ما هي أكثر الحيوانات رعباً في العالم برأيك؟ قد يكون أول ما يتبادر إلى ذهنك ثعبان سام زاحف، أو تمساح بفكين ضخمين، أم ربما أسد مزمجر بأسنان حادة. في الواقع، وعلى الرغم من أن هذه الحيوانات مخيفة فعلاً، ليست الحيوانات المفترسة هي التي تتصدر القائمة، بل تكشف دراسة جديدة أن العديد من المخلوقات التي نخشاها ليس خطيراً على الإطلاق! أي إن أعمق مخاوفنا من الحيوانات أكثر تعقيداً بكثير من مجرد غرائز البقاء.
استطلاع عالمي عن الخوف من الحيوانات
أجرى باحثون فرنسيون بقيادة كارل زيلر استطلاعاً لأكثر من 17,000 شخص حول العالم، وطلبوا منهم تقييم خوفهم من 184 نوعاً من الحيوانات، من الثدييات والزواحف إلى الطيور والبرمائيات والمفصليات.
بناءً على نتائج البحث التي نشرتها دورية "الناس والطبيعة" (People and Nature)، تصدرت قائمة الحيوانات الأكثر إثارةً للخوف، حيوانات خطيرة مثل تماسيح المياه المالحة والثعابين السامة. ليس من المستغرب أن تُثير الحيوانات المفترسة الكبيرة والأنواع السامة استجابات خوف قوية وسريعة، فهي غالباً ما كانت تمثل تهديداً للبقاء بالنسبة لأسلافنا البشر. لكن ما أثار الدهشة فيما توصلت إليه نتائج هذه الدراسة هو وجود حيوانات لا تمثل تهديداً حقيقياً على حياة البشر، مثل الخفافيش والعناكب.
اقرأ أيضاً: الجينات التي تحوّل الحيوانات البرية إلى حيوانات أليفة
لماذا تُخيفنا الحيوانات غير المؤذية؟
وفقاً لباحثين في علم النفس التطوري، فقد تطورت مشاعر، مثل الخوف، باعتبارها وسيلة للبقاء. بمعنى آخر، الخوف يعتبر استجابة طبيعية وضرورية تساعد البشر على التعرف إلى المخاطر والتهديدات في بيئتهم وتجنبها. إضافة إلى أنها استجابة تكيفية تطورت عبر الزمن لتحسين فرص البقاء والتكاثر. على سبيل المثال، تثير الحيوانات المفترسة اللاحمة بأسنانها الحادة وحجمها الكبير، أو السامة مثل الثعابين بألوانها وحركتها السريعة، استجابة فورية ترسّخت لدى الإنسان لمساعدته على اتخاذ قرارات سريعة في المواقف الخطرة للحفاظ على حياته.
لكن الباحثين في الدراسة الحديثة أشاروا إلى أن الخوف تجاه بعض هذه الحيوانات قد يرتبط بالتصورات الثقافية التي تشكلت لدينا عبر الزمن، والتأثيرات الإعلامية المعززة لهذه المخاوف، بالإضافة إلى تجارب الطفولة المساهمة أيضاً في تكوين هذه المشاعر. بعبارة أخرى، إن الخوف ليس مجرد استجابة فردية فقط، بل هو متأصل في السياق الثقافي وكذلك التاريخي للفرد، ما يعكس كيف يمكن أن تتشكل المخاوف وتستمر عبر الأجيال.
على سبيل المثال، يمكن للأفلام الخيالية لخفافيش متوحشة ومتعطشة للدماء، أو عناكب ضخمة بعيون مرعبة، أو حتى تحذيرات الوالدين، أو المعتقدات المحلية أو الحوادث النادرة، أن تنشر مفاهيم خاطئة تنتقل عبر الأجيال، وتُحوّل كائناً صغيراً وغير مؤذٍ إلى مصدر رعب.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الدافع وراء الخوف من بعض الكائنات الصغيرة وغير الخطيرة، مثل الطفيليات والديدان واليرقات والحيوانات التي تعيش في القذارة أو بالقرب منها مثل الجرذان، هو الاشمئزاز، حيث يعد الاشمئزاز وظيفة وقائية تُبعدنا عن مصادر العدوى والمرض المرتبطة بهذه الكائنات.
