دراسة تكشف صلة غير متوقعة بين توقيت الحمل بالجنين ووزن الشخص اليوم

5 دقيقة
علم التخلق يعني أن الظروف البيئية وصحة الأب قبل الحمل مهمة للأجيال المستقبلية.

ترتفع المعدلات العالمية لاضطرابات الأيض منذ عقود. فقد أصبح ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول والسُّمنة والسكري أكثر شيوعاً منذ منتصف القرن العشرين. تؤثر هذه الاضطرابات الأيضية الآن في أكثر من واحد من كل ثلاثة أميركيين، فيما يوصف على نطاق واسع بأنه وباء. وفي المقابل، يرتفع خطر الإصابة بأمراض القلب المميتة والسكتة الدماغية وبعض أنواع السرطان.

بينما تؤدي العوامل المجتمعية والوراثية ونمط الحياة دوراً رئيسياً في هذا الخطر المتزايد بصورة جماعية، هناك متغير آخر مفاجئ قد يؤثر أيضاً في مصيرنا الأيضي. فوفقاً لدراسة نُشرت في 7 أبريل/نيسان في مجلة "نيتشر ميتابوليزم" (Nature Metabolism)، فإن الوقت من العام والطقس الذي يسبق الحمل يغيران كيفية استخدام الأجسام للطاقة، وربما يؤثران في صحتها مدى الحياة.

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة، عالم الفيزيولوجيا الجزيئية والباحث في علم الأيض في كلية الطب بجامعة توهوكو في اليابان، تاكيشي يونيشيرو، في حديث مع مجلة بوبيولار ساينس: "إن الموسم الذي تحمل فيه الأم، له تأثير دائم على عملية الأيض لدى الجنين في حياته اللاحقة. وتشير دراستنا إلى أن البيئة التي يعيش فيها الوالدان حتى قبل الحمل يمكن أن تؤثر في صحة الطفل الأيضية في مراحل لاحقة من حياته".

اقرأ أيضاً: ما الأطعمة القادرة على إخماد مورثات تخزين الدهون في الجسم؟ 

ما هي الدهون البنيّة؟

وبصورة أكثر تحديداً، وجد يونيشيرو والباحثون المشاركون معه أن أولئك الذين حملت بهم أمهاتهم خلال الأشهر الباردة لديهم كميات أكبر من الدهون البنية، وهو نوع من الأنسجة له فوائد صحية راسخة.

ويُعتقد أن الغرض البيولوجي الأساسي للدهون البنية هو تنظيم درجة حرارة الجسم. ومقارنة بالدهون العادية، التي تكون في الغالب مخزناً خاملاً للطاقة، فإن الدهون البنية أكثر نشاطاً بكثير، حيث تحرق السعرات الحرارية لتوليد الحرارة. إن عبارة "السعرات الحرارية الداخلة والسعرات الحرارية الخارجة" هي تبسيط مبالغ فيه، ولكن من الصحيح أن الوزن الزائد والدهون الحشوية -الدهون الضارة بصورة خاصة التي تتجمع في البطن حول الأعضاء- تتحدد إلى حد كبير بكمية الطاقة التي نستهلكها والكمية التي نحرقها. فالفكرة من اتباع نظام غذائي هي تقليل السعرات الحرارية الداخلة (على الرغم من أن هذا غالباً ما يأتي بنتائج عكسية). لكن الدهون البنية تساعد على الجانب الآخر من المعادلة من خلال استهلاك المزيد من الطاقة التي نتناولها. وقد يكون لها أيضاً فوائد أيضية مباشرة أكثر من خلال حرق المنتجات الثانوية الضارة للعمليات الخلوية الأخرى. 

بالنسبة لأولئك الذين حملت بهم أمهاتهم خلال الأشهر الباردة، يبدو أن زيادة الدهون البنية ترتبط أيضاً بزيادة استهلاك الطاقة اليومي، وانخفاض مؤشر كتلة الجسم (BMI)، وتراكم أقل للدهون حول الأعضاء الداخلية، مقارنة بنظرائهم في الصيف أو الربيع.

