بالنسبة إلى معظمنا، فإن الحصول على أقل من 7 ساعات من النوم يؤدي إلى الخمول والتبلّد في التفكير والرغبة العارمة في العودة إلى الفراش. لكن بعض الأشخاص يستيقظون منتعشين ونشيطين بعد 6 ساعات فقط من النوم أو أقل. وبما أن النوم ضروري للجسم لإصلاح نفسه واستعادة نشاطه، فلماذا يستطيع بعض الناس الحصول على قسط أقل من النوم؟
يحاول العلماء منذ سنوات كشف لغز الذين تكفيهم فترات النوم القصيرة (الأشخاص الذين ينامون فترات قصيرة بصورة طبيعية)، لكن ندرتهم تعني أنه لا يوجد سوى عدد قليل من الدراسات حول هذه الظاهرة.
اقرأ أيضاً: كيف تحصل على نوم عميق ومريح كل ليلة؟
ما يقوله العلم عن الذين تكفيهم فترات النوم القصيرة
في عام 2009، اكتشفت أستاذة علم الأعصاب ينغ-هوي فو وفريقها في جامعة كاليفورنيا في مدينة سان فرانسيسكو طفرة في جين "الخلايا الغضروفية المتمايزة 2" أو اختصاراً "ديك-2" (DEC2) لدى اثنتين من الذين تكفيهم فترات النوم القصيرة، وهما أم وابنتها البالغة. وعندما أجروا تعديلاً وراثياً لفئران تحمل الطفرة نفسها، كانت هذه الفئران تنام فترات أقل من نظيراتها الطبيعية. وكشفت دراسة متابعة في عام 2018 أن طفرة الجين ديك-2 تؤثر في مستويات الأوركسين، وهو هرمون ينظم اليقظة. وعادةً ما يوقف جين ديك-2 إنتاج هرمون الأوركسين (orexin) في المساء ويزيده من جديد قبل الفجر. لكن عند الأشخاص الذين تكفيهم فترات النوم القصيرة بصورة طبيعية، يكون تأثير جين ديك-2 أضعف، ما يؤدي إلى زيادة إنتاج الأوركسين وزيادة ساعات اليقظة.
بعد مرور عقد من الزمن على تحديد أول "جين للنوم فترة قصيرة"، اكتشف مختبر فو جيناً آخر في عام 2019: طفرة في جين مستقبلات بيتا-1 الأدرينالينية أو اختصاراً "أيه دي آر بي 1" (ADRB1). ولفهم آثاره، أجرى الباحثون تعديلاً وراثياً لفئران مصابة بالطفرة نفسها، ومن المؤكد أن هذه الفئران كانت تنام فترات أقصر، تماماً مثل البشر الذين تكفيهم فترات النوم القصيرة. وكشف المزيد من الأبحاث أن جين أيه دي آر بي 1 نشط للغاية في منطقة جذع الدماغ الظهرية، وهي منطقة جذع الدماغ التي تساعد على تنظيم النوم. عندما حفز العلماء الخلايا العصبية التي تعبر عن جين أيه دي آر بي 1 في هذه المنطقة، استيقظت الفئران على الفور. ومن المثير للاهتمام، أن الفئران المصابة بالطفرة كانت لديها نسبة أعلى من الخلايا العصبية المعززة للاستيقاظ التي جرى تنشيطها بسهولة أكبر. وتشير هذه النتائج إلى أن طفرة جين أيه دي آر بي 1 تعيد ترتيب ارتباطات خلايا الدماغ للاستيقاظ، ما يقلل النوم ويجعل الاستيقاظ أسهل.
