قد تحب هذه الفاكهة البرية اليتيمة بفضل التعديل الجيني عليها

هل تستطيع تقنية كرسبر أن تعطي دفعة لهذه الثمرة؟
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لنرَ سرعة بديهتك: أعطنا اسم فاكهة بمذاق يجمع ما بين الطماطم والفواكه الاستوائية (مثل الأناناس أو المانجو)، مع نكهة خفيفة من الفانيلا، وشيء من الحموضة. هل تشعر بالارتباك؟ لا تقلق إذا لم تكن قد سمعت بالحرنكش، وعلى الأغلب فأنت لم تتناول منه على الإطلاق، لأن هذه الفاكهة صعبة الزراعة والجَنْي. ولكننا الآن على وشك أن نراها تتحول أخيراً إلى محصول واسع الانتشار حتى تجد طريقها إلى المتجر الذي على ناصية الشارع، وذلك بفضل التعديل الجيني؛ فقد فعلها العلم ثانية.

قام فريق من الباحثين بنشر بحث جديد في مجلة Nature Plants، وقد أوردوا نجاحهم في استخدام أداة التعديل الجيني كرسبر لتحويل الحرنكش إلى محصول أكثر جاذبية للمزارعين، وأكثر لذة للمستهلكين. وتحتوي النتائج الجديدة على أخبار جيدة، ليست فقط للحرنكش، بل لأي شخص يرغب في نشر وتدعيم جميع أنواع المحاصيل اليتيمة، والتي تُعرف بأنها نباتات منتشرة على المستوى المحلي أو الإقليمي، ولكنها ليست موجودة في الأسواق الكبيرة بسبب مشاكل الإنتاج.

تقول جويس فان إيك (مديرة مركز أبحاث التقانة الحيوية للنبات في معهد بويس تومبسون في إيثاكا بنيويورك): “نحن متحمسون لهذا العمل جداً، ويمكننا أن نتخيل العديد من التطبيقات الواقعية، ليس فقط للحرنكش، ولكن لمحاصيل أخرى أيضاً”.

وطالما اعتمد البشر لآلاف السنوات على التهجين العادي لتعديل المحاصيل البرية المناسبة للزراعة والاستهلاك واستثمارها، وفي بعض الأحيان كنا نحقق بعض الإنجازات بالصدفة خلال بضعة أجيال فقط، وفي أحيان أخرى كان هذا العمل يستغرق آلاف السنوات. ولم تتبنَّ السوق العالمية سوى بضعة محاصيل يتيمة، وتعد الكينوا من أفضل الأمثلة الحديثة عليها.

ولكن ظهور أدوات التعديل الجيني (مثل كرسبر) القادرة في أي وقت على انتزاع أجزاء الدنا غير المرغوبة واستخدام أجزاء أخرى أفضل بدلاً منها، يعني وجود إمكانية لتحويل نبتة ما إلى محصول أقرب ما يكون إلى المثالي بشكل شبه فوري، بحيث ترتفع إنتاجيتها وقيمتها الغذائية، وتصبح قادرة على احتمال الجفاف والكوارث الطبيعية، إضافة إلى مذاق ألذ بطبيعة الحال.

وعندما ظهرت كرسبر في المشهد العلمي، قامت فان إيك مع زملائها باستخدامها في تخطيط جينات الطماطم والتلاعب بها، وتحديداً الجينات التي تحدِّد المواصفات البنيوية (مثل النمو والحجم)، وتقول فان إيك: “لقد كانت -ببساطة- أداةً فائقة القوة”. وبناء على ما تمكَّنوا من تحقيقه مع الطماطم، انتقلت مع ليبمان إلى دراسة ما يمكن تحسينه في المحاصيل اليتيمة باستخدام كرسبر.

وهنا ظهرت نبتة Physalis pruinose (الست المستحية)، أو الحرنكش، وهي نبتة تعود في أصولها إلى أميركا الوسطى والجنوبية، ولكنها تُزرع في الكثير من الأماكن في نصف الكرة الأرضية الغربي، بما فيها بعض المناطق في ولاية نيويورك. وتتصف نبتة الحرنكش بالكثير من المزايا التي قد تجعل منها أحد أنواع التوت ذائعة الصِّيت، فهي مغذية ولذيذة، ويمكن إنتاجها على مدى موسم الزراعة، حيث توضع في الأرض في أواخر مايو أو بدايات يونيو، وتستمر في الإثمار حتى بدء الصقيع، كما أنه يعد في الأسواق القليلة التي يُباع فيها من البِدَع التي تُباع بكثرة.