ومن المفارقات أن البعوض الذي يقتل أكبر عدد من البشر سنوياً، لم يتصدر قوائم المخاوف، على الرغم من أنه مسؤول عن مئات الآلاف من الوفيات سنوياً من خلال نشر أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك. ومع ذلك، يعتبره معظم الناس مزعجاً أكثر من كونه مخيفاً، ما قد يشير إلى أنّ خوفنا من الحيوانات يتكون من خلال التاريخ التطوري والعوامل النفسية أكثر من التقييم الفعلي للمخاطر.
اقرأ أيضاً: هل يمكن للخوف أن يؤدي إلى الموت حقاً؟
العوامل المؤثرة في الخوف من الحيوانات
كشفت الدراسة أن الخوف من الحيوانات يتأثر بالعوامل التالية:
- العمر: كان المشاركون الأصغر سناً أكثر خوفاً من العناكب والثعابين، بينما يميل كبار السن إلى الخوف من الحيوانات المفترسة الكبيرة مثل التماسيح والنمور.
- الجنس: أفادت النساء بمستويات أعلى من الخوف من الثعابين مقارنةً بالرجال، ما يعكس أنماطاً أوسع في رهاب الحيوانات.
- الجغرافيا: كان الأفراد المنفصلون عن الطبيعة، والمتمركزون في المجتمعات الحضرية الحديثة، حيث تقلّ اللقاءات المباشرة مع الحياة البرية، أكثر خوفاً من الحيوانات. يمكن لمثل هذا الانفصال أن يخلق فجوة يملؤها الخيال والمخاوف غير المنطقية، وتغذيها الحكايات الشعبية ووسائل الإعلام.
كيف تتخطى خوفك من الحيوانات غير الخطرة؟
إن فهم أسباب خوفنا من بعض الحيوانات لا يُساعدنا فقط على إدارة ردود أفعالنا، بل في الحفاظ أيضاً على النظم البيئية. على سبيل المثال، تُعدّ العناكب مُكافحات حيوية للآفات، حيث تستهلك أعداداً هائلة من الحشرات الضارة بالمحاصيل. وبالمثل، تُبقي الثعابين أعداد القوارض تحت السيطرة.
للتغلب على المخاوف غير المنطقية من الحيوانات غير الخطرة، ودعم التنوع الحيوي، يمكنك اتباع النصائح التالية:
1- العلاج بالتعرّض التدريجي: يُساعد هذا النهج التدريجي دماغك على إدراك أن الحيوان لا يُشكّل تهديداً، وقد يتضمن:
- التعرّف إلى الحيوان الذي تخشاه لإزالة الغموض المحيط به، أو أي معتقدات غير منطقية. على سبيل المثال، ليست أنواع الخفافيش جميعها مصاصة للدماء، فضلاً عن أنها لا تهاجم الإنسان.
- مشاهدة صور أو مقاطع فيديو له.
- التنزه في الطبيعة في المراحل المتقدمة لإجراء لقاءات آمنة وإيجابية معه.
- اقترب من الحيوان برفقة صديق أو فرد من العائلة يدعمك ليساعدك على الشعور بالأمان وتقليل القلق.
2- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): قد تحتاج إلى مساعدة مختص نفسي لتحديد الأفكار السلبية عن الحيوان ومواجهتها، مثل صدمات في الطفولة، أو معتقدات سلبية. يساعد العلاج على استبدال المخاوف غير المنطقية بمعتقدات عقلانية قائمة على الأدلة.
3- تقنيات الاسترخاء: استخدم تمارين التنفس العميق أو اليقظة الذهنية لتهدئة استجابة جسمك للخوف في أثناء التعرض.