في أثناء استرخائك نهاية يوم عمل مزدحم، وبينما تركز على عوامل مثل نظافة الغرفة وإدارة الإجهاد وروتين وقت النوم سعياً للحصول على ليلة نوم هادئة، فإن أحد العناصر الحاسمة التي غالباً ما قد تغفل عنها هو لون الضوء الذي يحيط بك. بالنسبة لأولئك الذين لا يفضلون الظلام، يمكن أن يكون طيف الضوء الذي يتعرضون له في غرفة النوم ليلاً سبباً في اضطراب إيقاعاتهم اليومية وتدني جودة نومهم دون أن يدركوا ذلك، فما هو العلم وراء تأثير لون الضوء في النوم؟ وما هي الألوان التي يمكن أن تعزز النوم العميق أو تعرقله؟
اقرأ أيضاً: ما هو انقطاع النفس النومي؟ وما هي أساليب التعايش معه؟
العلم وراء تأثير الضوء في النوم: الضوء الميلانوبي
على مدار 24 ساعة، يمر الجسم بدورة بيولوجية تُعرف بـ الإيقاع اليومي للجسم، تنظمها النواة فوق التصالبية (SCN)، وتستجيب خلالها للعديد من المؤثرات والإشارات، بما فيها الضوء والظلام والبيئة المحيطة.
تتزامن هذه الدورة مع الضوء الطبيعي، فعند التعرض للضوء الساطع، ترسل النواة فوق التصالبية إشارات تمنع إنتاج الميلاتونين، وهو هرمون تنتجه الغدة الصنوبرية لتعزيز الشعور بالنعاس والرغبة بالنوم ويؤدي دوراً أساسياً في تنظيم دورات النوم والاستيقاظ.
عندما يدخل الضوء إلى العين، تستشعره مجموعة خاصة من الخلايا الموجودة في الشبكية، تُعرف بالخلايا العقدية الشبكية الحساسة للضوء أو اختصاراً (ipRGC)، والتي تحتوي على مستقبلات الميلانوبسين الضوئية، وهو بروتين حساس للضوء مسؤول عن استشعار الاختلافات في مستويات الضوء، ثم ترسل تلك الخلايا إشارات إلى جزء الدماغ المسؤول عن تنظيم دورة النوم، لإنتاج الميلاتونين وتعزيز النوم. يُعرف الضوء الذي يؤثر في المستقبلات الضوئية التي تحتوي على الميلانوبسين في العين بضوء الميلانوبيك.
مع شروق الشمس، تقل مستويات الميلاتونين ويتوقف إنتاجه ما يشير إلى الدماغ بحلول موعد الاستيقاظ، وفي المساء ترتفع مستوياته تدريجياً في إشارة إلى الجسم بأن الوقت قد حان للنوم. ومع ذلك، نتعرّض نحن البشر للضوء الاصطناعي ليلاً، كما في الإنارة المنزلية أو إضاءة الأجهزة المحمولة، ما من شأنه أن يمنع إنتاج الميلاتونين، ويتعارض مع دورة النوم الطبيعي أو يحفزها.
اقرأ أيضاً: دليل توزيع الإضاءة في غرف المعيشة على النحو الأمثل
تأثير ألوان الضوء في النوم: منحنى التوزيع الميلانوبيكي
أشارت مراجعة نشرتها مجلة البحوث النفسية (Journal of Psychiatric Research) إلى أن الضوء الأزرق ذا الطول الموجي القصير (بين 450 - 480 نانومتراً) يحفز الخلايا العقدية الحساسة للضوء في الشبكية على إرسال إشارات للدماغ بحلول موعد الاستيقاظ، ما قد يؤخر بداية النوم ويقلل جودة النوم عموماً. وقد أدى هذا إلى توصيات بالحد من وقت الشاشة قبل النوم واستخدام مرشحات الضوء الأزرق على الأجهزة.