تقول فان إيك: “توجد الكثير من الصفات الجيدة في هذه النبتة، ونعتقد أنها يمكن أن تصبح -ببعض التحسينات- محصولاً خاصاً جديداً في الولايات المتحدة، وبالنسبة لنا فقد كانت هذه المسألة مثيرة للحماس، ليس فقط من الناحية البيولوجية والجينية، بل من ناحية التطبيقات العملية أيضاً”.

غير أن الحرنكش ما يزال حتى الآن محصولاً يتيماً، ولسبب وجيه؛ حيث إنه يتطلب الكثير من المساحة، كما تقول فان إيك: “تتصف هذه النبتة بنمط نمو سريع ومنتشر، أشبه بالأعشاب الضارَّة، وهو أمر غير مستحب زراعياً”، كما أنها صغيرة جداً، وحجمها قريب من حجم الطماطم الكرزية، وأخيراً فإن هذه الفاكهة تقع على الأرض، وغالباً ما يحدث هذا قبل نضجها، مما يؤدي إلى مشاكل في جمعها ويؤثر على قيمة الإنتاج للمزارعين.

وقد رغبت فان إيك وزملاؤها في التعامل مباشرة مع الجينات المسؤولة عن هذه المشاكل الثلاث، ومن حسن الحظ أنه كان بحوزتهم الخريطة الجينية للطماطم من الدراسات السابقة، وقرَّروا أن يستخدموها دليلاً تقريبياً للتعامل مع جينات الحرنكش أيضاً، ثم استخدموا كرسبر في استهداف الجين الذي يتحكم في نمو النبتة بحيث تتوقف عن النمو بمجرد أن تزهر وتبدأ تشكٍّل الثمرة، كما استهدف الباحثون الجين المعروف باسم CLAVATA1 لزيادة حجم الثمرة، بحيث تصبح أثقل بنسبة 25%. وما زال العمل جارياً على تعديل الجين الذي يتسبب في التساقط المبكر، ونظراً للنجاحات السابقة للفريق، يبدو أنهم اقتربوا من تحقيق هذا الهدف أيضاً.

ولكن لا تتوقع أن تجد الحرنكش في المتاجر قريباً؛ حيث يجب أن نتأكد أولاً من أن هذه التقنية لا تؤدي إلى آثار غير مقصودة (أي ضارة تحديداً) على أجزاء أخرى من النبتة. إضافة إلى ذلك فإن الفريق يستطيع أن يستخدم كرسبر مجاناً لأغراض أكاديمية، أما إذا رغبوا في تسويق نباتات الحرنكش المحسًّنة الجديدة، فحينئذٍ يجب أن يشتروها أو يعقدوا شراكة مع الشركة أو مع مستثمر آخر، ومن السابق لأوانه معرفة الاتجاه الذي ستؤول إليه الأمور.

كما أننا لا نستطيع أن نجزم بأن التقنية التي نجحت مع الحرنكش ستنجح مع محاصيل يتيمة أخرى أيضاً، وقد ذكرت فان إيك أنه على الرغم من سهولة استهداف جينات الحرنكش نسبياً، فقد كان من الصعب تطبيق نفس التقنية على نبتة قريبة منها، وهي التوت الذهبي. وهذا يبرهن أن كل محصول يتطلب اهتماماً خاصاً بتحوُّلاته الجينية، على الرغم من تنوع قدرات تقنية كرسبر.

وعلى أي حال فإن النتائج الجديدة تعتبر برهاناً عملياً على فعالية تعديل الجينات، وقدرتها -بشكل عام- على تصحيح المشاكل التي تعيق ظهور المحاصيل اليتيمة في الأسواق بشكل أكبر، كما أن مجرد وجود هذه الأداة يسمح لأخصائيي الزراعة بتوسيع آفاقهم إلى ما بعد الأغذية الموجودة حالياً، وتوسيع نطاق المحاصيل التي يمكن زراعتها واستهلاكها. وختاماً تقول فان إيك: “لقد استمتعنا للغاية بالعمل على هذا المشروع، ونتطلع قدماً إلى العمل على المزيد من المشاريع في المستقبل”.