حالة نفسية باسمه: ما لم يخبرنا به الدحيح عن نابليون 

لقطة من الحلقة الأولى من برنامج متحف الدحيح - شاهد بلس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

افتتح اليوتيوبر أحمد الغندور برنامجه الجديد «متحف الدحيح» عبر منصة شاهد؛ حلقة تسبر أغوار رحلة إمبراطور فرنسا وأحد أهم رموزها، الجنرال نابليون بونابرت. ومع أن الغندور اعتاد على تبسيط العلوم في فيديوهاته إلا أن هذه المرة قرر أن يكون برنامجه تاريخي، وقررنا نحن ان نكمل الجانب العلمي الذي فات الغندور في متحف الدحيح.

الجنرال يحتوي الدحيح

تدور أحداث برنامج «متحف الدحيح» داخل متحفٍ للشمع تستيقظ الشخصيات فيه من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً لتعيد الأحداث التي صنعتها في حياتها، وكانت شخصية «الدحيح» التي جلبتها إدارة المتحف مجدداً تعرضت للاضطهاد والتنمر من قبل بقية الشخصيات التي كتبت صفحات التاريخ مقارنة فيه بكونه مجرد شاب يبسط العلوم على موقع يوتيوب، ومن بين تلك الشخصيات كان نابليون بونابرت الذي دافع عنه، ليكون محور الحلقة.

استعرض الدحيح كافة جوانب حياة الجنرال الفرنسي منذ ولادته ونشأته في جزيرة كورسيكا، ومن ثم خروجه إلى فرنسا والتحاقه بالكلية الملكية العسكرية. وعرض صعوده البطيء على درجات الحكم وصولاً إلى عرش فرنسا وتتويج نفسه إمبراطوراً عليها. لنخوض بعدها رحلة داخل حياة نابليون العسكرية والسياسية التي اتّسمت بالطموح والتوسع إلى أن وصل إلى روسيا وبدأت من هناك رحلة السقوط. إلى أن عاد أدراجه وانهزم في فرنسا ليُنفى خارجها ويقضي ما تبقى من حياته وحيداً على جزيرة مشددة الحراسة في المحيط الأطلسي.

كانت الحلقة أشبه بمسرحية تفاعلية بين شخصية الدحيح وشخصية نابليون بونابرت، كما شهدت مداخلاتٍ من عدة شخصياتٍ أخرى، مثل بوذا، أدلت بتعليقاتها الطريفة على الأحداث التي يتم سردها. لكنه كان السرد تاريخياً وافتقر إلى التحليل العلمي لشخصية نابليون بونابرت.

العلم يتحدث عن نابليون

الصورة: بيكساباي

مثلما كان نابليون مصدراً ثرياً لكتب التاريخ، كان كذلك للدراسات والتحليلات النفسية العلمية، والتي أسفرت في النهاية إلى ربط حالة نفسية بشخصية نابليون؛ صارت تُعرف علمياً باسم «عقدة نابليون»؛ وهي حالة نفسية تشير إلى وجود سلوكٍ عدواني وكاذب؛ لدى قصار القامة كتعويض عن الطول المفقود، إلا أنها بقيت محل جدالٍ في المجتمع العلمي. ففي عام 2007، تم دحض تلك النظرية واعتبارها على أنها خرافة، وذلك وفق بحثٍ أجراه باحثون من جامعة سينترال لانكشاير البريطانية لمحطة «بي بي سي». ليعود باحثون من جامعة فو الهولندية عام 2018 بثلاثة دراساتٍ نشرت في دورية «سايكولوجيكال ساينس» تثبت صحة النظرية. كما تم تصنيف تلك العقدة كشكل من أشكال النرجسية في مقال ضمن مجلة «سايكولوجي توداي».

