أضرار التعدين على البيئة

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتمد المجتمع الحديث على معادن مثل النحاس والذهب والنيكل، تُستخدم في مجالات مختلفة؛ مثل الطب والإلكترونيات، ومعظم هذه العناصر نادرة، ويتطلَّب استخراجها إزاحة كميات هائلة من التراب والصخور. في عام 2017، حقَّقَ تعدين الصخور الصلبة – الذي يُشير إلى التنقيب عن المعادن الصلبة، ولا علاقة له بالتنقيب عن مواد مثل الفحم أو النفط الرملي – عائدات بلغت 600 مليار دولار أميركي في جميع أنحاء العالم.

أَحْيَت إدارة ترامب العديد من مقترحات التعدين المثيرة للجدل، التي حُظرت أو أوقفت قبل توليه الرئاسة؛ ومن بين هذه المقترحات مشروع «Pebble Mine» في منابع خليج بريستول في ألاسكا، ومشروع تأجير منطقة «Boundary Waters Canoe Area Wilderness» في مينيسوتا، وأطلقت الإدارة أيضاً مشروع بناء منجمٍ كبير للنحاس في جنوب أريزونا، لكنه حُظِر بموجب قرار من المحكمة الفيدرالية.

مجال دراستي المناطقُ الطبيعية التي تأثرت بالأنشطة البشرية، بما في ذلك المناطق المتأثرة بالمناجم، وعمليات التعدين أحد أهم مصادر تلوث المياه، ويمكن أن تؤدي إلى مشاكل تستمر على مدى عقود. أضف إلى هذا أن آثارها العالمية تعيد تشكيل تضاريس المناطق التي توجد بها؛ تاركةً بصمة لا تُمحَى، تدل على النشاط البشري.

حُفَر عميقة وواسعة

في معظم المناطق التي توجد بها المناجم، تنخفض تركيزات النحاس والذهب للغاية؛ لدرجة أن استخراجها لا يمثل عملاً مربحاً، لكن تركيز هذه الخامات، كما يطلق عليها، يكون مرتفعاً في مناطق أخرى. تتباين التركيزات التي يمكن من خلالها تحقيق أرباح مهمة من استخراج هذه المعادن بناءً على أسعارها في السوق العالمية؛ فيكون استخراج خام الذهب مربحاً مثلاً عند تركيزات منخفضة؛ قد تصل إلى 0.0001%، بينما يكون استخراج النحاس مربحاً إذا فاق تركيزه في المناجم 0.5%.

للوصول إلى هذه الخامات الكامنة تحت الأرض، يَحفر عمال المناجم الأنفاق، ويزيلون الأتربة والصخور إلى السطح. واختيار تقنية استخراج هذه المعادن يعتمد على عوامل عدة؛ منها جيولوجيا المنطقة، وصلابة الخامات، وعمقها.

ولا تؤثر المناجم العميقة كثيراً في سطح الأرض، لكنها في المقابل تُهدد حياة العاملين بها. عند الحفر عميقاً في الأرض، يواجه العمال خطر استنشاق الغازات السامة والهواء الفاسد، فضلاً عن خطر الزلازل وتعطُّل المعدَّات. في عام 2010، أمضى 33 عاملاً في شيلي أكثر من شهرين محاصرين تحت الأرض في منجم للتنقيب عن النحاس والذهب، بعد انهيار أحد المنحدرات،  ولحُسن الحظ أُنقِذوا في النهاية.

لقد دَفَعَ التأكيدُ الدولي على ضرورة الحفاظ على سلامة عمال المناجم، وتغيير المعدَّات التكنولوجية، والتركيز على جودة الخامات المستخرجة – بُلدان عديدة إلى الانتقال من التعدين العميق إلى التعدين السطحي؛ أي استخراج الخامات من مساحات مفتوحة؛ إذ يمكن أن يصل عُمق المناجم المكشوفة إلى ثلاثة أرباع الميل، وتغطي في العادة مساحة لا تتجاوز 20 ميلاً مربعاً، وفي المقابل لا يتجاوز عمق المناجم السطحية عادةً ألف  قدم، ولكنها يمكن أن تمتد على مساحات شاسعة؛ قد تصل إلى مئات الأميال المربعة.

اقرأ أيضا: التحول إلى الطاقة النظيفة له فوائد كبيرة للبيئة والاقتصاد والصحة

مياه حمضية

يتطلب الوصول إلى الخامات تفجير الأساس الصخري وإزالته من الحفرة، وتخزين الصخور والأتربة المتبقية في مكان قريب بعد استخراج الخامات، وفي أكوام الصخور هذه تتعرض المعادن الخام – التي كانت مدفونة – إلى الهواء أو الماء؛ فتتفاعل المركبات الغنية بالكبريت في الصخور مع الأكسجين والماء، مُنتِجة حمض الكبريتيك، الذي قد يخفض درجة حموضة الجداول القريبة إلى مستويات تماثل درجة حموضة عصير الليمون أو الخل.

