة معلومات عن الآخر. حقوق الصورة: إز فوتو/ شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“التشابك الكمومي” هو أحد الظواهر التي تظهر في حبكات العديد من أفلام الخيال العلمي حالياً. مثلاً، تعتبر فكرة مثل دمج الخطوط الزمنية المختلفة وتقاطعها مألوفة بالنسبة لمتابعي أفلام شركة “مارفل”، وكذلك الأمر بالنسبة لفكرة ارتباط مصائر الشخصيات بطرق تبدو سحرية.

لكن ظاهرة التشابك الكمومي ليست فقط فكرة خيالية، بل إنها ظاهرة حقيقية محيرة ومفيدة للغاية. ظاهرة التشابك هي إحدى الأفكار التي تنتمي إلى فرع في الفيزياء يسمّى “ميكانيكا الكم”، وهي نظرية تصف الطبيعة على المستوى الذري ودون الذري.

إن فهم واستغلال ظاهرة التشابك هو أمر ضروري لتطوير العديد من التكنولوجيات الحديثة. تتضمن هذه التكنولوجيات الحواسيب الكمومية، والتي تستطيع حل بعض المسائل بسرعة أكبر بكثير من الحواسيب العادية، وأجهزة الاتصالات الكمومية، التي ستمكننا من التواصل مع بعضنا دون التعرض للتنصت.

لكن ماذا يعني التشابك الكمومي بالضبط؟ يعتبر جسيمان في ميكانيكا الكم متشابكان إذا لم نتمكّن من وصف أحدهما بدقة تامة دون أن تكون بحوزتنا معلومات عن الآخر. يعتبر الجسيمان في هذه الحالة “متصلين” بطريقة تجعلهما غير مستقلين عن بعضهما. بينما تبدو هذه الفكرة منطقية للوهلة الأولى، إلا أنها عصية على الفهم فعلاً، ومازال الفيزيائيون يتعلّمون المزيد عنها.

اقرأ أيضاً: ما هي الشبكات الكمومية؟

أحجار النرد الكمومية

افترض أنني أعطيتك أنت وصديقك صندوقين صغيرين أسودين غير شفافين، وكان كل صندوق منهما يحتوي على حجر نرد سداسي الوجوه. ثم افترض أني طلبت منكما هز الصندوقين وتحريك حجري النرد، ثم الابتعاد عن بعضكما. يذهب صديقك إلى منزله في مدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا مثلاً، وتعود أنت إلى منزلك في مدينة ديربان في نفس البلد. لن تتواصل مع صديقك أبداً خلال هذه العملية، وعندما تصلان إلى منزليكما، يفتح كل منكما صندوقه وينظر إلى الوجه العلوي لحجر النرد ليرى الرقم. 

التشابك الكمومي
حقوق الصورة: شترستوك.

في الحالة الطبيعية، لن يكون هناك أي ارتباط بين الرقمين اللذين يظهران. سيكون احتمال أن يرى صديقك أي رقم بين 1 و 6 هو نفسه، وينطبق نفس الأمر عليك. الفكرة المهمة هي أن رؤية صديقك لرقم معين لن تؤثر أبداً على رؤيتك أنت. 

هذا ليس أمراً مفاجئاً، فهذه هي الطريقة الطبيعية التي تسير بها الأمور. لكن إذا رغبنا بأن نجعل هذه التجربة “كمومية”، ستسير الأمور بطريقة مختلفة للغاية. افترض أني طلبت منكما أن تجعلا الصندوقين يتلامسان، ثم تقومان بهزّهما والابتعاد عن بعضكما.

تقابل ملامسة الصندوقين في ميكانيكا الكم جعل حجري النرد مرتبطان، أو متشابكان، بطريقة غامضة. عندما تصلان إلى منزليكما، وتفتحان الصندوقين وتنظران إلى الوجه العلوي لكل حجر، من المضمون أن يكون الرقمان مرتبطين بشكل مثالي. إذا رأيت أنت رقم 4 في مدينة ديربان، ستعلم أن صديقك قد رأى أيضاً رقم 4 في كيب تاون، وإذا رأيت الرقم 6، فسيرى هو أيضاً 6.

