نظرة على الوقود الهيدروجيني وريادة الإمارات في هذا المجال

الوقود الهيدروجيني
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لتحقيق بيئة خالية من الكربون، ولتحقيق هدف اتفاقية باريس في الحفاظ على ارتفاع متوسط ​​درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، تبذل الحكومات قصارى جهدها لإيجاد بديل عن الوقود الأحفوري، ولم تجد حتى الآن أفضل من الوقود الهيدروجيني واستخداماته في النقل والتدفئة وتخزين الطاقة، للوصول إلى نظام يوفر طاقة متجددة بنسبة 100%.

مصادر الهيدروجين

الهيدروجين من أكثر العناصر وفرة في الكون، ويمكن إنتاجه من مجموعة متنوعة من الموارد المحلية. يُعد الغاز الطبيعي هو المصدر الأكبر للحصول على الهيدروجين، ويستخرج الأخير منه باستخدام تقنية تسمى إعادة تخليق غاز الميثان بالبخار. ويُعد الماء ثاني أكبر مصدر للهيدروجين، ويمكن تفكيك ذرات الماء إلى هيدروجين وأكسجين باستخدام الكهرباء المتجددة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتسمى هذه التقنية بالتحليل الكهربائي للماء، ويمكن لخلية الوقود عكس هذه العملية، وتوليد الطاقة من الهيدروجين والأكسجين.

هناك الكثير من الطرق التي يتم الحصول بواسطتها على الهيدروجين، على سبيل المثال؛ يمكن الحصول على الهيدروجين بعملية التحليل الكهربائي للماء، والحصول على الكهرباء اللازمة للعملية من الطاقة الشمسية. وتستخدم العمليات الكهروكيميائية الضوئية أشباه موصلات متخصصة لفصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين. وتستخدم الميكروبات في العمليات الحيوية لإنتاج الهيدروجين من التفاعلات الحيوية، وكذلك تفكك الميكروبات المواد العضوية لإنتاج الهيدروجين.

محاولات الحصول على وقود هيدروجيني

من محاولات الحصول على الوقود الهيدروجيني بسهولة وبتكاليف أقل، تعمل شركة النفط «ريبسول» الإسبانية على تطوير تقنية لتحويل الطاقة الشمسية والمياه مباشرة إلى هيدروجين متجدد، بدون الخطوة المتوسطة للتحليل الكهربائي. وتتميز هذه التقنية بأنها لا تحتاج إلى الكهرباء، وبالتالي، عدم الاعتماد على سعر الكهرباء الذي يشكل 70-75% من تكاليف الإنتاج.

وفي محاولة أخرى دمج فريق من الباحثين من جامعة «إيفان بوغ» تقنية تنقية المياه في محلل كهربائي لمياه البحر، يستخدم تياراً كهربائياً لفصل الهيدروجين والأكسجين في جزيئات الماء. هذه الطريقة في تفكيك مياه البحر يمكن أن تسهل تسخير طاقة الرياح والطاقة الشمسية، المستخدمتين لإنجاز عملية التحليل الكهربائي، في إنتاج الوقود الهيدروجيني ليصبح قابلاً للتخزين والحمل.

أيضاً طورت مجموعة أخرى من الباحثين من المملكة المتحدة والصين والمملكة العربية السعودية تقنية تحول النفايات البلاستيكية إلى هيدروجين، وأنابيب نانوية كربونية عن طريق سحقها باستخدام أفران ميكروويف بها أكسيد الحديد وأكسيد الألومنيوم، واستغرقت عملية التحويل 30-90 ثانية فقط، وأسفرت عن معدل استرداد 97% من الهيدروجين المتولد، والذي يمكن استخدامه كوقود.

أنواع الوقود الهيدروجيني

الوقود الهيدروجيني
حقوق الصورة: شترستوك.

للوقود الهيدروجيني أنواع مختلفة:

الهيدروجين الرمادي

الهيدروجين الرمادي هو الشكل السائد حالياً لتصنيع الهيدروجين، يُصنع من الوقود الأحفوري، لذلك لا يُعد صديقاً للبيئة على الإطلاق. 