وفي أسوأ الحالات يمكن لهذه العملية، المعروفة باسم تصريف حمض المناجم، أن تقضي على جزء كبير من الحياة المائية المحلية، وإن وصل حمض المناجم إلى المياه الجوفية، فقد تبقى المياه غير صالحة لعقود أو قرون، ويمكن أن يُطلق هذا سلسلةً من الآثار الأخرى، التي تؤثر في جودة المياه في شبكات الأنهار المحلية كلها.

عندما تُخفِّض عمليةُ تصريف حمض المناجم درجةَ حموضة الجداول المائية، يمكن أيضاً أن تبدأ المعادن الأخرى الكامنة في أكوام الصخور والأتربة بالتَّسرُّب إلى التربة والمياه الجوفية؛ ويؤدي هذا إلى زيادة مستويات الكادميوم، والنحاس، والرصاص، وغيرها من المعادن الثقيلة في المياه؛ وهذا يُلحق ضرراً بالحشرات المائية، والأسماك، وصحة الإنسان.

إنْ ظهر أن المناجم تؤثر في جودة المياه لفترات طويلة بعد توقفها عن العمل؛ فقد تدوم هذه التبعات لأجيال عديدة، وتتراكم هذه الأضرار على مدى سنوات، وقد تأتي دفعة واحدة؛ مثلما حدث في منجم «Gold King» بالقرب من سلفرتون في كولورادو، في عام 2015؛ إذ تسربتْ 3 مليون جالون من مياه المنجم إلى نهر أنيماس.

ويوجد في غرب الولايات المتحدة وألاسكا، وفق ما أفاده مكتب محاسبة الحكومة الأميركية، زهاء 161 ألف موقع تعدين مهجور، وقد أسهم ما لا يقل عن 33 ألف موقع – من بين هذه المواقع – في تلويث إمدادات المياه، وخلَّفوا وراءهم أكواماً من الصخور والأتربة الملوثة بالزرنيخ.

تغيير تضاريس الكوكب

خلَّفت عمليات التعدين آلاف الأميال المربعة من الأراضي في حالة كارثية، وفي بعض المناجم، لاسيما  الموجودة على قمم الجبال، تغيرت تضاريس الأرض بشكل كامل. على امتداد آلاف السنين تغيَّر سطح الكوكب بفعل الرياح والمطر، وهي عمليات جيولوجية بطيئة، وفي المقابل يعمل التعدين على تغيير جغرافيا الأرض، وطبوغرافيتها، ومياهها، وبيئتها، في غضون سنوات أو عقود فقط.

دفعت التغيرات الكبيرة – التي تعرضت لها تضاريس الأرض – العديد من علماء البيئة إلى القول بأن كوكبنا قد دخل في عصر جيولوجي جديد – الأنثروبوسين – يفوق فيه تأثير الأنشطة البشرية في الأرض تأثير العمليات الطبيعية المعتادة. يتطلب تغير التضاريس الطبيعية فترات زمنية طويلة؛ لذلك من المحتمل أن تستمر هذه التغيرات الطبوغرافية والجيولوجية لفترات أطول بكثير من تأثير عمليات التعدين في جودة المياه، ونظراً لأن العمليات الجيولوجية بطيئة؛ فإن العلماء لا يعرفون كيفية تغيُّر هذه التضاريس في المستقبل.

اقرأ أيضا: 4 أسباب تجعل الحفاظ على البيئة أهم أهدافنا

 معادن ضرورية نادرة

يتعين على شركات التعدين أن تسير على منوال شركات الغاز والنفط؛ الذي تقبل فيه حقيقة أن الموارد التي تنقب عنها أصبحت شحيحة، وأن المناجم التي تستخرج منها هذه المعادن استُنزِفت؛ مما أدى إلى انخفاض جودة الخامات. ومع ذلك يتزايد الطلب على هذه المعادن.

ويتطلب الانتقال إلى الطاقة الخضراء استخراج كميات هائلة من المعادن النادرة اللازمة لتشغيل توربينات الرياح، وبطاريات السيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، إضافةً إلى الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، وعدسات الكاميرا، وغيرها من السلع.

وبِفعل هذه المتطلبات الاقتصادية تُواصِل الشركات الضغط؛ من أجل فتح مناجم جديدة، إما في الولايات المتحدة أو في الخارج؛ إذ إن الضوابط البيئية ضعيفة. ومن المرجَّح أن تتسبب المناجم الجديدة في تغيير تضاريس الأرض على نحو غير مسبوق، واستهلاك مقادير أكبر من الطاقة، وإحداث تأثيرات طويلة الأمد أكثرمن ذِي قبل.

ويعدُّ ضمان خضوع عمليات التعدين للإشراف الفعَّال والمراقبة، ومتابعة الشركات المسؤولة عن الإضرار بالبيئة، تحدياً كبيراً أينما تحدث عمليات التعدين. وإن تقليل استهلاك هذه المعادن، وتحسين طرق استخراجها، والعمل على تقليل تكلفة إعادة تدوير المواد الصناعية والمعادن النادرة – إجراءات ناجعة؛ لتَجنُّب الأضرار الناجمة عن التعدين.

تم نشر هذا المقال عبر موقع ذا كونفيرسيشن

اقرأ أيضا: نحو بيئة رقمية مستدامة