العمل في المكاتب المغلقة: خطر يتربص بصحتك وقدراتك الذهنية

3 دقيقة
هل تعاني الإرهاق المستمر؟ قد يكون نقص الفيتامينات
سبب التعب الشديد ليس الإفراط في العمل بالضرورة. المصدر: ديبوزيت فوتوز

يؤثر العمل ضمن بيئات مغلقة في القدرات الذهنية للموظفين، ما يترك آثاراً سلبية في الإنتاجية. وقد أثبتت عدة دراسات هذه العلاقة القوية بين معايير جودة الهواء الداخلي وأثرها في القدرات الذهنية. وحرصاً على قدرات الموظفين، يجب أن تتوفر عدة معايير في مكاتبهم وأبنية المؤسسات للحفاظ على الإنتاجية العالية المطلوبة.

ملوثات الهواء في بيئات العمل المغلقة

تنتشر في بيئات العمل والقاعات المغلقة ملوثات تؤثر في جودة الهواء. أهم هذه الملوثات:

  • الجسيمات الدقيقة (PM2.5): هي جسيمات مجهرية تخترق الجهاز التنفسي، وقد تؤثر في وظائف الدماغ بسبب انخفاض مستوى الأوكسجين، لذا يرتبط ارتفاع مستوياتها بانخفاض حاد في الوظائف الإدراكية. كما قد تسبب التهابات الجهاز التنفسي، وقد تمتد الالتهابات لأعضاء أخرى، ما قد يؤثر في الوظائف العصبية.
  • ثاني أوكسيد الكربون (CO2): ترتفع مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون نتيجة لسوء التهوية، ويرتبط ارتفاعها بانخفاض الأداء الإدراكي، خاصةً مع ضغوط العمل أو التوتر. ويمكن أن تؤدي مستويات ثاني أوكسيد الكربون المرتفعة في القاعات أو المكاتب المغلقة إلى زيادة طفيفة بمستوياته في مجرى الدم، ما قد يُضعف وظائف الدماغ.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف الحرارية في البيئات الداخلية هي أيضاً عوامل مؤثرة محتملة على الوظيفة الإدراكية، وخاصة في بيئات العمل المنزلية، والعمل عن بعد.

تأثير بيئات العمل المغلقة في القدرات الذهنية

برزت جودة الهواء الداخلي باعتبارها عاملاً مهماً يؤثر في الوظيفة الإدراكية ضمن بيئات العمل المغلقة، فقد أظهرت الأبحاث أن ملوثات الهواء المذكورة سابقاً، والموجودة عادة في البيئات الداخلية يمكن أن يكون لها تأثيرات قابلة للقياس في القدرات الذهنية والأداء الإدراكي، بما في ذلك زمن الاستجابة والدقة، واتخاذ القرار والقدرة على حل المشكلات المعقدة.

واحدٌ من أبرز الأبحاث تلك، بحث أجرته كلية هارفارد تي آتش تشان للصحة العامة عام 2021، استمر مدة عام واحد في ست دول، مع مشاركين يعملون في مجالات مختلفة، بما فيها شركات العقارات والهندسة المعمارية والتكنولوجيا، وجد هذا البحث أن زيادة تركيز ثاني أوكسيد الكربون والجسيمات الدقيقة (PM2.5) وانخفاض معدلات التهوية سبّبا بطئاً في الاستجابة وانخفاضاً بالدقة في الاختبارات الإدراكية.

أجرى باحثون من جامعة ماستريخت دراسة أخرى في قاعات إجراء مسابقات الشطرنج عام 2023، درست التأثير السببي لجودة الهواء الداخلي في الأداء الإدراكي، وقاست الدراسة جودة التحركات التي يقوم بها اللاعبون وربطتها بقياسات جودة الهواء. وبالنتيجة، تبيّن أن زيادة تركيز الجسيمات الدقيقة زاد احتمالية تحرُّك اللاعب حركة خاطئة، وخاصة أن اللاعبين تحت ضغط الوقت، وتبيّن أيضاً أن ثاني أوكسيد الكربون (CO2) أقل تأثيراً. 

ووجدت دراسة أُجريت في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية 2020 أن تراجع جودة الهواء في قاعات الامتحانات المغلقة أدى إلى تدني درجات الطلاب، فقد أثر سلباً في قدرتهم على الإجابة بطريقة صحيحة.

تجدر الإشارة إلى أن آثار تراجع جودة الهواء الداخلي في الإدراك قصيرة المدى ومؤقتة في المقام الأول، لكن العمل في مكاتب سيئة التهوية باستمرار قد يُسفر عن آثار تراكمية، لا سيما في البيئات التي تكون فيها القدرات الذهنية ضرورية لنتائج العمل أو النجاح الأكاديمي.

اقرأ أيضاً: أفضل الطرق لتحسين جودة الهواء في المنزل وتنقيته من الملوثات

كيفية تجاوز هذه المشكلة للحفاظ على القدرات الذهنية في أثناء العمل 

حرصاً على سلامة الموظفين والعمال والطلاب، وخاصة من يتطلب عملهم قدرات ذهنية عالية، يجب أن تُبنى منشآتهم ومكاتبهم بطريقة تسمح بالتهوية في الأماكن المغلقة، وتوفر مساحات مكشوفة للحصول على الهواء النقي والنظيف لتحسين صحتهم ووظائفهم الإدراكية وقدراتهم العقلية، وهو ما يُعرف بالمباني الخضراء. ويُنصح أيضاً بتطبيق نظام مراقبة مستمر لجودة الهواء الداخلي، يشمل أجهزة استشعار في المكاتب والقاعات، تجمع بيانات حول جودة الهواء فيها، ما يسمح بإجراء تعديلات في الوقت الفعلي.

من الطُرق المساعدة لتحسين جودة الهواء في المكاتب تركيب أنظمة ترشيح الهواء عالية الكفاءة، والتي تزيل الجسيمات والمواد الملوثة الأخرى من الهواء الداخلي، واستبدال المُرشِحات باستمرار أو تنظيفها. تساعد هذه الطرق على زيادة معدلات تبادل الهواء النقي، وتقليل تراكم ثاني أوكسيد الكربون وتخفيف الملوثات الداخلية. 

ومن أبسط الأمور التي يمكن تطبيقها: فتح النوافذ والأبواب للسماح بالتبادل الطبيعي للهواء، وإزالة الملوثات الداخلية وتجديد هواء المكاتب والقاعات، مع الحرص على صيانة وتنظيف أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء بانتظام لمنع تراكم الغبار والعفن الذي يمكن أن يؤدي إلى تدهور جودة الهواء.

بالإضافة إلى منع التدخين داخل المكاتب وبالقرب منها للقضاء على ملوثات دخان التبغ، مع الحفاظ على نظافة المكاتب من الغبار والجسيمات المُلوِّثة الأخرى. وتُعد إضافة النباتات الداخلية وسيلة طبيعية لامتصاص الملوثات وثاني أُوكسيد الكربون وتنقية الهواء، بالإضافة إلى أنها تضيف لمسة جمالية للمكان. 

اقرأ أيضاً: علمياً: الهواء الملوث لا يضر فقط الرئتين

 يجب الاهتمام بجودة الهواء في المكاتب واعتبارها وسيلة أساسية لتحسين بيئة العمل وإنتاجية الموظفين والمحافظة على قدراتهم العقلية، لأن تحسين التهوية ومراقبة جودة الهواء من التدابير المهمة للصحة والسلامة، والمحافظة على الموارد البشرية والعقلية التي تُشكل أساس عمل الشركات والمؤسسات.

المحتوى محمي