الهيدروجين الأزرق

الهيدروجين الأزرق هو الذي يتم فيه عزل ثاني أكسيد الكربون المنبعث أثناء إنتاج الهيدروجين الرمادي عن طريق احتجاز الكربون وتخزينه، وبالتالي إنتاج مصدر طاقة بانبعاثات منخفضة جداً، وهذه الطريقة تخفّض انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 90-95% تقريباً.

الهيدروجين الأخضر

الهيدروجين الأخضر هو الهيدروجين المصنوع من التحليل الكهربائي باستخدام الطاقة المتجددة، وهو الإصدار الوحيد من الوقود الخالي من ثاني أكسيد الكربون عند نقطة الاستخدام وعند نقطة الإنتاج.

فوائد الوقود الهيدروجيني

يفضَّل الوقود الهيدروجيني في النقل لكونه وقوداً عديم الانبعاثات الكربونية وأيضاً لفوائده الكثيرة، والتي من أبرزها:

توفير الوقت

يوفر استخدام الوقود الهيدروجيني وقت إعادة التزود بالوقود، فبالنسبة لسيارة ركاب نموذجية، يستغرق الأمر من 3-5 دقائق للحصول على خزان كامل يوفر مسافة قيادة تزيد عن 480 كيلومتراً، وبأداء مكافئ لمركبات البنزين والديزل، بينما تتطلب إعادة تزويد السيارة الكهربائية التي تعمل بالبطارية بالطاقة ما لا يقل عن نصف ساعة لنطاق يصل إلى 160 كيلومتراً.

البنية التحتية

يمكن تنفيذ البنية التحتية للهيدروجين بطريقة مماثلة للوقود التقليدي في كل محطة وقود. أما عند مقارنته بشحن بطارية السيارة الكهربائية، لا يتطلب الهيدروجين أي ترقيات مكلفة ومعقدة للشبكة الكهربائية أو تركيب أجهزة الشحن في كل منزل. 

التكلفة المنخفضة

إن خلايا الوقود الهيدروجينية وتكاليف التخزين أقل مقارنة بالبطاريات، وبالتالي يمكن للهيدروجين أن يحقق مدى طويل دون المساس بالقدرة على تصنيع المركبات بأسعار معقولة.

العوادم

على متن السيارة، تحوّل خلية وقود الهيدروجين إلى كهرباء باستخدام الهواء من المناطق المحيطة، مع إنتاج بخار الماء كعادم وحيد.

الأمان

الهيدروجين آمن مثل البنزين، أو ربما أكثر أماناً، ففي حال حدوث تسرب من خزان السيارة، ينتشر الهيدروجين في المناطق المحيطة بسرعة. وإذا أشتعل الوقود، فإن الهيدروجين يحترق بسرعة وينبعث منه حرارة إشعاع أقل، وبالتالي فإن التأثير على المناطق المحيطة يكون محدوداً. ومع ذلك، تم تصميم خزانات الهيدروجين لتجنب أي تسرب ويمكنها تحمل الاصطدامات الشديدة. 

اقرأ أيضاً: التخلي عن الوقود الأحفوري قد يؤدي إلى إنقاذ المحاصيل والأرواح

كيف نحافظ على أمان الوقود الهيدروجيني؟

بالإضافة إلى ما سبق، يمتلك جزيء الهيدروجين بعض الخصائص التي تجعله أكثر أماناً من أنواع الوقود الأخرى كالبنزين، فالهيدروجين ليس مادة سامة أو مسرطنة. ولكونه أخفُّ الغازات، ويتطاير بسرعة، فإذا حدث تسريب في المحطة ينتشر الهيدروجين في الجو بسرعة، على عكس البنزين الذي يبقى على الأرض ما يزيد خطر الإشتعال والحرائق.

