كيف تؤثر صناعة العلف الحيواني على البيئة؟

كيف تؤثر صناعة العلف الحيواني على البيئة؟
تعد الأعلاف الحيوانية التي تُعطى لدجاج التسمين المستزرع والسلمونيات المستزرعة مسؤولة عن أكثر من نصف التأثيرات البيئية الناجمة عن صناعات هذه الأعلاف بشكل عام. بيكسلز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تؤدي الأعلاف الحيوانية دوراً كبيراً في تأثير النظام الغذائي على البيئة؛ حيث يمثّل إنتاج الألبان ولحوم الأبقار نحو 36% و55% على التوالي من انبعاثات الغازات الدفيئة. تتكون المواد الخام التي يُصنع منها العلف الحيواني عادةً من محاصيل مثل فول الصويا والقمح ومنتجات حيوانية مثل مسحوق الأسماك وزيت السمك. لكن إنتاج هذه المكونات يمكن أن يكون ضاراً بالبيئة.

تُخصص نحو %33 من الأراضي الزراعية لإنتاج الأعلاف الحيوانية، ما قد يؤدي إلى تسرّب العناصر الغذائية والمبيدات الحشرية إلى الأراضي الأخرى. كما تشكّل المحاصيل المستخدمة في إنتاج الأعلاف الحيوانية أيضاً نحو %6 من انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن إنتاج الغذاء عالمياً. وفي الوقت نفسه، قد يكون الطلب المتزايد على الأعلاف المصنوعة من المشتقات البحرية عائقاً أمام تحقيق استدامة النُظم البيئية للمحيطات.

تقول عالمة الحفاظ على البيئة والمحاضرة في كلية البيئة والعلوم بجامعة غريفيث (Griffith) في أستراليا، كيتلين دي كيمبل: “عندما نطعم هذه المكونات للحيوانات التي تؤثّر منتجاتها على البيئة، يكون التأثير العام أعلى بكثير مما لو أطعمنا هذه المكونات بأنفسنا، وبالتالي، كلما زاد الطلب على الأعلاف اللازمة لتربية الحيوانات، ازداد الضغط العام على البيئة”.

تشير التقديرات إلى أن الإنتاج العالمي للغذاء، ويشمل ذلك الزراعة النباتية والحيوانية، يشكّل %26 من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في جميع أنحاء العالم. وللحد من التأثير البيئي للمنتجات الحيوانية، يجب دراسة النظام الغذائي للحيوانات والعمل على جعله أكثر استدامة.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث عندما يقل الغذاء في البيئة؟

إنتاج الأعلاف الحيوانية له تأثير بيئي كبير

يقول مهندس الأغذية والأستاذ المساعد في جامعة ولاية آيوا، كورت أيه روزنتراتر (Kurt A. Rosentrater)، الذي يركّز في أبحاثه على تحسين استدامة النُظم القائمة على الزراعة: “بالنسبة للعديد من أنواع الحيوانات المستزرعة، يمثّل إنتاج العلف عادةً من 50 إلى 70% من تكاليف الإنتاج،

كما أن إنتاج الأعلاف والمكونات التي تدخل في صناعتها يمكن أن يؤدي غالباً إلى نحو 70% من الآثار البيئية الناجمة عن تناول منتجات هذه الحيوانات”. لا ينطبق هذا على جميع الأنواع، لأن الحيوانات المجترّة تصدر انبعاثات كبيرة من الغازات الدفيئة في أثناء عملية الهضم. يضيف روزنتراتر قائلاً: يحدث الجزء الأكبر من التأثيرات البيئية لمعظم المنتجات الحيوانية في المزرعة قبل أن تتم معالجتها وتحويلها إلى منتجات غذائية.

وفقاً لدراسة حديثة أجرتها مجلة كارنت بيولوجي (Current Biology)، تُعد الأعلاف الحيوانية التي تُعطى لدجاج التسمين المستزرع والسلمونيات المستزرعة (ومنها سمك السلمون والسلمون المرقط البحري أو ما يعرف بسمك التراوت وسمك الشار القطبي) مسؤولة عن أكثر من نصف التأثيرات البيئية الناجمة عن صناعات هذه الأعلاف بشكل عام. يؤثّر إنتاج أعلاف الدجاج المستزرع على البيئة بنسبة لا تقل عن 78%، فيما يمثّل إنتاج أعلاف سمك السلمون أكثر من 67% من تلك الضغوط البيئية.

اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام مياه الصرف الصحي لإنتاج الأسمدة الصديقة للبيئة؟

يعد الدجاج والسلمون الأكثر اعتماداً على الأعلاف ذات المصادر الحيوانية على اليابسة والبحر، ما يجعلهما محوراً مناسباً للدراسة. تقول كيمبل، التي شاركت في الدراسة: “لقد جمعنا البيانات حول أربعة ضغوط تُمارس على البيئة وهي: انبعاثات الغازات الدفيئة، واستخدام المياه العذبة، وتلوث المواد الغذائية، والاضطرابات البرية والبحرية- في مقياس واحد للحصول على نظرة أكثر شمولية للبصمة البيئية التي يسببها إنتاج الأعلاف لكل من الدجاج وسمك السلمون”.