اقرأ أيضاً: ما هي الأيام التي يمكن أن يحدث فيها الحمل وأكثرها خصوبة عند المرأة؟

موسم الحمل مقابل موسم الولادة

في الدراسة الجديدة، عمل الباحثون على تقييم 4 مجموعات منفصلة، بلغ مجموع أفرادها أكثر من 500 شخص. واستخدموا تاريخ الميلاد لكل مشارك لحساب الوقت التقريبي لحدوث الحمل بأثر رجعي، واقترن تقدير الحمل هذا ببيانات الطقس، وقياسات النشاط الأيضي، واستهلاك الطاقة، ومؤشر كتلة الجسم، ودهون البطن، ومستويات الدهون البنية، لاكتشاف أي اتجاهات محتملة.

في حين لم يكن لموسم الولادة تأثير كبير مباشر في صحة الأيض أو مستوى الدهون البنية لدى الشخص، فإن توقيت الحمل كان له تأثير مباشر، وفقاً للنتائج. قد يبدو الأمر متناقضاً، ولكن يمكن تفسيره بحقيقة أن فترة الحمل لدى الإنسان تبلغ 9 أشهر. يمكن أن تحمل الأم في شهر بارد ولكنها تلد طفلها في وقت أكثر دفئاً والعكس صحيح.

بالإضافة إلى ذلك، لم يُظهر الطقس والموسم في أثناء نمو الجنين في الرحم أي تأثير كبير. وهذا يعني أن فترة ما قبل الحمل هي أهم فترة لتحديد مستويات نشاط الدهون البنية المستقبلية في النسل. كما أظهر ارتفاع تقلبات درجات الحرارة المرتفعة (المقدّرة بالفرق بين درجة الحرارة المنخفضة ودرجة الحرارة المرتفعة المسجلة في يوم معين) تأثيراً إيجابياً في الدهون البنية قبل الحمل.

بناءً على المجموعة التي جرى تقييمها، كان الفرق في الدهون البنية بين مجموعات الفصول الدافئة والباردة يتراوح بين 11.9 و14.6%. كان الاستهلاك اليومي للطاقة أعلى بنحو 5.8% في مجموعة فترات الحمل الباردة.

عامل التخلّق المتوالي

قد يبدو من الصعب التصديق -على غرار علم الأبراج الزائف- أن الاتجاهات الموسمية قبل ولادتك يمكن أن يكون لها أي تأثير في صحتك. ومع ذلك، وبفضل عقود من البحث، يعرف العلماء الآن أن كيفية التعبير عن جيناتك يمكن أن تتغير بفعل عوامل بيئية، في عملية تُعرف باسم "التعديل الوراثي اللاجيني".

من خلال علم التخلق (epigenetics)، لا يتغير تسلسل الحمض النووي الفعلي، ولكن قد يجري تعطيل جينات معينة أو تكثيفها حيث ترتبط الجزيئات وتتفاعل بصورة مختلفة مع امتدادات معينة من الحمض النووي. وجدت دراسة أجريت عام 2018 على الفئران أن التغيرات اللاجينية في خلايا الحيوانات المنوية، استجابةً لدرجة الحرارة، يمكن أن تؤثر في مستويات الدهون البنية في النسل.

وبالمثل، وجدت الدراسة نفسها التي أجرتها مجموعة من العلماء المستقلين عام 2018، ارتباطاً ضعيفاً ولكنه مهم بين شهر الحمل ومؤشر كتلة الجسم في مجموعة بشرية واحدة. ويعتمد هذا البحث الجديد على تلك النتائج، من خلال إجراء اختبارات إضافية على المزيد من الأشخاص، وتقييم 4 مجموعات مستقلة، وجمع بيانات عن انتشار الدهون البنية، واستهلاك الطاقة، وقياسات الدهون الحشوية لإيجاد العلاقة بين مؤشر كتلة الجسم وموسم الولادة.

يقول المؤلف المشارك في الورقة البحثية لعام 2018 وعالم الأحياء الجزيئية في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ، كريستيان وولفروم، الذي لم يشارك في البحث الجديد: "لقد أجرينا بعض الأبحاث البشرية، ولكن ليس إلى هذا الحد تقريباً. ويضيف أنه مع الدراسة الجديدة "المثيرة للإعجاب"، "يمكننا الآن الإدلاء ببيان قوي حول البشر".