في المقابل، الهيدروجين غاز سريع الاشتعال بوجود عاملٍ مؤكسد، لذاك يجب مراعاة تصميم المحطات جيداً بطريقة تمنع التسرب، بالإضافة إلى صيانتها بشكل دوري، وتجنب مصادر الإشتعال والأكسجين، واستخدام الفولاذ المقاوم للصدأ.

أيضاً، يحل الهيدروجين محل الأكسجين، لذلك عند حدوث تسرب، ستزداد خطورة الاختناق. يمكن تجنب ذلك بإضافة مستشعرات الهيدروجين في المحطة. ومن أجل زيادة الأمان، يجب أن تكون مواقع الهيدروجين في الهواء الطلق، أو في الأماكن جيدة التهوية. وأكثر من ذلك، تكون محطات الهيدروجين مزودة بصمام أمان الضغط، وأنظمة التأريض، كما أن العاملين فيها يجب أن يكونوا متدربين على ممارسات السلامة.

براً وبحراً وجواً: الوقود الهيدروجيني في كل مكان

الوقود الهيدروجيني
حقوق الصورة: شترستوك.

تتسارع شركات النقل البري والبحري والجوي لاستبدال الوقود الهيدروجيني بالوقود الأحفوري، وهذه أمثلة عن بعض المحاولات لتطبيقه في مختلف قطاعات النقل: 

السيارات

في إحدى المحاولات، تمكنت الهند من تسيير أول سيارة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بنجاح، تم إجراء التجارب على سيارة ركاب ذات 5 مقاعد تعمل بالبطارية وتم تحديثها وتزويدها بمجموعة خلايا الوقود، وبخزان هيدروجين تجاري، مع سعة تبلغ نحو 1.75 كجم من غاز الهيدروجين المخزن عند ضغط 350 بار، يمكن للسيارة أن تعمل لمسافة 250 كيلومتراً تقريباً في ظل ظروف الطريق الهندي النموذجية بسرعات معتدلة من 60 إلى 65 كيلومتراً في الساعة.

الشاحنات

في اليابان، أعلنت شركة صناعة السيارات العملاقة تويوتا عن اتفاقية مع زميلتها اليابانية هينو لإنتاج شاحنة تعمل بخلايا الوقود، ولا تصدر شيئاً سوى بخار الماء. 

القطارات

تخطط إنجلترا لمد شبكة سكك حديدية عالية السرعة تحت سطح البحر بين الدنمارك والمملكة المتحدة، وسيبلغ طوله 765 كيلومتراً وستعمل قطاراتها بالوقود الهيدروجيني.

الطائرات

في مجال الطيران، حولت شركة إير باص تركيزها لتطوير بطاريات الطائرات الهيدروجينية، والتي تتوقع أن تطير بحلول عام 2035. واستطاعت شركة «زيرو أفيا» إكمال أول رحلة ركاب في العالم لمدة 20 دقيقة بطائرة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين ، تمت الرحلة في طائرة «بايبر» بستة مقاعد ذات الحجم التجاري والتي تم دعمها بخلايا وقود الهيدروجين. يذكر أن صناعة الطيران تشكل حالياً 3% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

السفن 

تتطلب السفن هندسة وقدرات فريدة ومزيداً من المتانة ومراعاة التأثيرات البيئية مثل الاهتزاز قبل تسييرها في البحار، وخاصة في المحيط الهاديء، لكن تسعى العديد من الشركات إلى صنع خلية وقود هيدروجيني عالية الطاقة وخفيفة الوزن بحلول العام 2024.

المنازل

عند الإنتقال للمنازل؛ طورت شركة «لافو» نظام تخزين جديد للطاقة الهيدروجينية في المنازل والشركات، باستخدام الطاقة من الألواح الشمسية على الأسطح لإنتاج الهيدروجين من الماء عن طريق التحليل الكهربائي. يتم تخزين الغاز في حاوية هيدريد معدني ويتم تحويله مرة أخرى إلى كهرباء عند الحاجة باستخدام خلية وقود. وسيكون كافياً لتزويد منزل متوسط بالطاقة ​​لأكثر من يومين.