بعد أسابيع فقط من تحديد طفرة جين أيه دي آر بي 1، اكتشفت فو وزملاؤها "جين النوم فترة قصيرة" الثالث، وهذه المرة لدى أب وابنه، حيث كان الأب ينام 5.5 ساعات والابن ينام 4.3 ساعات فقط في الليلة الواحدة. تؤثر الطفرة التي تمكن الباحثون من تحديدها حديثاً على جين مستقبلات الببتيد العصبية إس آر-1 أو اختصاراً "إن بي إس آر 1" (NPSR1)، الذي يساعد على تنظيم اليقظة. عندما أجرى الباحثون تعديلاً وراثياً على مجموعة من الفئران المصابة بهذه الطفرة، قلّت فترات نوم الحيوانات وزادت حركتها. وعلاوة على ذلك، كان أداء الفئران المحرومة من النوم والمصابة بطفرة جين مستقبل الببتيد العصبي إن بي إس آر 1 أفضل في اختبارات الذاكرة مقارنة بالفئران المحرومة من النوم وغير المصابة بهذه الطفرة. يشير هذا إلى أن طفرة إن بي إس آر 1 تسمح للفئران التي تتميز بالنوم فترات قصيرة بصورة طبيعية بالحفاظ على الوظيفة الإدراكية وتجنب مشاكل الذاكرة التي يسببها عادةً الحرمان من النوم.
في عام 2021، اكتشف فريق فو جيناً رابعاً مرتبطاً بالنوم فترات قصيرة بصورة طبيعية. وقد حددوا طفرتين مختلفتين في جين مستقبلات الغلوتامات الأيضية 1 أو اختصاراً "إم غلو آر 1" (mGluR1) في عائلتين غير مرتبطتين من الفئران ذوات النوم فترات قصيرة. كانت الفئران التي تحمل أياً من الطفرتين تنام فترات أقصر، وكشفت دراسات أخرى أن الطفرات الجينية زادت نشاط الخلايا العصبية في الدماغ.
اقرأ أيضاً: هل تتعرق في أثناء النوم؟ إليك الأسباب والعلاج
هل يمكنني تدريب نفسي على النوم فترات أقصر؟
إلى جانب العامل الوراثي، فإن العامل الآخر الذي يؤثر في قسط النوم الذي يحتاج إليه الشخص هو السن، كما قالت الطبيبة إليزابيث كليرمان الحاصلة على درجة الدكتوراة، وأستاذة علم الأعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام وكلية الطب بجامعة هارفارد، لمجلة بوبيولار ساينس. وعموماً، يحتاج الرضع والأطفال الصغار والمراهقون إلى نوم أكثر من البالغين لدعم نموهم وتطورهم.
إذا كنت تعيش حياة صاخبة وتتمنى لو كانت لديك ساعات أكثر في اليوم، فقد تجد نفسك تتساءل: هل يمكنني تدريب نفسي على الحاجة إلى قسط أقل من النوم؟ ربما لا، هذه هي الإجابة المختصرة.
فكمية النوم التي تحتاج إليها تحددها طبيعتك البيولوجية، وتحديداً جيناتك وسنّك. قالت كليرمان: "لا يوجد دليل على أن نمط الحياة يمكن أن يؤثر في مدى حاجتك للنوم".
من المهم أيضاً التمييز بين الأشخاص الذين ينامون فترات قصيرة حقاً -أي الأشخاص الذين ينامون بصورة طبيعية مدة 6 ساعات أو أقل- وأولئك الذين يعتمدون على الساعات المنبهة أو القهوة أو غيرها من المنشطات لقضاء يومهم. وقالت كليرمان إن الأشخاص من الفئة الثانية "لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم". لذلك في حين أنه يمكنك تطوير قدرتك على تحمل الحرمان من النوم، إلا أن هذا لا يعني أنك تحتاج بالفعل إلى قسط أقل من النوم.
فمعظمنا يعتمد روتيناً يومياً من النوم مدة تتراوح من 7 إلى 9 ساعات في الليلة الواحدة. وأي مدة تقل عن ذلك ستؤدي إلى التبلّد في التفكير والبطء في رد الفعل، ويمكن أن تزيد خطر إصابتك بمشاكل صحية طويلة الأمد أيضاً.
لذا، أصغِ إلى جسدك بقدر ما يسمح به جدولك الزمني. إن محاولة إجبار نفسك على النوم فترة قصيرة هي معركة خاسرة. قالت كليرمان نقلاً عن عالم النوم تيل روينبيرغ: "إن تقليص ساعات النوم طوعاً يشبه إيقاف الغسالة الآلية في أثناء عملها، لماذا قد يفعل أي شخص ذلك؟"