في هذا التشبيه، يمثّل حجرا النرد جسيمين إفراديين (مثل الذرات أو جسيمات دون ذرية تدعى الفوتونات)، بينما يمثل تلامس الصندوقين العملية التي تجعلهما متشابكين، ما يجعل قياس أي منهما يمنحنا معلومات عن الآخر.

اقرأ أيضاً: ما هي النقاط الكمومية، ولماذا نصنعها من الشاي؟

تحسين جودة التشابك الكمومي

حسبما نعلم، لا توجد طريقة لمسيّة سحرية تجعل حجري النرد مرتبطان على مقاييسنا العيانية البشرية (إذا كان هذا غير صحيح، سنستطيع أن نلحظ الظواهر الكمومية في حياتنا اليومية، ولن يكون ميكانيكا الكم غريباً ومحيراً لهذه الدرجة على الأرجح). حالياً، يجب أن يرضى العلماء بالتعامل مع الأشياء، مثل الذرات المشحونة التي تسمى “الأيونات”، أو الأجهزة فائقة التوصيل التي تسمى “الترانزمونات”، على المستوى المجهري، حيث تكون ملاحظة الظواهر الكمومية أسهل بكثير.

هذه هي التكنولوجيا التي يتم العمل عليها في “مختبر الضوء المنظم” التابع لجامعة ويتواترسراند في جنوب إفريقيا. بدلاً من الأيونات أو الترنزمونات، يستخدم الباحثون في المختبر جسيمات الضوء، والتي تسمى الفوتونات، لفهم ميكانيكا الكم وتداعياته بشكل أفضل. نحن مهتمون باستخدام الطبيعة الكمومية للضوء لمجموعة متنوعة من الأغراض، من تصميم أنظمة اتصالات فعالة غير قابلة للقرصنة تماماً، إلى إنشاء طرق لتصوير العينات البيولوجية الحساسة دون إتلافها.

غالباً ما يتطلب إجراء مثل هذه الدراسات البدء بدراسة الفوتونات التي تتم مشابكتها في المختبر. لكن الأمر ليس ببساطة وضع حجري نرد في صندوقين منفصلين والربط بينهما. العمليات المستخدمة لإنشاء فوتونات متشابكة في مختبر حقيقي مقيدة بالعديد من المتغيرات التجريبية. يتضمن ذلك شكل أشعة الليزر المستخدمة في التجارب وأحجام البلورات الصغيرة حيث يتم تكوين الفوتونات المتشابكة. يمكن أن تكون نتائج هذه العملية دون المستوى المطلوب، ما يجعل الباحثين مضطرون للتخلص بشكل انتقائي من بعض القياسات بمجرد إجراء التجربة. هذا ليس وضعاً مثالياً، إذا أن الفوتونات يتم التخلّص منها، وبالتالي يتم إهدار الطاقة.

اتخذت مجموعة من الباحثين، وأنا من بينهم، مؤخراً خطوة نحو حل هذه المشكلة. حسبنا رياضياً في مقال نُشر في دورية علمية ما يجب أن يكون شكل الليزر الأمثل من أجل توليد حالة من التشابك التي قد يرغب الفيزيائيون التجريبيون في بدء تجاربهم بها. تقترح الطريقة تغيير شكل شعاع الليزر المدخل في بداية التجربة لتعظيم عملية تكوين الفوتونات المتشابكة لاحقاً في التجربة. سيعني هذا توفر المزيد من الفوتونات لإجراء التجربة بالطريقة المناسبة، وهدر عدد أقل من الفوتونات.

سيكون تحسين كفاءة عملية توليد حالة التشابك وتعديلها، باستخدام تقنيات مثل الطريقة المقترحة، أمراً مهماً لتحسين كفاءة عدد من الأجهزة التكنولوجية الكمومية الأخرى، مثل أنظمة التشفير الكمومي والتقنيات الأخرى التي سبق ذكرها. هذا مهم بشكل خاص لأن الثورة الصناعية الرابعة تمضي قدماً على مستوى العالم، ولا شك في أن التكنولوجيا التي تعتمد على الظواهر الكمومية أصبحت أكثر شيوعاً.