الإمارات العربية المتحدة رائدة في استخدام الوقود الهيدروجيني

تتبنى الدول العربية الوقود الهيدروجيني على نحوٍ متسارع، وأحد أبرز الأمثلة في تبني هذا التوجه الإمارات العربية المتحدة، التي قطعت مراحل في هذا المجال، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها جامعة خليفة.

لماذا تريد الإمارات استخدام الوقود الهيدروجيني؟ 

انضمت الإمارات إلى اتفاقية باريس عام 2015، وبدأت بالتركيز على زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة والمتجددة والتنويع في مصادرها، والحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وسيكون الهيدروجين جزءاً لا يتجزأ من هذه العملية.

خطوات عملية

تعمل الإمارات على إزالة الكربون من قطاع النقل أولاً، وستستعيض عن المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، بالسيارات الكهربائية التي تعمل بالوقود الهيدروجيني، إذ يتوفر الهيدروجين فيها بكثرة من المصادر المحلية، لذاك سيكون اقتصادياً أيضاً.

في البداية، استوردت الإمارات 55 سيارة تويوتا، من طراز «ميراي» التي تعمل بالوقود الهيدروجيني. ويتم تزويدها بالوقود من محطة هي الأولى من نوعها في الإمارات، أُنشئت عام 2017 بسعة 40 كيلوغراماً في اليوم. يتم إنتاج الهيدروجين فيها عن طريق التحليل الكهربائي، وتستمد الكهرباء اللازمة للتحليل من ألواح الطاقة الشمسية المثبتة في المحطة.

والهدف من استيراد هذه السيارات، إظهار إمكانات سوق الهيدروجين في الإمارات. وقد اختبرت تاكسي دبي، وشرطة أبوظبي سيارات تويوتا ميراي، لتحقيق هدف بعيد المدى، يتمثل في تحويل سيارات شرطة أبوظبي من سيارات تعمل بالوقود الأحفوري إلى سيارات تعمل بوقود الهيدروجين عام 2057. 

يمكن أن تبدأ الإمارات في إزالة الكربون من قطاع النقل، بإدخال مركبات تعمل بالهيدروجين إلى موانئها، أو إلى النقل العام (سيارات الأجرة والحافلات). سيسمح هذا باستهلاك كميات كبيرة من وقود الهيدروجين، مع الحد الأدنى من متطلبات البنية التحتية.

مصادر الهيدروجين المحلية

يمكن للإمارات الحصول على الهيدروجين من مصادر محلية متنوعة، منها الإقتصادي ومنها ما ليس اقتصادياً: 

إصلاح بخار الميثان 

هي وسيلة فعالة من حيث التكلفة والطاقة لإنتاج الهيدروجين، يتم فيها تحويل غاز الميثان الناتج عن الغاز الطبيعي إلى هيدروجين بوجود غاز ثاني أكسيد الكربون كمنتج ثانوي. 

التحليل الكهربائي للماء

باستخدام الكهرباء الناتجة عن الطاقة الشمسية، يتم تحليل الماء للحصول على الأكسجين والهيدروجين.

كبريتيد الهيدروجين

يتم إنتاج كبريتيد الهيدروجين بكثرة في الإمارات من عمليات إنتاج الغاز الطبيعي، ويمكن تحليله حرارياً للحصول على الهيدروجين، لكن هذه الطريقة غير اقتصادية.

الكتلة الحيوية

يمكن أن تكون النفايات العضوية مصدراً للهيدروجين أيضاً في الإمارات، إذ يبلغ نصيب الفرد من النفايات الصلبة حوالي 2 كيلوغراماً، وهو من أعلى المعدلات في العالم.

كانت الإمارات مثالاً عن محاولات الدول العربية للتحول إلى الوقود الهيدروجيني الصديق للبيئة، وتعمل دولٌ أخرى على ذلك أيضاً، بما فيها السعودية ومصر والمغرب، على سببل المثال لا الحصر.

نُشر هذا المقال استناداً إلى بحثٍ مقدّم من مركز “أبحاث الشباب العربي