عموماً، إن أسوأ الأضواء للنوم هي التي تقع ضمن ما يسمى بـ "منحنى التوزيع الميلانوبيكي" (Melanopic Bell Curve)، والذي يشير إلى الأطوال الموجية للألوان التي تتحسس لها المستقبلات الضوئية المحتوية على الميلانوبسين في عين الإنسان. بعبارات أبسط، إنه تمثيل بياني لمدى فعالية الأطوال الموجية المختلفة للضوء في تحفيز خلايا الميلانوبسين، ويتضمن مباشرة الضوء الأزرق والأخضر.
في المقابل، أفادت دراسة نشرتها دورية آفاق في الطب النفسي (Frontiers in Psychiatry) بأن خلايا (ipRGC) أقل حساسية للأطوال الموجية الحمراء، حيث تمكّن الضوء الأحمر من تحسين جودة النوم لدى الأشخاص الذين يعانون الأرق على وجه التحديد.
اقرأ أيضاً: أفضل طرق توزيع الإضاءة في المنزل
بالاضافة الى الأحمر والأزرق يمكن لألوان الأضواء التالية أن تؤثر في جودة النوم:
أضواء تعزز النوم
- الضوء الأصفر: يقع اللون الأصفر خارج منحنى الجرس الميلانوبيكي. ينتج لون الضوء الأصفر عن الضوء الأبيض (الأبيض يضم ألوان الطيف جميعها) بعد إزالة جزء كبير من اللون الأزرق، بحيث يتبقى بعض اللون الأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر. أي لا يمنع الضوء الأصفر إنتاج الميلاتونين، بل يعد من الألوان الدافئة التي تعزز النوم.
- الضوء البرتقالي: يحتوي الضوء البرتقالي على بعض الأطوال الموجية الزرقاء، ولكن بنسب أصغر بكثير مقارنة بالضوء الأبيض أو الأزرق، لذا فإنه لا يقمع إنتاج الميلاتونين، ولا يعطل أنماط النوم إذا تعرضت له في المساء. علاوة على ذلك، يحاكي هذا اللون الضوء الطبيعي في أثناء غروب الشمس، ما قد يشير إلى الدماغ بأن وقت الاسترخاء قد حان.
أضواء تعرقل النوم
- الضوء الأبيض: يثبط التعرّض للضوء الأبيض، وخاصة في المساء، إنتاج الميلاتونين ويعطل دورة النوم. يضم الضوء الأبيض ألوان الطيف جميعها، بما فيها الأزرق والأخضر، مثل الضوء الطبيعي.
- الضوء البنفسجي: يعد من أسوأ الألوان لإضاءة غرفة النوم، حيث وجدت دراسة حديثة نشرتها مجلة طب النوم السريري (Journal of Clinical Sleep Medicine) أن الضوء البنفسجي قد يكون له تأثير مماثل للضوء الأزرق من حيث القدرة على تثبيط إنتاج الميلاتونين.
نصائح عملية لنوم أفضل
نظراً إلى فوائد الضوء الدافئ والأحمر للنوم، يمكن للأفراد اتخاذ خطوات عملية لخلق بيئة معززة للنوم:
- الحد من التعرّض للضوء الأزرق، بتقليل وقت الشاشة (الأجهزة الإلكترونية) قبل النوم بساعة على الأقل. إذا كان عليك استخدام الأجهزة الإلكترونية، ففكر في استخدام مرشحات الضوء الأزرق أو التطبيقات المصممة لتقليل انبعاث الضوء الأزرق.
- استخدم مصابيح (LED) حمراء أو دافئة اللون، مثل الأصفر والبرتقالي، في غرفة النوم. يمكن أن توفر هذه المصابيح إضاءة كافية دون تعطيل إنتاج الميلاتونين.
- اتباع روتين وقت النوم، مثل القراءة أو التأمل في ظروف الإضاءة المنخفضة قبل النوم.
- تحسين بيئة غرفة النوم، من حيث درجة الحرارة المعتدلة، واستخدام الستائر المعتمة.
- يبقى الظلام أفضل الظروف للنوم، لذا جرّب استخدام أقنعة عاتمة للعين.