مصادفة صارت ماري بونابرت حفيدة لوسيان بونابرت شقيق نابليون الأصغر؛ مريضة لدى طبيب الأعصاب وعالم النفس النمساوي سيجموند فرويد، وصديقته أيضاً، وهذا ما دفعه إلى إجراء تحليل نفسي لشخصية نابليون فسّر فيه عدة جوانب في شخصيته، منها سبب حبّه لـ«جوزيفين» الفتاة التي كانت تكبره بالعمر وتعامله بجفاء، وهو لتعويض الحنان الذي فقده بوفاة أمه المبكرة. أيضاً وحسب فرويد، فإن ترتيبه الثاني بين إخوته كان دافعاً وراء سعيه الدائم لإثبات نفسه ولو لم يكن بحاجة ذلك، إذ أن الابن الأكبر -جوزيف- كان من يحظى بكل الاهتمام حسب تقاليد جزيرة كورسيكا.

توالت التفسيرات العلمية عن شخصية نابليون، وأكد المؤرخ هولاند روز والبروفيسور في جامعة كامبردج البريطانية في كتابه «شخصية نابليون» أن انعدام الأمن الجنسي لدى نابليون وانعدام ثقته بالنساء أدّيا إلى تعميق صعوبة تعامله مع الآخرين، مما أعاق علاقاته الدبلوماسية التي اعتبرها مواجهات يجب أن يُنظر إليه على أنه الفائز بها دوماً، وإلا سيُنظر إليه نظرة الضعيف. ولم يستطع أبداً أن يرى أن تنازلاً حكيماً قد يكسبه مزايا أكبر.

وبحسب الكتاب، ترافق هذا الخوف لدى نابليون من أن يُنظر إليه على أنه ضعيف في المفاوضات مع رغبة في إلحاق أكبر قدر من الخسارة في الطرف المهزوم، ما يعني أن كل معاهدة أبرمها جعلت الطرف الآخر جائعاً للانتقام. وهذا ما أدى إلى عواقب وخيمة وإقامة تحالفاتٍ بين أعدائه أدت في النهاية إلى سقوطه.

كيف يفسر العلم ما جاء في حلقة الدحيح؟

الصورة: بيكساباي

بالنظر إلى شخصية نابليون بونابرت من منظور علميّ نفسانيّ، تستطيع فهم ما أقدم عليه من أفعالٍ وقرارات. إذ أن حرصه على إثبات نفسه بين إخوته هو ما دفعه على الالتحاق بالكلية الحربية في سنّ صغير، وكذلك احتلاله لمصر، وبحسب فرويد، ورغم أهمية مصر الاستراتيجية بالنسبة لإنجلترا، إلا أن الدوافع العسكرية والسياسية لم تكن كافية لاتخاذ خطوة كهذه مآلها الفشل، وإنما محاولة لإثبات الذات ورغبة أنانية منه باستكشاف مصر.

وبالحديث عن احتلال نابليون بونابرت لمصر، نستطيع كذلك فهم كتمانه خبر هزيمته هناك عند عودته إلى أوروبا. فكما ذكرنا أعلاه؛ أكبر مخاوفه كان أن يُنظر إليه نظرة الضعيف أو المهزوم، ما حتّم عليه أن يظهر القوة بأية ثمن. وهذا أيضاً ما دق آخر مسمار في نعشه في روسيا عندما بدأت تلوح هزيمته في الأفق، وتوسّل إليه قادة جيشه بأن يعقد اتفاقية سلام مع إمبراطور روسيا حينها ألكسندر الأول، ورفض حتى لا يقال عنه أنه استسلم للظروف.

أما عن سلوكه العدواني الذي بدأ مع عقدته النفسية المسمّاة على اسمه، نستطيع أن نفهم رغبته برؤية خصومه تتلقى أقسى أنواع العذاب، وهذا ما تجلى في معاهدة لونيڤيل التي أبرمها في ڤيينا عام 1801، والتي نصّت على استيلاء فرنسا على العديد من المقاطعات النمساوية التي تقدر بثلث مساحة النمسا تقريباً، وكذلك بعض المقاطعات الإيطالية، كما نصّت على إرغام إسبانيا على تعطيل مرور سفن الأسطول الإنجليزي، وهذا ما انقلب عليه أخيراً بتحالف جميع المذكورين وشنّ الحرب ضده عام 1805.

ختاماً رغم أن الدحيح أخذنا في جولة تاريخية ممتعة إلا أنه ترك العلم؛ ونحن لا نرى مدخلاً للتاريخ سوى بالعلم، لأن العلم للعموم وليس للدحيح فقط.