وقد كشفت النتائج أن 95% من الآثار البيئية للدجاج والسلمون تتركز في 5% فقط من العالم، ويشمل ذلك بعض أكبر المنتجين مثل الولايات المتحدة وتشيلي. تساعد معرفة التوزيع المكاني على فهم التأثيرات على البيئة المحلية. تقول كيمبل: يمكن أن يساعد هذا على تحديد المناطق التي قد تشهد منافسة على الموارد، والتركيز على السياسات الخاصة بكل موقع للحد من التأثيرات البيئية.

إضافة إلى ذلك، وجدت الدراسة أن أكثر من 85% من الآثار البيئية للدجاج والسلمون المستزرعَين تتداخل بشكل أساسي بسبب مكونات العلف المشتركة بينهما. تتكون أعلاف الدواجن التجارية غالباً من محاصيل مثل الذرة والقمح، ولكنها تحتوي أيضاً على مسحوق السمك وزيوت السمك. وفي الوقت نفسه، تتطلب تربية سمك السلمون 2.5 مليون طن من المحاصيل مثل فول الصويا والقمح لإنتاج العلف، لكنهم على الرغم من ذلك ما زالوا يعتمدون في غذائهم على المساحيق السمكية.

تقول كيمبل: “نظراً لأن الأعلاف تسهم بنسبة عالية من البصمة البيئية، من الممكن إجراء تغييرات في هذا المجال لتقليل الضغوط البيئية بشكل عام”.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التغير المناخي على التنوع الميكروبي وصحة التربة؟

تحسين استدامة إنتاج الأعلاف

تقول كيمبل إن بعض الإجراءات يمكن أن تحسّن استدامة إنتاج الأعلاف، ويتضمن ذلك تغيير المكونات الغذائية للأعلاف لتشمل المزيد من الخيارات الصديقة للبيئة. ومن الممكن أن يكون هذا الأمر فعّالاً لأن التأثيرات البيئية للأعلاف تتأثر بشكل أساسي بمكوناتها.

وجد المؤلفون في دراسة أجريت عام 2021 أن تقليل نسبة المكونات عالية التأثير، مثل الحبوب والزيوت، مع زيادة نسبة المكونات ذات التأثير المنخفض، مثل البازلاء أو الفول، قد يخفّض من التأثير البيئي السلبي للحيوانات دون الإضرار بأدائها.

أثّرت صناعة الاستزراع المائي (تربية الأحياء المائية سريعة النمو) على التحول إلى استخدام مكونات الأعلاف التي تعتمد على المحاصيل للحفاظ على الاستدامة في النُظم البيئية للمحيطات. ومع ذلك، بالنسبة للأسماك المستزرعة آكلة اللحوم، فإن الأنظمة الغذائية النباتية ستؤثّر على خصائصها الغذائية، وبالتالي على غذاء الإنسان. لذلك يجب إجراء مزيد من الدراسات لفهم تأثير تركيبات الأعلاف المختلفة على مختلف الأسماك المستزرعة.

وجدت دراسة أجرتها مجلة ساينتفيك ريبورتس (Scientific Reports) عام 2020 أن تقليل مسحوق الأسماك من 35 إلى 15% في علف أسماك السلمون الأطلسي الصغيرة قد أدّى إلى انخفاض نموها، ومع ذلك، فإن استبداله جزئياً بمكملات هيدروليسات بروتين السمك (FPH) في نظام غذائي غني بالبروتين النباتي قد يؤدي إلى أداء نمو مماثل للأسماك التي تتغذى على مساحيق الأسماك بنسبة 35%.

اقرأ أيضاً: لماذا تأكل الأسماك النفايات البلاستيكية؟

كما تقترح كيمبل أيضاً إدخال أعلاف جديدة مثل الطحالب الدقيقة والحشرات لتقليل الضغوط البيئية. حيث يمكن أن تحل الطحالب الدقيقة محل مساحيق الأسماك وزيت السمك بنجاح في النُظم الغذائية لتربية الأحياء المائية، بالإضافة إلى تحسين نمو الدواجن وزيادة جودة لحومها. كما توصلت التجارب الغذائية التي أجريت على الدجاج وأنواع متعددة من الأسماك إلى أن مساحيق الحشرات يمكن أن تحل محل أكثر من 25% من مساحيق الصويا أو مساحيق الأسماك في علف الحيوانات دون إحداث أي تأثيرات سلبية.

بشكلٍ عام، من الممكن أن يصبح إنتاج الأعلاف الحيوانية أكثر استدامة. يقول روزنتراتر: “يعمل العديد من الباحثين بجد لتحسين كفاءة هذه المكونات ومعالجتها، بالإضافة إلى تحسين قابلية الهضم وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة أثناء عملية الهضم، كما أن هناك العديد من التطورات الواعدة التي ستقلل من التأثيرات السلبية لإنتاج الأعلاف ومعالجتها وهضمها”.