"نحن نبحث عادةً عن الجوانب السلبية"

ومع ذلك، لا تزال هذه الدراسة الجديدة قائمة على الملاحظة إلى حد كبير. لم يثبت يونيشيرو وزملاؤه السبب والنتيجة، ولم يبحثوا في الآليات الكامنة وراء ارتباط تعرّض الأبوين لدرجات حرارة معينة والدهون البنية. لكن المؤلفين يشيرون إلى أن المسار اللاجيني، على غرار ما وُجد في بحث عام 2018 على الفئران، هو التفسير الأكثر ترجيحاً لدى البشر. وبعبارة أخرى: إن تعرّض الآباء للبرودة قبل الحمل هو عامل رئيسي في تحديد مقدار نشاط الدهون البنية لدى الطفل، وفي نهاية المطاف الصحة الأيضية طوال حياته.

يقول عالم الفيزيولوجيا التطورية وعالم التخلق في مركز هيلمهولتز ميونيخ (Helmholtz Munich)، رافاييل تيبيرينو، وهو مركز أبحاث طبية حيوية في ألمانيا: "عندما ننظر إلى البرمجة الأبوية، فإننا عادةً ما نبحث عن الجوانب السلبية". ويضيف أن باحثي علم التخلق غالباً ما يحددون التغيرات التي تؤدي إلى المرض وانخفاض جودة الحياة. لم يكن تيبيرينو مشاركاً في البحث الجديد، لكنه كتب تعليقاً مصاحباً له، ونُشر إلى جانب الدراسة في مجلة نيتشر ميتابوليزم. أحد أكثر الأشياء المثيرة للاهتمام في الدراسة من وجهة نظره هو أن "المؤلفين أفادوا بوجود تحدٍّ يتعلق بالفحوص السابقة للحمل، وهو في الواقع مواتٍ للجيل المقبل". إنها الحالة النادرة التي قد يقدم فيها التعديل الوراثي اللاجيني فائدة صحية.

الأنظار تتجه نحو صحة الآباء

النتائج، التي تكررت الآن عبر دراستين، لها آثار كبيرة في الآباء المحتملين وفي فهمنا لصحة الإنسان. يقول تيبيرينو: "إن العلاقة بين درجة الحرارة والدهون البنية تعني أن التغير المناخي يمكن أن يزيد من تحدي قدرتنا على البقاء بصحة جيدة عبر الأجيال". تقدم الدراسة تفسيراً محتملاً للاختلافات في معدلات أمراض الأيض عبر التدرجات الطولية والمناخية. وأخيراً، تسلط الضوء على أن صحة الأب يمكن أن تؤثر في مستقبل الطفل بطرق غير متوقعة. ويوضح تيبيرينو قائلاً: "لقد أُغفلت صحة الأب إلى حد كبير، لكن العلم يُظهر أهميتها. نحن في حاجة إلى إعادة التوازن بين المسؤولية عن الإنجاب وصحة النسل، بحيث لا يقع كل شيء على عاتق الأمهات".

ولكن من السابق لأوانه معرفة إن كان يجب على أولئك الذين يرغبون في الحمل أن يدمجوا هذه النتائج في حياتهم أو كيف يمكنهم فعل ذلك، على حد قول تيبيرينو. ويضيف: "لست متأكداً من أن لدينا ما يكفي من الأدلة القوية لإعطاء تعليمات أو توصيات حتى الآن".

نحن نعلم أن دورات إنتاج الحيوانات المنوية تستغرق أسابيع، وليس ساعات، لذا فإن الاستحمام البارد مرة واحدة لن يفعل الكثير لضمان صحة النسل في المستقبل. ولكن إلى جانب ذلك، هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث، في مجموعات سكانية أكثر تنوعاً لفهم إن كان بإمكاننا تسخير الفوائد الوراثية اللاجينية للبرودة على نحو واعٍ، أو كيف يمكننا ذلك، على حد قول كل من تيبيرينو ووولفروم. ربما يكون تقليل وقت الساونا قبل الحمل فكرة جيدة، كما يقترح تيبيرينو، ولكن ليس بالضرورة أن يصل الأمر بالمرء إلى استخدام دلو الثلج في الوقت الحالي.

المحتوى محمي